بخطابات تصالحية شكلية.. الفصائل الفلسطينية في جولة لرفع المعنويات

قادة الفصائل لم يتعلموا من أخطاء الماضي في إدارة أزماتهم وعاجزين عن تجاوز خلافاتهم.
الأربعاء 2020/09/09
نشاز فلسطيني ينسف أحلام التوافق

خيبة أخرى تسربت إلى المتابعين لحالة التشرذم بين الفصائل السياسية الفلسطينية خلال مؤتمر الأمناء العامين الذي عقد في بيروت بعد تسع سنوات من تأجيله، حيث يُرجح أن تكون مخرجات هذا الاجتماع مجرد حبر على ورق لعدم الجدية في البحث عن مقاربة جديدة تنهي حالة الجمود التي أصابت المشهد السياسي منذ الانقسام الذي حصل في 2006 بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة.

بيروت – تتشكل لدى مختلف الفصائل الفلسطينية قناعة بأنها باتت جميعها في سلة واحدة اليوم بسبب العجز عن اقتراح أفكار جديدة لمواجهة التحديات التي طرأت على القضية الأم خلال السنوات الأخيرة، وتواتر الأحداث في المنطقة، لكنها على ما يبدو أنها عاجزة عن وضع أسس لإنهاء خلافاتها رغم إجرائها مؤتمر الأمناء العامين في العاصمة بيروت بعد تسع سنوات من التأجيل بسبب الظروف التي شهدتها المنطقة.

وتأتي هذه الخطوة، المتأخرة، بعد سنوات من الأخذ والرد والصدامات الداخلية التي لم تؤدّ إلّا إلى المزيد من الخسائر لصالح إسرائيل، ضمن تطورات كشفت أن لا حلّ في الأفق في غياب الوحدة والتوافق بين الفلسطينيين، كما أن الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها، وتشهدها، عدة دول في المنطقة والعالم، وحالة الانقلاب على المنظومات التقليدية، التي تجتاح العالم تطرق أبواب البيت الفلسطيني.

واستبعد محللون سياسيون تطبيق الفصائل الفلسطينية لمخرجات اجتماع الأمناء العامين الذي عقد الخميس الماضي، وذلك بالتزامن مع مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلّة، حيث أنه من غير الممكن اعتباره حجر أساس لبناء المستقبل ووضع حد لحالة الانقسام التي زادت من معاناة الفلسطينيين بشكل أكبر.

خيبة أمل متوقعة

رغم أن المحللين اعتبروا أن عقد المؤتمر، بعد نحو 9 أعوام من تأجيله، خطوة إيجابية، إلا أنهم أشاروا إلى أن الاختلافات العميقة في الرؤى قد تبقي الحال على ما هو عليه أو تنسف أي فكرة لتوحيد الجهود وإعادة سيطرة السلطة الفلسطينية التي تقودها حركة فتح على قطاع غزة.

عبدالمجيد سويلم: خشية من أن يكون الاجتماع تغطية لحالة التعثر الفلسطينية
عبدالمجيد سويلم: خشية من أن يكون الاجتماع تغطية لحالة التعثر الفلسطينية

وعبّر البعض عن خيبة آمالهم إزاء ما استعرضته الفصائل من مواقف خلال خطاباتها في الاجتماع، واصفين لغة الخطابات بـ”التصالحية الخالية من الإجراءات العملية” التي كان ينتظرها الفلسطينيون. فمن خلال الخطابات يتضح أن الفجوة بين الفصائل ما زالت كبيرة، خاصة في ما يتعلق بالبرامج السياسية، وموقفها المُتباين من إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية.

وقد اتفق قادة الفصائل على ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية وإعادة ترتيب البيت الداخلي للتصدي للتحديات والمؤامرات التي تواجه القضية الفلسطينية. وتخندقوا خلف موقف واحد وهو أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة تاريخية خطيرة في ظل صفقة القرن الأميركية، وخطة الضم الإسرائيلية لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة، والتطبيع العربي مع إسرائيل.

