بايدن لا يملك النفوذ الكافي لإجبار نتنياهو على وقف الحرب في غزة

الرئيس الأميركي: اتفاق السلام أكثر صعوبة بالنسبة إلى غزة مقارنة بلبنان.
السبت 2024/10/19
بايدن يواجه تعقيدات مع اقتراب انتهاء ولايته

غزة - مع اقتراب انتهاء ولايته، لا يملك الرئيس الأميركي جو بايدن نفوذا كافيا لدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب في قطاع غزة، لاسيما بعد مقتل زعيم حركة حماس يحيى السنوار، الذي تتهمه إسرائيل بأنه العقل المدبر لهجوم السابع من أكتوبر 2023.

وقال بايدن، مساء الجمعة إن هناك إمكانية للعمل على التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان لكن الأمر سيكون أصعب في غزة،  في تراجع عن تصريحات سابقة له وللبيت الأبيض من أن مقتل السنوار سيؤدي إلى نقطة تحول من شأنها تسريع محادثات إنهاء الحرب في القطاع.

وكان مقتل السنوار أحيا آمال البعض في أنه قد يمهد الطريق لإعادة إحياء المفاوضات المتوقفة والرامية إلى التوصل لاتفاق سعى إليه بايدن طويلا لوقف إطلاق النار في غزة وتحرير الرهائن.

إلا أن مثل هذه النتيجة ليست مؤكدة على الإطلاق، وهو ما تعكسه تصريحات بايدن، الذي يواجه صعوبات متتالية ومتشابكة في الشرق الأوسط.

جون ألترمان: بنيامين نتنياهو مقامر تحركه النجاحات السابقة
جون ألترمان: بنيامين نتنياهو مقامر تحركه النجاحات السابقة

وستتعقد جهوده الرامية إلى وقف إطلاق النار في غزة بسبب القتال الذي تخوضه إسرائيل بالتوازي ضد حزب الله في لبنان، فضلا عن الاستعدادات الإسرائيلية للرد على إيران التي تدعم حزب الله وحماس بعدما أطلقت طهران وابلا من الصواريخ الباليستية عليها بداية هذا الشهر.

وقال جوناثان بانيكوف النائب السابق لمسؤول المخابرات الوطنية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط إن “وفاة السنوار من شأنها أن توفر فرصة جديدة للرئيس بايدن للدفع مرة أخرى نحو تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، ومن شأنها أن تزيد الضغوط على نتنياهو من أجل القيام بذلك”.

وتابع بانيكوف الذي يعمل الآن في مؤسسة المجلس الأطلسي للأبحاث أن “إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف الأعمال القتالية من عدمه سوف تعتمد على الزعيم الجديد لحماس، وعلى استعداد نتنياهو للإعلان أخيرا عن النصر وإبرام اتفاق”.

ومع اقتراب موعد انتهاء ولايته والانتخابات المقررة في الخامس من نوفمبر المقبل في الولايات المتحدة، قد يواجه بايدن صعوبة في إقناع نتنياهو بالاستجابة الكاملة لمناشداته.

ورغم أن إدارة بايدن أبلغت إسرائيل هذا الأسبوع بأنه يتعين عليها أن تعمل على تحسين الوضع الإنساني في غزة وإلا فإنها ستواجه قيودا محتملة على المساعدات العسكرية الأميركية، فإنه لا يزال من غير الواضح مدى استعداد الولايات المتحدة للتصرف وفقا لهذا التحذير.

ويقول بعض المحللين إن نتنياهو قد يفضل الانتظار حتى نهاية ولاية بايدن في يناير المقبل وتجربة حظوظه مع الرئيس المقبل سواء المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس أو منافسها الجمهوري دونالد ترامب الذي تربطه بنتنياهو علاقات وثيقة.

وعبّر جون ألترمان المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية والذي يعمل الآن في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن عن تشاؤمه من أن نتنياهو سيستجيب للضغوط المتجددة من بايدن لاستئناف محادثات غزة التي توسطت فيها مصر وقطر.

وقال ألترمان إن نتنياهو “مقامر تحركه النجاحات السابقة، فهو يرى أن كل المجازفات الكبيرة التي اتخذها في الأشهر الستة الماضية، والتي قال الناس إنها جنونية، قد أتت بثمارها، والأمر الأكثر إثارة للإعجاب هو قتل يحيى السنوار”.

مطالب متغيرة

وفاة السنوار من شأنها أن توفر فرصة جديدة للرئيس بايدن للدفع مرة أخرى نحو تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار

دأبت إدارة بايدن على اعتبار السنوار، المفكر السياسي والاستراتيجي الكبير في حماس، العقبة الرئيسية أمام الهدنة وتبادل الرهائن الذين تحتجزهم الحركة بسجناء لدى إسرائيل.

