اهتمام العراقيين بتربية الخيول العربية يتزايد

العشرات من الرجال والشبان يتجمعون في نادي الفروسية غربي بغداد لمشاهدة الفرسان وهم يتسابقون بحماسة على ظهور خيولهم.
الثلاثاء 2022/06/14
ثروة وتراث عربي

بغداد ـ بدأت تربية الخيول العربية الأصيلة في العراق تشهد تزايدا مؤخرا لإحياء تراث الأجداد كون الخيول تمثل علامة للفروسية والشجاعة فضلا عن كونها ترتبط بعلاقة قوية مع مالكيها حتى أصبح البعض يطلق عليها أسماء بعض أبنائه.

وتتفرّد الخيول العربية الأصيلة برأسها المميز وذيلها المرتفع ورشاقة جسمها، وهي واحدة من أقدم سلالات الخيول في العالم وأفضلها، إضافة إلى قدرتها على الجري لمسافات طويلة وجمالها اللافت للنظر ما أكسبها شهرة عالمية.

كما تعد الخيول ثروة وجزءا من التاريخ العريق للشعوب العربية الذي يمتد للآلاف من السنيين وشكلت رمزا للبطولة والقوة في الحروب التي خاضوها.

ويقول بكر فاروق الطبيب البيطري المسؤول عن قسم رعاية الخيول العربية بحديقة الزوراء لوكالة أنباء “شينخوا” إن “الخيول الموجودة لدينا هي خيول عربية أصيلة مسجلة لدى منظمة الخيول العربية العالمية ومقرها بريطانيا، وكل الخيول ضمن المعايير الدولية والعراقية”.

ومن أجل ديمومة التواصل وتبادل المعلومات عن الخيول أنشأت المنظمة العراقية للخيول العربية موقعا لها على فيسبوك بهدف الحفاظ على الجواد العربي نقيا سليما في أصوله واضحا في سلالاته، وتعتبر هذه المنظمة الجهة الوحيدة المسؤولة عن الحفاظ على نقاء دماء الخيول العربية المسجلة لديها وهي الجهة المعتمدة دوليا بهذا المجال.

عروض مغرية بلغت 50 مليون دولار قُدمت من داخل العراق وخارجه لتهريب هذه الخيول العربية الأصيلة

ويتذكر فاروق ما بذله من جهود عام 2003 قبل الاحتلال الأميركي والتي أسفرت عن إنقاذ مجموعة من أندر الخيول العربية الأصيلة في نادي الفارس العربي.

وأكد أنه خاطر بحياته عندما قام بإجلاء الخيول دون موافقة حكومية إلى إسطبلات نادي الفروسية بحي العامرية غربي بغداد لإبعادها عن إسطبلات القصور الرئاسية (المنطقة الخضراء حاليا) التي كان متوقعا أن يتم قصفها.

وللحفاظ على أصول هذه الخيول بعد دخول القوات الأميركية أخفى فاروق السجلات والوثائق الخاصة بها في منزله حفاظا عليها خلال فترة النهب.

وقال فاروق بحسرة وألم “إن معظم هذه الخيول سرقت أو جرى تهريبها خارج البلاد”.

ووفقا لفاروق فقد تم استرجاع بعض الخيول الأصيلة رغم الصعوبات والإغراءات، مبينا أن عروضا مغرية قدمت لهم بلغت 50 مليون دولار من داخل العراق وخارجه لتهريب هذه الخيول لكن هذه العروض رفضت كون هذه الخيول تعد ثروة وطنية للبلاد.

ويتجمع العشرات من الرجال والشبان في نادي الفروسية غربي بغداد حاملين أوراق المراهنة وأقلام الرصاص في مجموعات بمنصة مؤقتة للمشاهدين أو في قاعة قريبة تطل على أحد طرفي المسار الترابي، ويشاهدون الفرسان الذين يرتدون السراويل البيضاء والقمصان الملونة على ظهور خيولهم ويتسابقون بحماسة للوصول إلى خط النهاية.

وفي داخل الصالة المطلة على مضمار السباق بدت المناقشات وتبادل المعلومات حول الخيول حامية وفجأة ارتفعت أصوات وصيحات الشباب والكبار عندما أقلعت الخيول في إحدى جولات السباق.