ونص البيان الختامي للاجتماع على ضرورة تشكيل لجنة تقدم رؤية استراتيجية خلال 5 أسابيع، لتحقيق إنهاء الانقسام، وتشكيل لجنة وطنية لقيادة المقاومة الشعبية الشاملة.

ووفق المحلل السياسي عبدالمجيد سويلم، فإن أجواء التفاؤل الحذر تسود الشارع الفلسطيني إزاء إمكانية تطبيق مخرجات اجتماع بيروت، وذلك لوجود خشية من أن يكون هذا الاجتماع تغطية لحالة التعثّر الفلسطينية.

وأكد سويلم في تصريح لوكالة الأناضول أن الشعب الفلسطيني يأمل أن تكون هناك محاولات جادة لتجاوز الواقع والذهاب لإجراءات حقيقية، لكنه حذر من أن يكون الاجتماع تغطية لحالة التعثر ورشوة للمجتمع الفلسطيني أكثر مما هي برامج ونية وخطوات حقيقية لتجاوز الواقع.

ووصف سويلم الاجتماع بـ”المهم وذلك نظرا لخطورة المرحلة التي يعيشها الفلسطينيون”، لكنه اعتبر التجربة السابقة في ما يتعلق بالمصالحة ووحدة البرنامج النضالي والشراكة السياسية، كانت مريرة بسبب المشكلات التي تتعلق، بالدرجة الأولى، بمصالح الانقسام.

وهناك دلائل كثيرة يمكن أن يتم التعريج عليها لإثبات الفشل الذريع للفصائل الفلسطينية في توحيد جهودها، فالتجربة السابقة واجهت عقبات حالت دون تحقيق المرجو، سواء كانت العقبات داخلية أو إقليمية، الأمر الذي يزيد من حالة الحذر لدى الشعب من الإفراط في التفاؤل، على حدّ قوله.

ويجمع المراقبون على أن مخرجات الاجتماع، الذي دار عبر تقنية فيديو كونفيرنس، لم تشمل قضايا محسومة سلفا، تشي برغبة حقيقية في الذهاب لتجسيد حالة الوحدة، كما أنه لا توجد خارطة طريق لدى الفصائل للخروج من المأزق.

وكمثال على ذلك، لم يتم الحديث كيف سيتم دخول حماس والجهاد لمنظمة التحرير، هل عبر توافق أم انتخابات؟ كما لم يشر أي فصيل لموضوع الانتخابات، كأنه مؤجل، وليس ضمن آليات إنهاء الانقسام، وهناك الكثير من المشكلات دون أن نجد آليات محددة يصعب معها الحديث عن تفاعل حقيقي.

وحتى الآن، لم تنضم حركتا حماس والجهاد الإسلامي لمنظمة التحرير التي يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس زعيم حركة فتح، حيث تطالب الحركتان بـ”إصلاح” المنظمة، كي “تُمثّل الشعب الفلسطيني، بكافة مكوناته”.

ويعتقد سويلم أن مسار حل الأزمة الداخلية الفلسطينية يكون عبر مرحلتين؛ الأولى لملمة الجراح، وهي مرحلة يمكن إنجاحها. وأما الثانية فهي التأسيس لمرحلة مواجهة من خلال بناء نظام ديمقراطي راسخ وقوي يذهب بالشعب نحو الشراكة السياسية الملزمة، وهذا يبدو مستبعدا على الأقل على المدى القصير.

وهم المُصالحة

محادثات حبيسة خلافات الماضي
محادثات حبيسة خلافات الماضي

يسود أراضي السلطة الفلسطينية، التي تشمل الضفة الغربية وغزة، انقسام سياسي منذ يونيو 2007 بعد أن سيطرت حماس على القطاع، بسبب خلافاتها الحادة مع حركة فتح، ولم تفلح وساطات إقليمية ودولية في إنهائه حتى اليوم، ما جعل من مسألة عقد مصالحة أمرا بعيد المنال.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم، إن قادة الفصائل حرصوا خلال خطاباتهم على تبادل المجاملات والجمل التصالحية، والحديث عن الشراكة، بينما غابت بشكل واضح أسس توصيف الواقع والتدهور الحاصل في القضية. واعتبر أن بُعد هذه الخطابات عن المضامين الإجرائية يجعل منها خطابات إنشائية، مستبعدا تطبيقها على أرض الواقع.

