باحث مغربي يتصدى لظاهرة إيريك زمور الذي يدعي امتلاك التاريخ

صدور الكتاب بالتزامن في تونس والمغرب والجزائر تضامن مغاربي لمواجهة هذه الشخصية الإعلامية التي تروّج للانقسام.
السبت 2022/01/22
شخصية ستمزق الثقافة الفرنسية

الرباط – سيصدر يوم الاثنين المقبل للمتخصص في علم الاجتماع المغربي – الفرنسي إدريس أجبالي كتاب جديد بعنوان “إيريك زمور، إهانة فرنسية”. ويستند هذا الكتاب -الذي يعد ردا قويا على “ظاهرة إيريك زمور”- إلى وقائع لتحليل وفك رموز هذه الظاهرة النشاز داخل المشهد الفكري الفرنسي.

ويتعلق الأمر بكتاب سيصدر بشكل متزامن من طرف ثلاث دور نشر في أربعة بلدان هي فرنسا والمغرب (دار ملتقى الطرق) وتونس (دار نيرفانا) والجزائر (دار فرانتز فانون)، وهي سابقة من نوعها و”منجز ناجح” للناشر المغربي عبدالقادر الرتناني، مدير (ملتقى الطرق).

وعن هذا الأمر يقول الرتناني في تصريح له “إنها عملية فريدة من نوعها تمت بمعية داري نشر من تونس والجزائر في إطار تضامن مغاربي في مواجهة إيريك زمور، ‘هذه الشخصية’ الإعلامية التي تروج للانقسام”.

فك رموز ظاهرة نشاز داخل المشهد الفكري الفرنسي

وأضاف الرتناني أنه “منذ أكثر من 30 عاما، يقوم إدريس أجبالي بعمل بارز في مجال التفكير في قضايا الهجرات. لقد قرأت كتاباته، وعملنا بجد لإصدار الكتاب الذي ألفه حول ما تدعو إليه ‘هذه الشخصية’ غير العادية، التي تحمل نذر حرب أهلية بفرنسا”.

ويتوقف أجبالي في هذا الكتاب الواقع في ما ينيف عن 500 صفحة تتوزع على مقدمة وخاتمة و17 فصلا، عند الأحداث الرئيسية التي عاشتها فرنسا على مدى العقدين الماضيين (2000 – 2017). ويأتي هذا الإصدار كتتمة لمؤلفاته السابقة التي صدرت مطلع سنوات 2000 وهي كتاب “Violences et immigration” (صدر سنة 2000)، الذي كتبت مقدمته كاثرين تروتمان، وزيرة الثقافة والاتصال سابقا، وكتاب “Ben Laden n’est pas dans l’ascenseur” (صدر سنة 2002) الذي وقعه بشكل مشترك مع دانيال ريو.

يشار إلى أنه بعد تجربة طويلة في حي بمدينة ستراتسبورغ، فرض أجبالي نفسه باعتباره عارفا مشهودا له بقضايا الهجرة، ولاسيما قضايا العنف الحضري، وهو ما تشهد عليه العديد من الكتابات التي ينشرها منذ 20 سنة في العديد من وسائل الإعلام المغربية والفرنسية.

ويتضمن الكتاب فهرسا غنيا؛ فمن “صفعة بايرو” إلى “إسلام فرنسا”، ومن “سكان فرنسا الأصليون” و”قضية شارلي” إلى “عصابات البرابرة”، وهجمات 2015، يرسم الباحث خطاطة سوسيولوجية لفرنسا في بدايات القرن الحالي، والتي سيشكل إيريك زمور خيطه الناظم في ذلك.

وإذا كان الكتاب يتوقف عند سنة 2017 فلأن ذلك يتزامن مع ولاية إيمانويل ماكرون. على أن أجبالي خصص خاتمة الكتاب للسنوات الخمس الأخيرة التي تميزت بحركة السترات الصفراء وجائحة كوفيد – 19 والإرهاب الإسلاموي وغياب الشعور بالأمن ونزعة تحقير الشعوب الأصلية.

ويسعى أجبالي من خلال مؤلفه إلى دحض دعاوى زمور الذي يدعي أنه حذر الفرنسيين منها منذ 30 سنة. وقال أجبالي في تصريح له إن إيريك زمور “كان غائبا عن الساحة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي في ما يتعلق بقضايا الهجرة”، مضيفا أنه “أصبح بمثابة منظر أيديولوجي منذ سنة 2006، وخصوصا بعد سنة 2008. لقد قدم متأخرا إلى مجال القضايا الهوياتية. ولأنه موهوب فقد أصبح قائدا في هذا المجال الذي لا ينشط فيه وحده، وإنما تروج أفكار العديد من وسائل الإعلام التي تشكل منصات انطلاق بالنسبة إليه”.

أجبالي يسعى من خلال مؤلفه إلى دحض دعاوى زمور الذي يدعي أنه حذر الفرنسيين منها منذ 30 سنة

ويرى الكثيرون أن زمور قارئ نهم لكتب التاريخ، ولكن قراءة كتب التاريخ لا تحوّل أيّا كان إلى مدرّس أو باحث أو متخصص في التاريخ. وهذا ما واجهه به منتقدوه حين لاحظوا توسله بسردية ميثولوجية عن فرنسا وإرثها، على طريقة موريس باريس وجاك بانفيل، سردية تحظى بإعجاب غير العارفين، ولا يهمه اعتراض أهل الاختصاص من الأكاديميين، فما هم في نظره سوى “دوكسا” أدعياء.

الغاية في نظره هي التماهي مع رجل الأعمال الملياردير فانسان بولوري الذي يمتلك العديد من المؤسسات الإعلامية في صياغة “هويّة سردية” عن فرنسا على مزاجه، وحسب مصالحه التي تكاد تتلخص في كونه هوويّا يعلي هويّته وينكر هوية الآخر، وخاصة العرب المسلمين، وفي هوسه بكتابة تاريخ مغاير للبحث التاريخي المتين ينخرط في حرب ثقافية لا أفق لها غير حرب أهلية، وإن شئنا الدقة إبادة جماعية، لكون المسلمين أقلية لا نفوذ لها ولا عدّة ولا عتاد.

وبالنسبة إلى أجبالي فإن زمور -الذي كان له طموح أدبي لم يكتب له النجاح- لجأ إلى كتابة المقالات التي شكلت ظاهرة خاصة مع نشرها في كتابه “الانتحار الفرنسي” (2014). ومع مرور الزمن أصبحت تصريحاته مثيرة ومتجاوزة للحدود قبل أن ينتهي به المطاف “شركة متخصصة في الإهانة”.

“إريك زمور، إهانة فرنسية”، هو عمل مكثف. وإننا لا نستشف من خلال نص إدريس أجبالي أي شكل من أشكال الضغينة. وإذا كان المضمون قاسيا أحيانا على زمور فإنه يدعو إلى الاهتمام بالمستجدات الفرنسية بأسلوب ينضح باحترام كبير لفرنسا ولماضيها وثقافتها.

13