◙ إحياء جزء من التاريخ العريق للشعوب العربية
◙ إحياء لجزء من تاريخ الشعوب العربية العريق

ووسط الأجواء الصاخبة داخل القاعة قال ضياء الخفاجي وهو مربي خيول “أنا هنا طالما يوجد سباق خيول لأنني عاشق للخيول منذ طفولتي وهذا الشغف ورثته عن والدي وأجدادي”.

وأضاف “هناك جانب ربح في تربية الخيول من خلال بيعها وشرائها وكذلك سباقاتها لوجود جوائز مالية”، مبينا أنه شارك في العديد من سباقات الخيول وفاز بالعديد من الجوائز.

وأظهر الخفاجي صورة لحصانه “الزعيم” الذي أحبه كثيرا رغم أنه مات قبل عدة سنوات قائلا “كان مثل ابني وأنا أعزه وأحبه لأنه حصان عربي أصيل وفريد من نوعه، فاز 14 مرة بالمركز الأول و12 مرة بالمركز الثاني”.

ويلتقي المحبون للخيول والمقامرون كل يومي سبت وثلاثاء أسبوعيا على المضمار الخاص بالخيول في النادي للمراهنة وتشجيع الخيول التي يفضلونها.

المنظمة العراقية للخيول العربية أنشأت موقعا لها على فيسبوك بهدف الحفاظ على الجواد العربي نقيا سليما في أصوله واضحا في سلالاته

وكان سباق الخيول مزدهرا في بغداد وهو من بين أكثر السباقات نجاحا في الشرق الأوسط، وتشارك فيه الخيول العربية الجميلة التي جذبت نخبة المدينة لموقع السابق بحي المنصور الراقي بالعاصمة والذي كان يسمى محليا بـ”الريسيز” ويقام ثلاثة مرات أسبوعيا.

وتأثرت سباقات الخيول في العراق نتيجة الحروب و13 سنة من العقوبات الاقتصادية وأكثر من 30 عاما من الحظر على سباقات الخيول الدولية بسبب فشل العراق في تلبية الشروط التي حددتها المنظمة العالمية لصحة الحيوان، كما تأثرت هذه السباقات سلبيا بعد مغادرة العديد من المربين للبلاد وموت العديد من الخيول.

وقال جمال رشيد (55 عاما) طبيب بيطري ومدير دائرة تسجيل الخيول العربية بنادي الفروسية العراقي “إن العقوبات والحروب التي شهدها العراق أثّرت سلبا على النادي وتربية الخيول”.

وأضاف “لا يزال أمامنا الكثير لإعادة تأهيل سباق الخيول، حيث يفتقر النادي إلى ملعب وبنى تحتية أخرى بالإضافة إلى زراعة العشب في مضمار السباق”.

وكشف رشيد عن حاجة المربين إلى الدعم كون الكثيرين منهم يستخدمون إسطبلات النادي، مبينا أن النادي يضم 146 إسطبلا ، لكل منها 16 مربطا.

وأوضح أن النادي مؤسسة مستقلة وذاتية التمويل ولديه إمكانيات محدودة، معربا عن أمله في أن تدعم الحكومة النادي والمساهمة باستعادة جزء من التراث الوطني العراقي.

وداخل النادي وقف كاظم محمد علي مدير المدرسة العراقية المركزية لتعليم الفروسية أمام بوابة مدرسته التابعة للنادي لشرح دور مدرسته في تعليم ركوب الخيل للطلاب الصغار بهدف استعادة الاهتمام بالفروسية.

وقال علي إن “الخيول تمثل تاريخ المجتمع العراقي وكان العراقيون يعتنون بخيولهم منذ القدم ولديهم تقارب وحب للخيول وكانوا يسمونها على أسماء أبنائهم وبناتهم”.

وتابع “في بعض الأحيان يهتم مربو الخيول بإطعام خيولهم أكثر من اهتمامهم بإطعام أبنائهم”، مضيفا “أن هذا الشغف غالبا ما يتسبب بمشاكل اجتماعية لدى أسر عشاق الخيول”.

بدوره قال أبوتمام وهو مهتم بالخيول العربية “هناك اهتمام متزايد بالخيول في جميع المحافظات وقد تم إنشاء مزارع ومرابط خاصة لتربية الخيول، للحفاظ عليها كونها تمثل ارتباط الحاضر بالماضي”.

وتابع “تقام سباقات سنوية أو فصلية للخيول بالعديد من المحافظات ويحصل الفائزون على جوائز قيمة، وهذا دليل على تزايد أهمية هذه الخيول في حياة العراقيين التي تعود إلى العصور القديمة”.

18