بدء إجراءات الاستئناف الدبلوماسي بين السعودية وسوريا

البلدان يتفقان على التعاون في مكافحة تهريب المخدرات وبسط الدولة السورية سيطرتها على جميع أراضيها لإنهاء وجود الميليشيات المسلحة.
الخميس 2023/04/13
خطوات نحو التطبيع بعد مقاطعة طويلة

الرياض - رحب وزيرا خارجية السعودية وسوريا الأربعاء بانفراجة في العلاقات الثنائية، تشمل خطوات لاستئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية، واتفقا على التعاون لمكافحة تهريب المخدرات وتسهيل عودة سوريا إلى الصف العربي.

وفي خطوة مهمة نحو استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض ودمشق، وصل وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى مدينة جدة السعودية الأربعاء، في أول زيارة يقوم بها دبلوماسي سوري كبير إلى المملكة منذ أكثر من 10 سنوات، وهو مؤشر كبير على اقتراب إنهاء عزلة سوريا.

وقطعت الرياض علاقاتها مع دمشق وسط حملة القمع الوحشية التي شنها الرئيس السوري بشار الأسد على الاحتجاجات السلمية في بلده في عام 2011، ودعمت جماعات المعارضة التي حاربت للإطاحة بحكمه. كما علقت الجامعة العربية عضوية سوريا.

ويمثل استئناف العلاقات أبرز تطور في تحركات دول عربية لتطبيع العلاقات مع الأسد. ويأتي بعد أسابيع من لقاء مقداد بكبار الدبلوماسيين من مصر والأردن، أيضا لأول مرة منذ أكثر من 10 سنوات.

واستعاد الأسد بمساعدة حليفتيه الرئيسيتين إيران وروسيا السيطرة على جزء كبير من سوريا وقالت السعودية إن عزله ليس مجديا.

واتفق الجانبان في بيان مشترك في ختام زيارة الأربعاء على ضرورة أن تبسط الدولة السورية سيطرتها على جميع أراضيها "لإنهاء وجود الميليشيات المسلحة".

كما ناقش الوزيران الخطوات اللازمة للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية "تسهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي"، وقالا إن البلدين سيعززان التعاون في مكافحة تهريب المخدرات.

وتتهم الولايات المتحدة ودول أوروبية، ضمن دول أخرى، عائلة الأسد بالقيام بدور قيادي في تجارة غير المشروعة تقدر بمليارات الدولارات في الكبتاغون، وهو نوع من الأمفيتامين تقول تلك الدول إنه يُنتج في سوريا ويساعد في تمويل الحكومة.

ويُعتقد أن الكثير منه يباع لمشترين في دول الخليج العربية، بما في ذلك السعودية.

وتنفي حكومة الأسد ضلوعها في صنع المخدرات وتهريبها وتقول إنها تكافح من أجل كبح التجارة المربحة.

وتأتي زيارة المقداد لجدة قبل يومين من استضافة السعودية اجتماعا آخر لوزراء خارجية عدد من دول المنطقة سيتناول عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

وتعتزم السعودية دعوة الأسد لحضور القمة العربية المقررة في الرياض يوم 19 مايو، في خطوة ستنهي رسميا عزلته الإقليمية، ولكن من غير الواضح ما إذا كان هناك توافق عربي بشأن الأمر.

ويمثل حضور الأسد القمة العربية أهم تطور في مساعي إنهاء العزلة المفروضة عليه من العالم العربي منذ عام 2011 حينما علقت الجامعة العربية عضوية سوريا.

وكانت دول غربية وعربية عدة قاطعت الأسد بسبب حملته الوحشية على الاحتجاجات مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية طويلة.

وستكون عودة سوريا للجامعة التي تضم في عضويتها 22 دولة بمثابة خطوة رمزية إلى حد كبير، لكنها تعكس تغييراً في النهج الإقليمي تجاه الصراع السوري الذي لقي مئات الآلاف حتفهم فيه وأنتج حربا استقطبت عدداً من القوى الأجنبية وقسمت البلاد.

