باحث فرنسي: الإخوان في أزمة

القاهرة – سلسلة الأحداث الإرهابية التي شهدتها بعض الدول الغربية في الفترة الأخيرة، والتي بلغت ذروتها في حوادث العاصمة الفرنسية باريس قبل شهور، ثم المحاولات الإرهابية في بريطانيا، ساهمت في تسريع تغير الموقف الغربي من جماعة الإخوان المسلمين، التي ينظر لها في العواصم الأوروبية على أنها المدخل الوحيد لكل تنظيمات الإسلام السياسي وحتى الجماعات المتطرفة.
هذه الرؤية يدعمها الباحث الفرنسي مايكل برازان، مؤلّف كتاب “الإخوان المسلمون: تحقيق في آخر أيديولوجية شمولية”، في حوار مع “العرب”، قال فيه إن الغرب اكتشف أو تيّقن كيف أن الإخوان “زرعوا أنفسهم بشكل دائم في المشهد النقابي خلال الثلاثين عاما الماضية، واستطاعوا تمديد شبكات مترامية الأطراف تجمع بين العشرات أو حتى المئات من الجماعات والاتحادات في العديد من دول أوروبا تحت غطاء إنساني أو حقوقي”.
أسئلة كثيرة دارت حول مستقبل جماعة الإخوان في الغرب في أعقاب قرار اللجنة القضائية بمجلس النواب الأميركي بطلب إدراجها على لائحة المنظمات الإرهابية، وقبل ذلك تقرير اللجنة التي شكلتها الحكومة البريطانية والذي ربط الجماعة بالتطرف.
لكن برازان يرى أنه من السابق لأوانه تحديد ملامح هذا المستقبل وإعطاء تصور واضح بشأن الإخوان في بريطانيا أو الولايات المتحدة، رغم تأكيده أن حكومتي الدولتين اللتين كانتا تدعمان نظام الإخوان المسلمين لتولي مقاليد السلطة في عدة دول عربية في وقت سابق، بدأتا في اتخاذ الحيطة والحذر الشديد من هذه الجماعة وما يمكن أن تمثله أيديولوجيتها، وتم وضع المنظمات الرسمية التابعة لها تحت المراقبة.
الضبابية التي تغلف مشهد مستقبل الإخوان في الغرب، تقابلها على الناحية الأخرى حقائق تصب في صالحهم واستمرار وجودهم، الذي تراه بعض أجهزة الاستخبارات الغربية ضروريا، لمنع إخلاء الساحة لصالح التنظيمات الأكثر تطرفا.
ومردّ ذلك، وفق برازان، أن الجماعة نجحت على مدى سنوات في أن تجعل نفسها ضرورية تقريبا للغرب، خاصة أن قياداتها يقدّمون أنفسهم دائما باعتبارهم الجانب المعتدل للإسلام السياسي، مقابل العديد من التنظيمات الأكثر تطرفا.
المصالحة قادمة
تزامن التوجه الأميركي البريطاني لمراقبة جماعة الإخوان وتقييد نشاطاتها مع الحديث عن المصالحة بين الجماعة والنظام الحاكم في مصر؛ وهو حديث ظهر إثر سقوط نظام الإخوان في 30 يونيو 2013، وبقي يظهر صداه ويختفي حسب الضغوط السياسية أو الاقتصادية، وأحيانا حسب مصالح بعض النخب المصرية التي تبحث عن دور سياسي، فلا تجد أفضل من تقديم نفسها كوسيط للمصالحة.
الحكومات المصرية أعطت الجماعة فرصة الاستدامة مقابل توليها التأمين الاجتماعي للفقراء
لكن، السلطة الحاكمة لم تبلور موقفا واضحا من فكرة المصالحة حتى الآن، تاركة الباب “مواربا” أمام كافة الاحتمالات عبر تصريحات متفرقة عن أن الشعب المصري هو من يقرر قبول المصالحة من عدمه.
كذلك لم تقدم الجماعة موقفا واحدا تجاه فكرة المصالحة، وإنما على العكس اندلعت الخلافات داخلها بين جيل القيادات التاريخية المؤيدة لإعادة اندماج الجماعة في الحياة السياسية عبر تقديم بعض التنازلات، وجيل الشباب الرافض للتسوية قبل الثأر لدم من قتلوا خلال المواجهات مع الشرطة خلال المواجهات التي سبقت ثورة 30 يونيو.
