برامج الزواج التلفزيونية تشهد إقبالا في تركيا رغم إثارتها للجدل

تعرض القنوات التلفزيونية التركية عددا هائلا لما يسمّى ببرامج الزواج، والملاحظ أن هذه البرامج رغم قدمها إلا أن أعدادها في تزايد كما أن نسب مشاهدتها والإقبال عليها في تزايد. وتثير برامج الزواج آراء متضاربة لدى الرأي العام التركي بين مؤيد وناقد، فهناك من يرى أنها تمثل وسيلة لتسهيل الزواج إضافة إلى متعتها كمادة إعلامية، في حين يعتقد آخرون أنها برامج تروج لـ”الشو الإعلامي” وتضرب عرض الحائط مبادئ الخصوصية الشخصية وثقافة الأسرة وعادات وتقاليد الزواج في المجتمع التركي.
الأربعاء 2016/03/16
الخاطبة التلفزيونية

أنقرة- انتشار برامج الزواج في أغلب المحطات التلفزيونية التركية يجعلها تبدو بمثابة الظاهرة، ورغم الانتقادات الكثيرة التي تلقاها، إلا أنها تعتبر من البرامج المحببة لدى المشاهد التركي، فهي تحظى بمتابعة واهتمام فئات واسعة من المجتمع التركي خاصة من الشباب في سن الزواج، وهو ما تؤكده العديد من الصحف التركية التي تناولتها بالحديث.

ويعتبر برنامج “إيفلين بنيملا” بمعنى (تزوجني) الذي يعرض على قناة “آي تي في” التركية أشهر برامج الزواج في الساحة الإعلامية التركية وتقدمه المذيعة التركية الشهيرة إسراء أرول مقابل أجر شهري يعد الأغلى بين الصحافيين في تركيا، وهي أعلى مقدمات البرامج في التلفزيون التركي أجرا إلى حدود منتصف العام الماضي

(415 ألف دولار)، ما يؤكد الأهمية التي توكلها القناة التلفزيونية لهذا البرنامج نظرا لارتفاع نسب مشاهدته وكثرة المقبلين عليه، إذ أن أجر الحلقة الواحدة من البرنامج يصل إلى 50 ألف ليرة تركية ويتم عرضه 22 يوما في الشهر.

وظل برنامج إسراء أرول الأشهر بين برامج الزواج منذ ما يزيد عن 8 سنوات في تركيا، ورغم تأكيد خبراء ومختصين في هذه النوعية من البرامج على أنها لا تحقق النتائج المتوقعة منها في رفع معدلات الزواج بين المواطنين، مشيرين إلى أن حالات الزواج التي تتم من خلالها قليلة جدا، لكن الإقبال عليها، مشاهدة وحضورا كضيوف، لم يتراجع لأسباب متنوعة ومتعددة.

كثيرون ينتقدون فكرة برامج الزواج نظرا لطرحها للنقاش على الهواء مواضيع جريئة تصل إلى إثارة التابوهات

وتقوم فكرة هذه البرامج على إحضار الراغبين في الزواج من الجنسين الذين يتوافدون بالآلاف ليتم اختيار عدد قليل منهم وفق رؤية معد البرنامج وفلسفته وبعد الحديث معهم وأخذ كل التفاصيل عن حياتهم الخاصة وعن السبب الذي دفعهم للبحث عن شريك حياتهم عبر برنامج تلفزيوني يتم عرض الشخصيات المختارة على الهواء مباشرة ويتحدث المشاركون عن الميزات التي يبحثون عنها في الشريك الذي يبحثون عنه قصد الزواج. ويسمح لمن يجد في نفسه هذه الصفات ولمن أعجبه الطرف المشارك بالتدخل في البرنامج والحضور إليه ثم يتم تحديد موعد بين الطرفين في أستوديو البرنامج ويتحاور الشخصان ويتناقشان في وجهات نظرهما وإن تم التوافق يسمح لهما بمقابلة مباشرة ويواصلان أحاديثهما في الأستوديو بعيدا عن الميكروفون وإن اتفقا على الزواج في النهاية يتكفل البرنامج بمصاريف الزواج وبحفله الذي يعرض مباشرة في البرنامج.

