باريس ترصد العلاقات بين اليهود والمسلمين من الاستعمار إلى الآن

باريس- لا تزال العلاقة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة شديدة الحساسية والتوتر، وتحاول باريس جاهدة التخفيف من حدتها وتداعياتها على الكثير من الأجيال ممن كانوا ضحايا الاستعمار أو حتى ممن انتقلوا للعيش في فرنسا ومورست عليهم أنواع من العنصرية على أساس العرق وحتى الدين.
وتنظم باريس معرض “يهود ومسلمون من فرنسا الاستعمارية إلى أيامنا هذه” في نظرة تاريخية مختلفة للعلاقات المعقدة والحساسة بين هاتين المجوعتين على مدى قرن ونصف القرن بهدف “الإبقاء على جسور”.
وقال المؤرخ بنجامان ستورا المفوض العام للمعرض “إنها المرة الأولى التي نخوض فيها هذه المغامرة الفكرية الصعبة أي تاريخ العلاقات بين اليهود والمسلمين الممتد على فترة طويلة”.
◙ المعرض يقود الزائر عبر ثلاث مراحل رئيسية من الاستعمار الفرنسي لدول شمال أفريقيا مدعومة بصور ومقاطع مصورة
ويحمل المعرض عنوانا فرعيا هو “معلومات تاريخية أكثر وصور نمطية أقل” وينطلق الثلاثاء في متحف تاريخ الهجرة ويستمر حتى السابع عشر يوليو.
ويوضح ستورا أن المعرض “لا يركز على المواجهات بل على إمكانات نقل ذاكرة مشتركة، من دون سذاجة” بهدف “مد جسور والمحافظة عليها”.
ويعتبر هذا المعرض “امتدادا” لمعرض “يهود الشرق تاريخ يمتد لآلاف السنين” الذي انتهى في الثالث عشر مارس الماضي في معهد العالم العربي مع “بعد تكميلي” مرتبط بـ”التاريخ السياسي والثقافي والاجتماعي في فرنسا” على ما يؤكد المفوض التنفيذي المؤرخ ماتياس دريفوس.
وكان معرض يهود الشرق قدم لمحة عن إنجازات اليهود العرب وتفاصيل من حياتهم وفاعليتهم، قبل أن يتسبب التعصب في هجرة أغلبهم إلى بلدان أوروبية وإلى الولايات المتحدة بشكل خاص، فيما بقي تاريخهم مكونا أساسيا في الثقافة العربية والمشرقية.
وكانت فرنسا منذ مطلع القرن السابع عشر (1600) حتى أواخر العقد الثامن من القرن العشرين (1980) إمبراطورية استعمارية مسيطرة، وكانت تمتلك عدة مستعمرات في مواقع مختلفة حول العالم. وفي القرنين التاسع عشر والعشرين، كانت ثاني أكبر سلطة في العالم بعد الإمبراطورية البريطانية.
ويقود مسار المعرض الزائر عبر ثلاث مراحل رئيسية من الاستعمار الفرنسي لدول شمال أفريقيا، مدعومة بصور وملصقات ومقاطع مصورة من أرشيف المعهد الوطني للمرئي والمسموع.
وتمتد المرحلة الأولى بين العامين 1830 و1914 مع بدء الوجود الفرنسي في الجزائر (1830) ومن ثم تونس (1881) والمغرب (1912) فيما تشمل الثانية مرحلة ما بين الحربين العالميتين ونظام فيشي وانتهاء الاستعمار في المغرب وتونس. أما المرحلة الثالثة من 1967 إلى أيامنا هذه، فتشمل فرنسا فقط مع انتقال جاليات يهودية ومسلمة باتت اليوم من حيث العدد الأكبر في أوروبا.
ويقع الزائر على أدلة “فصل” أو “مواجهات” بحسب تعبير ستورا. فمرسوم كريميو الصادر عن الدولة الفرنسية في العام 1870 والذي تعرض نسخة رسمية منه، يمنح الجنسية الفرنسية إلى 35 ألف يهودي من الجزائر ويحرم منها ثلاثة ملايين مسلم. وكان هؤلاء يتمتعون بوضع “السكان المحليين” مع حقوق مدنية وقانونية محدودة ما أثار في نفوسهم شعورا بالظلم.
وسيكون لذلك تداعيات استمرت مفاعيلها إلى العام 1962 مع استقلال الجزائر. فاليهود الذين وصلوا إلى فرنسا اعتبروا مواطنين تم إجلاؤهم فيما اعتبر مسلمون انتقلوا إلى فرنسا أنهم مهاجرون.
ويشير ستورا إلى “صدمة كبيرة” أخرى تتمثل بأحداث قسنطينة التي وقعت في العام 1934 وأدت إلى مقتل 28 شخصا هم 25 يهوديا وثلاثة مسلمين، واندلعت بسبب تعرض مسلمي قسنطينة للإهانة بسب رسولهم وشتم عقيدته وربه من قبل يهودي وهو المدعو خليفي الياهو، وقام بالتبول داخل المسجد تعبيرا عن إهانته للمقدسات الإسلامية وسميت بذلك بانتفاضة سكان قسنطينة ضد اليهود.
ويوضح دريفوس أن النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني استحال “النقطة التي تشنج العلاقات بين اليهود والمسلمين في فرنسا” من حرب 1967 حتى الآن.
لكن المعرض يظهر أيضا التفاعل بين اليهود والمسلمين في الوسط الموسيقي وفي مجال الرسم خصوصا خلال مرحلة ما بين الحربين، أو دعم (وإن أتى من أقلية) عائلات يهودية وقفت في معسكر الجزائر خلال حرب الاستقلال.
ويغوص الزائر من خلال المعرض في الأجواء الشرقية الطاغية على حي بيلفيل في باريس في سبعينات القرن الماضي والتي سيستلهمها مخرجون سينمائيون.
ويلفت المعرض انتباه الزائر إلى العنصرية التي يواجهها المسلمون وإلى معاداة السامية الحديثة منذ الانتفاضة الثانية. وتستوقفه كذلك صور مراهقين مسلمين ويهود ومسيحيين وملحدين من مدرسة تكميلية في منطقة باريس.
وأتت الأعمال والوثائق المعروضة من مؤسسات وطنية فرنسية في المقام الأول بخلاف ما عرض في معرض “يهود الشرق” الذي استفاد من إعارات من مؤسسات إسرائيلية ما أثار جدلا.