مايكل برازان، الذي جاب العالم العربي وأوروبا وأميركا طوال سنتين حتى يستطيع فهم حقيقة الإخوان المسلمين، ويؤلف كتابه “الإخوان المسلمون: تحقيق في آخر أيديولوجية شمولية”، يرى أن المصالحة قادمة، لكن على المدى البعيد من خلال تيار دعم الشرعية الذي يقوده قدامى التنظيم أمثال محمود حسين ومحمود عزت. وهذا التيار يهدف إلى إنهاء التوتر مع السلطة في مصر واستعادة التواجد داخل المجتمع.
الحاجة إلى دور اجتماعي
رغم قناعته بأن الإخوان تجار حروب وتعصب وليست لديهم أي خبرة في إدارة الدول، ومن الواضح أنهم كانوا يسعون لسحب مصر والمنطقة بالكامل إلى الهاوية، فإن برازان يصر على حتمية المصالحة، لأن الجماعة لا تزال تمثل قطاعا كبيرا من المجتمع المصري، ولا يمكن تهمشيها إلى الأبد.
والأخطر من هذا، كما قال برازان، يتمثل في حاجة الدولة المصرية إلى الدور الاجتماعي الذي تقوم به الجماعة منذ عقود، ففي بلد لا تستطيع الحكومة فيه أن توفر الأمن الاجتماعي للفئات الأكثر حرمانا، فإن جماعة الإخوان للأسف تولت القيام بهذا الدور، منذ عدة عقود وكانت الدولة تتظاهر بأنها لا ترى، لكنها كانت موجودة وضمنت، إلى حد ما، شكلا من أشكال إعلان الاستدامة للإخوان، مقابل توفير التأمين الاجتماعي للفقراء الذين كانوا يستفيدون من بعض الإعانات الصحية والمساعدة الاجتماعية، وهو ما ساعد الإخوان على الانتشار والبقاء.
ولفت الكاتب ومخرج الأفلام الوثائقية الذي برع في الأبحاث التاريخية والمشاريع المتعلقة بالجماعات والتنظيمات السرية في العالم العربي، إلى أن الجماعة مرت بأوضاع مشابهة من قبل، بداية من أحداث عام 1954، ثم في الستينات وأيضا بعد اغتيال السادات، ومع ذلك لم تفقد شعبيتها حتى بعد “تواطؤها الواضح” على مقتل السادات إلا أنها استمرت.
|
وفسر برازان ذلك بأن الجماعة تمثل جزءا تاريخيا ومؤثرا من تاريخ المجتمع المصري، لكنها قبل ذلك هي فكرة ولا يمكن للفكرة أن تموت أو تختفي بين ليلة وضحاها، وطالب الدولة بإيجاد طريقة للحد من تأثير الجماعة بدلا من استمرار محاربتها سياسيا وقمعها الذي أثبت عدم فاعليته على المدى البعيد طوال القرن الماضي، بل إنه يصب في صالحها حيث يظهرها في صورة الضحية ويمنحها مكانة الخصم الدائم. والتنمية الاقتصادية والاندماج بين مصر والمجتمع الدولي، وشعبية قيادتها وتأثير ذلك كله ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، يمثل أفضل الضمانات للحد من نفوذ الإخوان في المجتمع المصري، لكن كل هذا بطبيعة الحال يستغرق وقتا لتنفيذه.
شباب الإخوان
تحليلات وكتابات كثيرة ظهرت في الشهور الماضية حول تأثير الخلافات الداخلية بين قيادات وأجيال الإخوان على تماسك الجماعة، إلى درجة الحديث عن إمكانية انهيار التنظيم في أعقاب مبادرة عدد من التنظيمات التابعة له في بلدان عربية إلى إنكار صلتها بالتنظيم الأم في مصر مثلما فعل إخوان الأردن أو حركة حماس.