ولكن حتى مع استشهادهم برفض السنوار للتسوية، انتقد بعض المسؤولين الأميركيين نتنياهو في أحاديث خاصة لتعنته ومطالبه المتغيرة بينما كان يسعى إلى استرضاء أعضاء اليمين المتطرف في ائتلافه الحاكم.

ولم يهدر نتنياهو الكثير من الوقت في إعلان أن مقتل السنوار “صفّى الحساب” مع زعيم حماس “الشرير” بينما أصر أيضا على أن الحرب في غزة لم تنته وأن إسرائيل ستواصل القتال إلى حين عودة رهائنها.

وفي بيان صدر بعد فترة وجيزة، أيد بايدن حق إسرائيل في القضاء على قيادة حماس لكنه تحول إلى القول إنه سيناقش مع نتنياهو سبيلا “لإنهاء هذه الحرب مرة واحدة وإلى الأبد”.

ويعكس التناقض بين كلمات بايدن ونتنياهو بعض الخلافات بينهما بخصوص أسلوب إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للحرب في غزة وقد تنذر بالمزيد من التوتر.

واختير السنوار زعيما لحماس بعد اغتيال رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في طهران في يوليو الماضي. وأعقب ذلك اغتيال إسرائيل لأمين عام حزب الله حسن نصرالله في بيروت الشهر الماضي.

نتنياهو قد يفضل الانتظار حتى نهاية ولاية بايدن في يناير المقبل وتجربة حظوظه مع الرئيس المقبل سواء

وبينما يشير بعض المحللين إلى أن مقتل السنوار قد يمنح نتنياهو غطاء سياسيا للتفاوض بمرونة أكثر، فإن أيّ تحرك لإبرام صفقة مع حماس من المرجح أن يواجه مقاومة شرسة من أعضاء مجلس الوزراء اليمينيين المتطرفين الذين عارضوا الشروط المقترحة سابقا للاتفاق.

كما أن احتمالات نجاح بايدن في تنشيط جهود السلام في غزة تتضاءل بسبب الأسئلة عمّن سيحل محل السنوار، الذي كان يتمتع بنفوذ لا مثيل له داخل حماس. ولا يتمتع أيّ من خلفائه المحتملين بالمكانة نفسها.

ومن غير المعروف من قد يتفاوض نيابة عن حماس ولديه السلطة لاتخاذ القرارات. ولم يتسن بعد الوصول إلى مسؤولي حماس للتعليق.

وقال برايان كاتوليس الباحث الكبير في معهد الشرق الأوسط في واشنطن “من الناحية العملية، تشكل كيفية تنفيذ وقف إطلاق النار أو إنجازه تحديا حقيقيا في ظل حالة الفوضى التي عليها هياكل القيادة والسيطرة في حماس”.

ومن وجهة النظر الإسرائيلية، يقول بعض المحللين إن الوقت قد يكون مناسبا الآن لتوجيه ضربات أقوى لحماس في ظل افتقارها لزعيم بدلا من التراجع، مما يزيد من احتمالات تكثيف الحرب.

من الصعب التحول إلى السلام

أيّ تحرك لإبرام صفقة مع حماس من المرجح أن يواجه مقاومة شرسة من أعضاء مجلس الوزراء اليمينيين المتطرفين الذين عارضوا الشروط المقترحة سابقا للاتفاق

وفي اليوم التالي لمقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، لم يتوقف القصف في قطاع غزة الذي دمرته الحرب.

وفي الساعات التي تلت إعلان مقتل السنوار تعرّضت مناطق عدة في القطاع المحاصر لقصف عنيف.

وأعلن الدفاع المدني في غزة بعد غارة نفّذت فجرا، أن فرق الإنقاذ انتشلت جثث ثلاثة أطفال فلسطينيين من تحت أنقاض منزلهم في شمال القطاع.

وصرح جمعة أبومندي (21 عاما) في مدينة غزة “كنا نعتقد دائما أنه عندما تأتي هذه اللحظة (مقتل السنوار)، ستنتهي الحرب وستعود الحياة إلى طبيعتها”.

وأضاف “لكن لسوء الحظ الواقع على الأرض مختلف تماما. لم تتوقف الحرب وعمليات القتل مستمرة بلا هوادة”.

وتحاصر القوات الإسرائيلية مساحات واسعة من شمال غزة، ويحول إغلاق طرق دون إيصال الإمدادات إلى المنطقة.

وقال مصطفى الزعيم (47 عاما) من سكان حي الرمال في غرب مدينة غزة “إذا كان اغتيال السنوار أحد أهداف هذه الحرب. حسنا، لقد قتلوا اليوم يحيى السنوار”. وأضاف “كفى موتا وجوعا وحصارا. كفى عطشا وجوعا، كفى جثثا ودماء”.

واعتبرت  لورا بلومنفيلد، محللة الشرق الأوسط في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن، “مع استمرار حساب الانتقام الإسرائيلي مفتوحا مع إيران وسقوط صواريخ وكلاء طهران على تل أبيب، سيكون من الصعب على رئيس الوزراء نتنياهو التحول إلى السلام”.

6