وما يؤكد ذلك الموقف أن الحديث عن تشكيل لجان لبحث آلية المصالحة يعني في طبيعة الحال أن هذا الملف لن يتحقق، بسبب عدم وضع حلول جذرية للقضايا التي كانت عالقة في ملف المصالحة، والتي منعت تطبيقه على مدار سنوات.

ويرى إبراهيم أن من أراد المصالحة، كان عليه أن يعلن عن خطوات إجرائية تقرب من التطبيق الكامل لهذا الملف، كرفع إجراءات السلطة عن قطاع غزة، وإتاحة الحريات للعمل السياسي في الضفة وغزة. وأكد أن قادة الفصائل لم يتعلموا من أخطاء الماضي في إدارة هذا الملف، ما يشي بأن عدم التنفيذ هو أمر وارد بدرجة كبيرة.

مصطفى إبراهيم: غياب الرغبة في الحديث بشكل حقيقي عن إعادة بناء النظام السياسي
مصطفى إبراهيم: غياب الرغبة في الحديث بشكل حقيقي عن إعادة بناء النظام السياسي

واللافت للانتباه، بحسب إبراهيم، غياب الرغبة في الحديث بشكل حقيقي عن إعادة بناء النظام السياسي على أسس يشارك بها الكل الفلسطيني بعيدا عن هيمنة السلطة ورؤيتها لهذا النظام.

وعكس الاجتماع الاختلاف الكبير في البرامج السياسية بين فتح وحماس في ما يتعلق بالبرنامج النضالي الذي تتبنى فيه الأولى المسار السياسي التفاوضي والمقاومة الشعبية لإقامة دولة على حدود 1967، بينما تتبنى الثانية كل أدوات النضال بما فيها العسكرية.

ورأى المحلل السياسي تيسير محيسن، في تأثير خلاف الحركتين على ملف إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها، مؤشرا يدفع بمخرجات الاجتماع بعيدا عن التنفيذ. وقال إن هذا الملف من الملفات الجوهرية لدى حركة حماس، حيث يفتح باب الشراكة السياسية ويمنع حالة التفرد بالقرار الفلسطيني، ويوحّد البرنامج النضالي للفصائل لمواجهة العدو.

وذهب محيسن إلى الرأي القائل إن الخلافات عميقة بدرجة لا يمكن لأحد أن يتوقع عكس ذلك، إذ لم يطرأ جديد على موقف الحركتين في ما يتعلق بإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، فحركة حماس ما زالت تتمسك بضرورة إصلاح المنظمة، وإعادة تشكيلها، ومن ثم السماح للكل الفلسطيني بالانضمام إليها.

تعارض حماس، وفق محيسن، مسار التسوية السلمية الذي تتبناه المنظمة، حيث يشكّل هذا المسار هاجسا لديها ولدى حركة الجهاد الإسلامي، بينما تعارض حركة فتح ذلك الأمر، حيث أنها “توافق على التشكيلة الحالية للمنظمة أو مؤسساتها”.

ومن الواضح أن الانطباع السائد حول الاجتماع كان يتعلق بنوعية الخطابات “الشكلية”، حيث لم تشر بتاتا إلى صدق النوايا بإنهاء الوضع الفلسطيني الحالي، وبدء مرحلة جديدة تقوم على التوافق والشراكة السياسية. ولم تضم قرارات متعلقة بقضايا لها علاقة بالتخفيف عن المواطنين في غزة، نصت على تشكيل لجان لتحقيق الوحدة، وتوحيد المقاومة الشعبية.

6