انهيار الليرة السورية يؤجج الضغوط الاجتماعية

انفجار فقاعة لهيب أسعار المواد الغذائية وفقدان الأدوية بسبب إغلاق الحدود وغياب تحويل الأموال من السوريين في الخارج وتشديد الولايات المتحدة العقوبات على سوريا.
الاثنين 2020/06/08
الليرة في مربع الخطر

فجر الانهيار غير المسبوق لليرة السورية لهيب الأسعار مما انعكس بعنف على القدرة الشرائية فضلا عن تداعيات إجراءات الإغلاق والعقوبات الغربية على الاقتصاد المنهك أصلا جراء ويلات الحروب ما غذى موجة استياء عارمة تنذر بتحديات اجتماعية غير مسبوقة في ظل انغلاق كافة نوافذ التمويل في ظل أزمة لبنان المالية وانقطاع الدعم من إيران الغارقة في مشاكلها الخانقة.

دمشق - قذف الانهيار غير المسبوق لليرة بالسوريين إلى مربع الخطر نظرا لفقدان الآلاف من الأشخاص لقوتهم اليومي وعدم القدرة على تلبية حاجياتهم في ظل التهاب قياسي للأسعار وتسارع تآكل الاحتياطات النقدية جراء غياب تحويل الأموال من السوريين في الخارج، واختلال قواعد السوق مع نقص المعروض تبعا لغلق الحدود وتقوض المسالك التجارية وفقدان دعم بيروت وطهران.

وتصاعدت خلال الأيام الأخيرة شكاوي السوريين من الارتفاع الحاد في الأسعار، وتردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

وكانت الأسعار قد ارتفعت عشرة أضعاف سعرها قبل اندلاع الأزمة منذ تسع سنوات مع دخول البلاد في حروب ونزاعات، وتسارع العقوبات الغربية غير أن الوضع الحالي أكثر سوءا جراء تداعيات الإغلاق في أعقاب مكافحة انتشار جائحة كورونا، وإغلاق المحال التجارية وفرض الحكومة حظر تجول، الأمر الذي شلّ حركة الاقتصاد في البلاد.

ونقل الموقع الإخباري المحلي “الاقتصادية” عن عدد من التجار ورجال الأعمال قولهم إنهم اضطروا إلى تغيير بطاقات الأسعار على المواد الغذائية ست مرات الأسبوع الماضي وحده، حيث أن الأسعار ارتفعت بنسبة 30 في المئة الشهر الماضي .

ويرى مراقبون وخبراء اقتصاد في سوريا أن الصعوبات الاقتصادية الجديدة التي تعيشها سوريا مقرونة بانخفاض حاد في قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي من بين أسباب تردي الأوضاع.

30 في المئة نسبة ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال شهر مايو المنقضي

وقال التقرير إن العديد من تجار التجزئة توقفوا عن البيع حتى تستقر الأسعار على نطاق معين، مضيفًا أن نسبة المبيعات وصلت إلى أدنى مستوى لها، حيث يسأل الناس عن الأسعار أكثر من شراء الأشياء.

ونقلت وكالة شينخوا عن سمر الحافظ وهي ربة بيت سورية قولها “بأن الوضع الاقتصادي أصبح مخيفا في الأسابيع الأخيرة”.

وأضافت “لا أعرف ما حدث، فجأة ارتفعت الأسعار بشكل كبير، أنا الآن أتسوق من خلال النظر إلى نوافذ المحلات لأنني لا أستطيع تحمل هذه الأسعار”.

بالنسبة لرولا زيتونية، كان الوضع هو نفسه، حيث اشتكت من ارتفاع الأسعار الجنوني.

وقالت “يجب على الحكومة أن تفعل أي شيء للسيطرة على هذا الهوس في الأسعار، راتب زوجي يكفي فقط لمدة خمسة أيام في الشهر وسط هذه الأسعار المجنونة”.

واجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة استياء عارمة، وطالب المواطنون من المسؤولين بإيجاد حلول لهذه الأزمة الاقتصادية لأن الناس لا يمكنهم تحمل هذا الوضع بعد الآن.

وفاء كيشي: فقدنا عديد الأدوية نتيجة توقف إنتاج المصانع
وفاء كيشي: فقدنا عديد الأدوية نتيجة توقف إنتاج المصانع

وأدت أزمة السيولة النقدية والاضطرابات في لبنان حيث يودع سوريون كثر أموالهم إلى انقطاع تدفق الدولارات إلى دمشق، في الوقت الذي تلاشت فيه قدرة إيران المختنقة بالعقوبات الأميركية على مد يد المساعدة.

ويعتقد المراقبون أن عدة عوامل ساهمت في الوضع الاقتصادي الصعب، بما في ذلك إغلاق الحدود نتيجة لفايروس كورونا، وغياب تحويل الأموال من السوريين في الخارج إلى أسرهم، بالإضافة إلى ذلك تشديد الولايات المتحدة العقوبات على سوريا مع اقتراب تنفيذ ما يعرف بقانون حماية المدنيين “قيصر” خلال شهر يونيو الجاري الذي يهدف إلى معاقبة الحكومة السورية على جرائم الحرب.

وامتدت آثار هذه العوامل على أسعار الأدوية في البلاد وسط نقص حاد في المعروض.

وأكدت وفاء كيشي رئيس نقابة الصيادلة بدمشق “فقدان العديد من المستحضرات الصيدلانية في السوق نتيجة توقف إنتاج المصانع للأدوية للضغط على وزارة الصحة لرفع أسعار الأدوية”.

وتكمن المشكلة في أن وزارة الصحة بالدولة حددت أسعار الأدوية بما يتناسب مع حالة الناس، بينما تواجه شركات الأدوية مشكلة في تأمين دولارات أميركية لشراء المواد الخام من الخارج، مما يدفعها إلى شراء الدولار الأميركي بأسعار مرتفعة وبالتالي لا يمكن أن تلتزم بأسعار وزارة الصحة.

وفي العاصمة دمشق، تكتظ الصيدليات في الوقت الحاضر بأشخاص يتناولون الأدوية خوفًا من فقدان أنواع معينة من الأدوية من على الرفوف.

أسعار من نار
أسعار من نار

ويعيش غالبية السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، بينما تضاعفت أسعار السلع في أنحاء البلاد.

وحذّر محللون من أن أي انخفاض إضافي في قيمة الليرة سينعكس ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية الرئيسية التي يتمّ استيرادها كالأرز والباستا والعدس.

وحذّر مصرف سوريا المركزي الشهر الماضي في بيان من أنّه “لن يتوانى عن اتخاذ أي إجراء بحق أي متلاعب بالليرة السورية سواء من المؤسسات أو الشركات أو الأفراد”، مؤكداً عزمه اتخاذ “كافة الإجراءات الكفيلة باستعادة ضبط أسعار الصرف”.

وفي محاولة على ما يبدو لإيجاد حل للوضع الحالي للأسعار، قام الرئيس السوري بشار الأسد في 11 مايو الماضي بإنهاء تكليف وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السابق عاطف النداف، وعيّن محافظ محافظة حمص طلال البرازي وزيرًا جديدًا بدلاً عنه.

واعتبر مراقبون أن القرار يأتي على خلفية الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد والأسعار المرتفعة التي لا يمكن السيطرة عليها حتى الآن.

11