وعما إذا كان شباب الجماعة يملك رؤية مختلفة يمكن أن تؤدي إلى تغيير داخل صفوف التنظيم نفسه قال برازان “أي تغيير سيحدث سيكون في الأدوار والآليات، دون أن يمس جسم الجماعة واستراتيجيتها العامة، ورؤية الأهداف في العالم، على المدى الطويل، لا تختلف بأي حال من الأحوال وليس هناك فرق على الإطلاق”.
وأضاف “يبدو أن التاريخ لا يمل من تكرار نفسه، فمنذ فترة قريبة كان ينظر إلى خيرت الشاطر ومحمد مرسي باعتبارهما من جيل الشباب الذين تصدوا لجيل محمد مهدي عاكف، والآن هناك معركة معلنة بين جيل جديد يطالب بالكفاح المسلح واللجوء إلى العنف وجيل قديم يريد الإبقاء على مكتب الإرشاد والتنفس بسهولة في مصر، إلا أن الاختلاف بين الجيلين، تكتيكيا فقط.
وأضاف برازان، الذي جمع في كتابه عن الإخوان العديد من الشهادات التي تكشف ابتعاد الجماعة عن الوسطية كما كانت تقدم نفسها للغرب، أن هذه الخلافات والمعركة الداخلية لا تضمن سلامة استمرار التنظيم، لكن في نفس الوقت من السذاجة تصور أن جماعة الإخوان ستختفي بين عشية وضحاها، كل ما يمكن تصوره أنها الآن في وضع حرج ومقلق في مصر والعالم العربي.
وأوضح أن هذه الخلافات فاقمت الأزمة التي تمر بها الجماعة، لكن رغم الصعوبات فإن الأفرع الغربية من الجماعة لديها رؤية أوضح واستقرار أكبر، وهذا التناقض لم تتوقعه قيادات الجماعة لكنه بات حقيقة.
وردا على سؤال حول كيفية استمرار الجماعة على الرغم من تجميد أموالها في مصر قال برازان “إن أعضاء الجماعة مستمرون وذلك بخصم جزء من رواتبهم كل شهر، كما أن سخاء المانحين الكبار ووجود النسبة الأكبر من أموال الجماعة في الخارج موزعة على 80 دولة وشبكة مصالح تغطي العالم واستحواذها على العديد من مصادر التمويل المحلي والأجنبي، يضمن ألا يكون الإخوان على حافة الإفلاس المالي”.
|
وحول أسباب دعم قطر وتركيا للجماعة قال برازان “ذلك يعود إلى أسباب أيديولوجية حيث أن الرؤية الإسلامية لقطر قريبة للغاية من رؤية الإخوان بما يجعلها حليفا غنيا يعتمد عليه، ونفس الأمر بالنسبة إلى تركيا التي يعد حزب العدالة والتنمية الحاكم فيها فرعا لجماعة الإخوان المسلمين”.
موقف الرياض من الإخوان
الفترة التي أعقبت تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم في المملكة العربية السعودية حفلت باجتهادات متضاربة حول موقف الرياض من الإخوان، الذي تبناه الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومثّل صدمة لقادة الجماعة.
برازان ممن يرون تغيرا في الموقف السعودي قائلا إن ذلك “بدا جليا في أن السعودية التي راهنت من قبل على محور القاهرة موسكو في مواجهة واشنطن التي تدعم جماعة الإخوان تحولت مرة أخرى وتعهدت بتقديم كل الدعم للغرب والولايات المتحدة في تجديد دعمها لجماعة الإخوان”.
لكن أنصار هذا الرأي يتجاهلون حقيقة مهمة تتمثل في أن الموقف السعودي الرسمي من الجماعة لم يتغير، بدليل استمرار إدراج الإخوان كجماعة إرهابية مع عدد من التنظيمات المتطرفة الأخرى أمثال داعش وتنظيم القاعدة، وحزب الله اللبناني.
وختم برازان حواره مشيرا إلى أن يوسف القرضاوي أضحى الزعيم الوحيد والمرجعية لتنظيمات الإسلام السياسي في العالم خلال الفترة المقبلة، بعد وفاة حسن الترابي في شهر مارس الجاري. وقال إن القرضاوي لا يوجد له منافس الآن، وهو رئيس جميع المنظمات الدولية للإخوان المسلمين، ونجم وسائل الإعلام التي تبث رؤاه التي عفى عليها الزمن.
كاتب مصري