بأي ثمن يمكن لإسرائيل خفض قدرات حماس العسكرية؟

لندن - أعلنت إسرائيل أنها تستعد لهجوم بري محتمل على قطاع غزة بعد الهجمات التي شنتها حركة حماس من القطاع مؤخرا، بهدف تضييق الخناق عليها ومنعها من تكرار مثل هذا الهجوم. لكن هل يمكن لإسرائيل أن تعلن انتصارها على حماس، وكيف سيبدو ذلك وبأي ثمن؟
ويقول الباحث بلال صعب مدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط بواشنطن في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) إن هناك منطقا سياسيا وراء إعلان الحكومة الإسرائيلية أنها “ستمحو حماس من على وجه الأرض”.
ويضيف أن الشعب الإسرائيلي يريد أن يرى حماس مدمرة إلى الأبد، بالنظر إلى القتل الجماعي غير المسبوق الذي ارتكبته مؤخرا.
واضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزملاؤه، الذين تعرضوا بالفعل لضغوط شديدة بسبب السماح بوقوع الهجوم ووضع إسرائيل في موقف ضعيف من خلال انتهاج سياسات معادية للديمقراطية، إلى تقديم وعود كبيرة. وتعكس أهدافهم القصوى المخاطر الكامنة في معركتهم من أجل البقاء السياسي.
والمنطق الأمني الإسرائيلي مفهوم أيضا ويتمثل في عبارة: القضاء على عدوك، بدلا من احتوائه، هو أضمن طريقة لمنعه من إيذائك مرة أخرى.
وسيقول الكثيرون إنه لا يوجد حل عسكري لحركات التمرد المسلحة عميقة الجذور وما هو في الأساس صراع سياسي. وفي معظم الحالات يكون ذلك صحيحا.
وهزم الجيش السريلانكي نمور التاميل في عام 2009، ولكن بكلفة هائلة، فقد استغرقت كولومبو 26 عاما لسحق عدوها الصامد، وقدرت الأمم المتحدة عدد القتلى بما يتراوح بين 80 و100 ألف.
ويقول صعب إن ذلك لا يعني أن الإسرائيليين سوف يكررون السيناريو السريلانكي ويدمرون حماس، لكن لديهم بالتأكيد القدرة على خفض قدراتها العسكرية بشكل كبير. والسؤال هو بأي ثمن؟
ويستطيع جنرالات إسرائيل بلا شك “القضاء على حماس”. وسينصب تركيزهم على إلحاق الضرر قدر الإمكان وإزالة القوة القتالية لحماس بشكل مثالي، مثل الصواريخ والقذائف والطائرات المسيرة وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة والأسلحة المضادة للدبابات. كما سيستهدفون مراكز القيادة العسكرية والأنفاق تحت الأرض. وإذا دمروا غالبية البنية التحتية والقوى البشرية لحماس، فيمكنهم إعلان النصر.
ويأتي في المرتبة الثانية لتحقيق الهدف إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والدوليين الذين تحتجزهم حماس. ومن الناحية النظرية، يسير الهدفان جنبا إلى جنب، لكنهما في الواقع لا يسيران معا بالضرورة.
ويقول صعب إنه يجب على الجيش الإسرائيلي التحقق من قدرات حماس القتالية قبل أن يتمكن من وضع نفسه في وضع يسمح له بتحرير الرهائن. وطالما أن حماس تمتلك أسلحة، فإنها ستكون قادرة على جعل عملية الإنقاذ خطرة.
وستقوم الوحدات الإسرائيلية المتخصصة المدربة على حرب المدن، بدعم من القوات التقليدية والدعم الجوي القريب، بالانتقال بشكل منهجي من باب إلى باب في محاولة للقضاء على قادة حماس وربما أسر بعضهم لإجبارهم على عملية تبادل.
وعلى الرغم من أن معظم الإسرائيليين يقفون وراء هجوم بري، فإن الرأي العام سوف يتحول، وبالتالي سوف يؤثر على تدفق العمليات ضد حماس إذا عاد العديد من الجنود الإسرائيليين إلى أحبائهم في أكياس الجثث.
والأمر ستستغله حماس، إذ أن الجماعة لن تسقط دون قتال شرس. ولقد خططت لذلك في الواقع، واستعدت لتوغل بري على مدى عدة سنوات بمساعدة إيران وحزب الله.
إن كبار قادة حماس لا يخادعون بالضرورة عندما يقولون إن سيناريو حلمهم هو غزو إسرائيلي لغزة. إن خطتهم، تماما مثل خطة حزب الله في حربه التي استمرت 34 يوما مع إسرائيل في جنوب لبنان في عام 2006، هي محاصرة الإسرائيليين واستنزافهم وتحطيم معنوياتهم. وبالنسبة إليهم، مجرد البقاء أو إنكار أهداف إسرائيل يشكل انتصارا.
وهناك أيضا توتر متأصل في النهج العسكري الإسرائيلي. فمن ناحية، يجب على الجيش الإسرائيلي أن يبذل قصارى جهده ضد حماس لحرمانها من المزيد من الفرص لقتل الإسرائيليين وإيذائهم، وربما لاستعادة الردع الذي تلقى صفعة كبيرة.
ولكن عليه أيضا أن يتوخى الحذر، فالقصف العشوائي والثقيل لأهداف حماس يمكن أن يقتل الرهائن بسهولة شديدة أو يؤدي إلى إعدامهم من قبل خاطفيهم من حماس.
الوحدات الإسرائيلية تسعى إلى الانتقال بشكل منهجي من باب إلى باب في محاولة للقضاء على قادة حماس
كما أن سحق حماس عسكريا يفترض أن إسرائيل لديها معلومات استخباراتية كاملة عن مواقعها وقدراتها. ولكن هجمات حماس التي وقعت في 7 أكتوبر تشكل أسوأ فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل، وفقا لصعب، ومن ثم فإن الثقة في قدرة إسرائيل على تحليل قدرات عدوها ونواياه ليست عالية جدا.
كما يفترض سحق حماس أن المعركة لن تتوسع ويشارك فيها حزب الله، سواء من الجبهة اللبنانية أو السورية.
ولا تفكر إيران ولا حزب الله في الانتحار، ولكن من الصعب أن نصدق أنهما سيجلسان في موقف حرج إذا أدركا أن إسرائيل على وشك نزع سلاح شريكتهما المقربة وتحييد المسرح الفلسطيني نتيجة لذلك، لاسيما وأن ذلك يعد مسرحا أساسيا للمحور الذي تقوده إيران نظرا إلى أهميته الدينية.
وإذا أدى توغل بري إسرائيلي إلى تصعيد إقليمي، فإن الهدف العملياتي المتمثل في سحق حماس عسكريا يصبح أكثر صعوبة.
ويقول صعب إن الحرب متعددة الجبهات هي واحدة من أسوأ كوابيس إسرائيل، وهو أمر سعت دائما إلى تجنبه في مواجهاتها السابقة مع الجيوش العربية.
ويخلص صعب إلى أن الجيش الإسرائيلي كفيل بتدمير حماس، لكن الهجوم لن يحدث بمعزل عن غيره، إذ يجب على الجيش أن يأخذ في الاعتبار رأي حلفائه وتهديدات أعدائه والرأي العام المتردد في الداخل.