ومنذ وقوع الزلزال المدمر في سوريا وتركيا المجاورة في فبراير الماضي، تلقى الأسد سيل اتصالات ومساعدات من قادة دول عربية في تضامن يبدو أنه سرع عملية استئناف علاقاته مع محيطه الإقليمي، وبرز ذلك بشكل خاص في هبوط طائرات مساعدات سعودية في مناطق سيطرة الحكومة، هي الأولى منذ قطع الرياض علاقاتها مع دمشق.

وفي مقابلة مع قناة روسيا اليوم الشهر الماضي قال الأسد إن "السياسة السعودية أخذت منحى مختلفاً تجاه سوريا منذ سنوات، وهي لم تكن في صدد التدخل في الشؤون الداخلية أو دعم أي فصائل في سوريا".

ويأتي التقارب السعودي-السوري في وقت تتغير فيه الخارطة السياسية في المنطقة بعد الاتفاق السعودي - الإيراني من جهة، وانفتاح تركيا أيضاً تجاه دمشق من جهة ثانية.

وقالت سوريا وتونس الأربعاء إنهما اتفقتا على إعادة فتح السفارتين.

وخلال الشهرين الماضيين زار بشار الأسد سلطنة عمان ودولة الإمارات في أول زيارة لبلدين عربيين منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011، في ظل مساعٍ إقليمية إلى عودة سوريا للحاضنة العربية.

وستكون عودة العلاقات بين الرياض ودمشق أهم تطور حتى الآن في تحركات الدول العربية لإعادة العلاقات مع نظام الأسد ويشير هذا التطور على ما يبدو إلى الدور الذي يلعبه الاتفاق السعودي – الإيراني في أزمات أخرى بالمنطقة.

وتعارض بعض الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة وقطر، تطبيع العلاقات مع الأسد، مشيرة إلى وحشية حكومته خلال الصراع والحاجة إلى تحقيق تقدم نحو حل سياسي في سوريا.

واكتسبت الاتصالات بين المسؤولين السعوديين والسوريين زخما بعد اتفاق تاريخي في مارس الماضي بين السعودية وإيران لإعادة العلاقات، إذ تعد طهران الداعم الرئيس لبشار الأسد.

ويعد التقارب بين الرياض وطهران جزءاً من عملية كبيرة لإعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط وسط تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، وقالت وزارة الدفاع السورية إن إسرائيل شنت ضربات جوية على مواقع في محافظة حمص السورية خلال ساعة باكرة الأحد الماضي، بينما ذكرت مصادر استخباراتية غربية أن سلسلة قواعد جوية في وسط سوريا يتمركز فيها عسكريون إيرانيون تعرضت للقصف.

ولطالما توجهت أنظار السوريين إلى الحي الدمشقي "أبورمانة" الشهير بحي الدبلوماسيين، وبالذات نحو أبواب السفارة السعودية أملاً في أن تنبض بها الحياة من جديد بعد قطيعة سياسية بين الرياض ودمشق امتدت لأكثر من 10 سنوات.

ويترقب الشارع السوري ما سيفضي إليه تحريك المياه الراكدة بين البلدين تزامناً مع حديث عن زيارات دبلوماسية رفيعة المستوى ستكون أولى ثمارها إعادة البعثات الدبلوماسية مجدداً.

وفي غضون ذلك يتوقع مراقبون للمشهد السياسي عودة دمشق لمقعدها في مجلس جامعة الدول العربية بعد تجميد عضويتها منذ عام 2011، لا سيما أن الرياض تستضيف القمة العربية الـ 32 للمجلس في شهر مايو المقبل، بينما أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود أن التواصل مع سوريا قد يمهد الطريق لعودتها إلى الجامعة قائلاً إن "عزل سوريا لا يجدي والحوار مع دمشق ضروري لمعالجة الوضع الإنساني هناك".

وينظر متابعون للشأن السوري بعين الاهتمام إلى المسار السعودي وضرورة أن يكون حاضراً بعد غياب عربي عن الساحة السورية، وبالتالي فقد يؤدي إلى تفاهمات وتسويات سياسية بين الموالاة والمعارضة لإنهاء الأزمة السورية.