ويوجّه كثيرون انتقاداتهم لفكرة وفلسفة برامج الزواج نظرا لطرحها للنقاش مواضيع خاصة وجريئة تصل إلى إثارة التابوهات في مسألة شديدة الخصوصية بطبعها مثل الزواج على الهواء مباشرة وفي شاشات التلفزيون التي تدخل كل البيوت ويشاهدها كل أفراد الأسرة، وهو ما يراه المحافظون الأتراك كسرا لحدود الخصوصية الشخصية والاحترام بين أفراد الأسرة خاصة في حالة مشاهدتهم للبرنامج مع بعضهم، وضربا لقيم وأخلاق العائلة التركية وبالتالي لعادات وتقاليد المجتمع التركي في ما يخص الزواج وبناء أسرة والطرق السليمة والتقليدية لذلك. وهناك استهجان لطرق تعبير المشاركين بحرية عن رغباتهم ودخولهم في نقاشات مباشرة مع الطرف الآخر، والتي قد تصل أحيانا إلى نقاش حاد وجدل يبلغ درجة السب وتبادل التهم، وهو ما يحيد بالبرنامج عن الدور الموكول له ليدخل عالم الإثارة عبر “الشّو الإعلامي” الذي تترجمه النقاشات الحادة لتشد انتباه المتفرج وتجعله أسير هذا النوع من البرامج.

فكرة هذه البرامج تقوم على إحضار الراغبين في الزواج من الجنسين الذين يتوافدون بالآلاف ليتم اختيار عدد قليل منهم وفق رؤية معد البرنامج وفلسفته

وخلافا للآراء المحافظة والمنتقدة لبرامج الزواج، يرى المعجبون بها أنها تحولت إلى ملجأ ومتنفس للكثير من الشباب من الجنسين الباحثين عن الطرف الآخر وعن الزواج والذين لم يتمكنوا من تحقيق رغبتهم دون مساعدة، خاصة منهم أولئك الذين لديهم مشاكل في التواصل مع الآخر وفي التعبير عن رغباتهم وآرائهم بسهولة، كما يرى المشاركون في هذه البرامج بأنها الحل الأمثل ليجدوا الشريك المثالي في وقت قصير مع فتح الآفاق أمام خيارات وفرص عديدة عبر وسائل الإعلام الأكثر رواجا وهي التلفزيون.

وبعيدا عن تفاصيل إنتاج وإعداد برامج الزواج وعن كواليس تصويرها وما يدور حولها من تهم ومن شبهات تخص أهدافها الأصلية ومبادئها ونجاحها في رفع نسب الزواج في المجتمع التركي من عدمه، فإن انتشارها والإقبال على المشاركة فيها والرغبة في مشاهدتها لدى الجمهور التركي هي مسائل تفترض البحث والدراسة من الجوانب النفسية والاجتماعية غير أنه لا توجد دراسات تحلل مضامينها وتبحث في أسباب رواجها عدا بعض وسائل الإعلام المحلية فقط التي تناولتها عن طريق عرض بعض الآراء المختلفة حولها فحسب.

ويمكن إرجاع نجاح برامج الزواج في التلفزيونات التركية إلى أسباب عديدة أهمها ارتفاع نسب العزوبية بين الشباب التركي لأسباب مادية واقتصادية واجتماعية وعجز الراغبين منهم في الزواج (وليس العازفين عنه اختياريا) عن إيجاد الشريك بسبب العلاقات الاجتماعية المعقدة وتكاليف الزواج التقليدي أو بسبب نمط العيش الذي لا يمنحهم وقتا للبحث عن الشريك. ولكن تظل الأسباب الأبرز لعجز الشباب التركي عن توفير تكاليف الزواج وتحمل مسؤولية تأسيس أسرة متمثلة أساسا في معاناة العديد منهم من البطالة والتهميش واختلال قيم الأسرة لديهم واختلاط المفاهيم عندهم بين الزواج التقليدي والزواج عبر واسطة وبين اختيار الشريك الذي يستجيب أكثر لرغباتهم وميولاتهم الشخصية.

12