باحثون أوكرانيون قلقون على بلادهم من مختبرهم في القطب الجنوبي

بُعد المسافة يزيد من شعور الباحثين بالعجز ويجعلهم أكثر إصرارا على مساعدة أوكرانيا.
السبت 2022/04/09
مساندة من الجليد

بوينوس آيرس – في قاعدة فيرنادسكي في المنطقة القطبية الجنوبية، يحاول اثنا عشر باحثا أوكرانيا إتمام مهامهم العلمية “على أكمل وجه”، فيما يبدو البرد القارس أقل وطأة عليهم من العجز الذي يشعرون به تجاه بلدهم الغارق في الحرب على بعد 15 ألف كيلومتر.

وتقول عالمة الأرصاد الجوية أناستاسيا تشيهاريفا البالغة 26 عاما من القاعدة الأوكرانية “في البداية لم نتمكن من النوم لأيام عدة، وحاولنا طوال الوقت متابعة الأخبار المتعلقة بمدننا. الآن صرنا نتحقق من الوضع كلما توفر لنا وقت فراغ”.

وتقع القاعدة في جزيرة غالينديز على بعد 1200 كيلومتر من طرف تييرا ديل فويغو الأرجنتينية، القاعدة التي تنازلت عنها بريطانيا عام 1996 والتي يشغلها على مدار العام نحو اثني عشر شخصا.

وخلال فصل الخريف الجنوبي الحالي تتراوح درجة الحرارة في المنطقة بين ثلاث درجات مئوية تحت الصفر ودرجة فوق الصفر، لكن يمكن أن تنخفض إلى 20 درجة مئوية تحت الصفر خلال الشتاء.

البرد القارس أقل وطأة على الباحثين الأوكرانيين في أنتركتيكا من العجز الذي يشعرون به تجاه بلدهم الغارق في الحرب

وتتركز يوميات الباحثين على رصد الأحوال الجوية والملاحظات الجيوفيزيائية والجيولوجية والبيولوجية عندما يسمح الطقس بذلك، إذ أن أعضاء الفريق قد يبقون محاصرين ليوم كامل بسبب عاصفة ثلجية. ويقوم أعضاء البعثة منذ شهر بما يشبه “المجهود الحربي” عن بُعد.

ويقول الجيوفيزيائي أولكسندر كوسلوكوف “انطباعي الأول عن الحرب كان كما لو أن الأمور تحدث في عالم آخر غير عالمنا. لكن زوجتي في خاركيف (شرق) سمعت وشعرت بتأثير الصواريخ بعد عشر دقائق من بدء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه الحرب الغبية والإجرامية. ولم يستغرق دخولي في صلب الموضوع أكثر من لحظة واحدة”.

ويضيف “لم يكن لدي وقت للتفكير أو للشعور بالإحباط. كان عليّ أن أقدم إلى عائلتي المساعدة والمشورة للبقاء على قيد الحياة والهروب من مدينتي الواقعة على بعد 40 كيلومترا من الحدود الروسية، قبل أن تصبح جحيما من ألسنة لهب. كل ما كنت أفكر فيه أو أفعله ينطلق من هذا الهدف”. وقد تمكّنت عائلته من الوصول إلى ألمانيا.

مع رحلات عمل يومية وراحة في أيام الأحد وتناول وجبات عشاء محضرة بعناية سوياً خلال أمسيات السبت على وقع تناقل بعض الأخبار الواردة في زمن الحرب، تستمر الحياة لكنها “أقل احتفالية حتماً” في القاعدة الأوكرانية هذه في أنتركتيكا التي تحمل اسم عالم الكيمياء الجيولوجية من القرن العشرين فلاديمير فيرنادسكي ذي الأصول الروسية – الأوكرانية.

ويُجمع هؤلاء الباحثون -من بينهم عالم الأحياء أرتيم دجولاي البالغ 34 عاما- على أنه “من الصعب أن نكون بعيدين عن أفراد العائلة ونعجز عن دعمهم”.

وتقول أوكسانا سافينكو التي تجري دراسات بشأن الحيتان الحدباء “هناك مروحة كاملة من المشاعر هنا”، مضيفة “ثمة حزن وقلق على أقاربنا وأصدقائنا، ولكن أيضا ثمة معنويات عالية واعتزاز بأفراد جيشنا وشعبنا الذين يقاتلون بشجاعة من أجل حقهم في العيش في بلد حر”.

وتقول أناستاسيا “نستيقظ عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل، أي السابعة صباحا في أوكرانيا، لنعرف من أهالينا كيف أمضوا ليلتهم. لا يمكنني بدء العمل حتى أرى رسالة من عائلتي تقول إن كل شيء على ما يرام”.

وتوضح “نحاول القيام بعملنا العلمي على أكمل وجه. هذا جهدنا الحربي”.

ويقول عالم آخر طلب عدم كشف هويته “الأوكرانيون يصمدون ويتعاضدون ويساعدون جيشنا. أنا فخور بهم. لذا أحاول البقاء قوياً من أجلهم ومن أجل بلدي. أحاول القيام بعملي بصورة جيدة”.

البرد القارس أقل وطأة على الباحثين

ويزيد بُعد المسافة من شعورهم بالعجز ويجعلهم أكثر إصرارا على مساعدة أوكرانيا. ومن بين هؤلاء أرتيم الذي لا يزال يشعر بالمرارة إزاء “لامبالاة الدول الديمقراطية” تجاه شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إلى أراضيها عام 2014.

ويقول “لقد اعتقدت (الدول الديمقراطية) أن معاناة الآخرين لن تؤثر عليها بشكل مباشر (…) لكن هذا كله قد يتغير إذا لم يتم وأد هذا الشر”.

وتطلق أناستاسيا صرخة تقول فيها “لا تصرفوا اهتمامكم عن أوكرانيا”.

وخلال شهر أبريل سيتم تبديل أعضاء الفريق بعد إتمامهم فترة السنة الموكلة إليهم. والمستقبل لن يكون مضمونا للباحثين المغادرين، رغم أن كثيرين مثل أناستاسيا يريدون “الذهاب إلى أوكرانيا في أقرب وقت ممكن”. لكن ماذا بعد ذلك؟ تجيب أناستاسيا “ليس لدي مشروع فعلي. لا أستطيع أن أتخيل ما سأفعله في الأشهر المقبلة”.

ويقول أولكسندر “جامعتي في خاركيف ومعهد الأبحاث الذي أعمل فيه تعرضا للدمار”، مضيفا “سأقرر ما سأفعله بعد الانضمام إلى عائلتي في ألمانيا. ربما أحاول مواصلة عملي كعالم في أوروبا أو أميركا…، سيتضح الأمر بمرور الوقت”.

18