انقسام ليبي حيال إطلاق خوري عملية سياسية لإحياء ملف الانتخابات

طرابلس – تباينت مواقف القوى السياسية في ليبيا حيال الخطة التي أطلقتها المبعوثة الأممية بالإنابة في ليبيا ستيفاني خوري، ضمن مساعي إحياء ملف الانتخابات الوطنية التي طال انتظارها وتوحيد السلطة التنفيذية المنقسمة، بين من هاجم خوري واعتبر أنها باتت جزءا من المشكلة، وداعم للعملية السياسية المقترحة وذلك وسط ترحيب أوروبي بالمبادرة.
وأعلنت خوري عن محاور مبادرتها الجديدة، في إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي، الاثنين مثيرة مخاوف من عقبة الانقسام السياسي التي باتت تهدد إجراء الانتخابات، وتضر بملف المصالحة الوطنية.
وتتمحور الخطة التي قدمتها خوري عبر مقطع فيديو مسجل، الأحد الماضي، حول بضع أولويات، تتضمن تشكيل لجنة فنية من خبراء ليبيين لوضع خيارات معالجة القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية، وكيفية الوصول إلى الانتخابات في أقصر وقت ممكن، وتوحيد السلطة التنفيذية المنقسمة.
ومنذ إلغاء الانتخابات الوطنية التي كان من المقرر إجراؤها في الـ23 من ديسمبر 2021 في أعقاب خلافات حول شروط الترشح، توقفت العملية السياسية التي تدعمها الأمم المتحدة.
وفي أغسطس الفائت، صوت البرلمان الليبي في شرق البلاد على إنهاء ولاية حكومة عبدالحميد الدبيبة التي تتخذ من طرابلس مقرًّا لها، وعين بدلا عنها حكومة أسامة حماد التي لم تحظَ بالشرعية الدولية، لكنها تدير من مقرها في بنغازي كامل شرق ليبيا ومعظم مدن الجنوب.
وكان أول ردود الفعل الرافضة لإحاطة خوري صادرا من مجلس النواب، الذي اعتبر أن ما استعرضته خوري لم يحمل في طياته سوى عبارات عامة ومواقف مكررة لا تلبي الحد الأدنى من تطلعات الشعب الليبي. مضيفا في بيان له نشره مساء الاثنين أن "فشلها في أداء مهامها يضع علامات استفهام كبرى حول مدى التزامها بمساعدة الليبيين في تجاوز أزمتهم وبناء دولتهم"، مشدّدا على أن استمرارها في هذا النهج "أمر لا يمكن السكوت عنه".
وعبّر البرلمان عن رفضه لمحاولة "فرض حلول مفصلة خارج إرادة الشعب الليبي وتتجاوز المؤسسات الشرعية"، معتبرا أن خروج ليبيا من أزمتها لن يحصل إلاّ بـ"تصالح كلّ الشعب والتوقف عن الاتهامات المتبادلة، ورمي السلاح واستعادة المدنية في كل مؤسسات الدولة وإنهاء المركزية في الحكم، ثم الذهاب إلى انتخابات".
وطلب البرلمان من البعثة الأممية، العمل بجديّة على دعم إرادة الليبيين نحو إنهاء المراحل الانتقالية وتوحيد مؤسسات الدولة، والكفّ عن التدخلاّت السلبية، إضافة إلى وضع جدول زمني واضح لإنجاز الانتخابات.
ويتمسك مجلس النواب الليبي بتشكيل حكومة جديدة موحدة بهدف تجاوز حالة الانقسام السياسي القائمة، ويستعد البرلمان لعقد جلسة مفتوحة يستمع خلالها إلى برامج الشخصيات السبع المرشحة لمنصب رئيس الحكومة الموحدة.
وتضم قائمة المرشحين لمنصب الحكومة الجديدة، كلا من وزيري الداخلية والصحة بالحكومة المنبثقة عن مجلس النواب عصام أبوزريبة، وعثمان عبدالجليل، ورجل الأعمال والمرشح الرئاسي السابق محمد المنتصر، والمرشح الرئاسي ورئيس مجلس التطوير الاقتصادي السابق فضيل الأمين، ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية السابق سلامة الغويل والمرشح السابق لمجلس النواب نصر ويس، والمرشح السابق من مجلس الدولة الاستشاري لرئاسة الحكومة محمد المزوغي.
وفي المقابل، رحب خالد المشري، المتنازع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة مع محمد تكالة، بإحاطة خوري، أمام مجلس الأمن بشأن الأوضاع في ليبيا.
وأكد المشري، في منشور عبر صفحته على فيسبوك على الملكية الليبية للعملية السياسية في ليبيا، معبرا عن دعمه الكامل للعمل على دفع العملية السياسية نحو إنجاز الاستحقاق الانتخابي، داعيا كافة الأطراف المعنية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنجاز الانتخابات في أقرب وقت ممكن، تحت إشراف حكومة موحدة.
وشدد كذلك على أن "الانتخابات هي السبيل الوحيد لتحقيق تطلعات الشعب الليبي، متطلعًا إلى دعم المجتمع الدولي في هذا المسعى، من خلال الدفع باتجاه توحيد مؤسسات الدولة وتهيئة الأوضاع في سبيل إنجاز هذا الاستحقاق الوطني.
وكان المشري قد دخل في خلافات مع الدبيبة بعد وقوف الأخير مع تكالة إثر انتخابه رئيسا للمجلس الأعلى للدولة متهما إياه "بالسعي لتوسيع الانقسام داخل مجلس الدولة".
وفي المقابل أكد حينها أن جلسة انتخابه رئيسا لمجلس الدولة في 6 أغسطس الماضي كانت قانونية، مدعومة بحكم قضائي يثبت صحتها بعد رفضها من قبل الحكومة المنتهية ولايتها.
من جانبه، ثمَّن عضو المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني جهود البعثة الأممية للدعم في ليبيا، ومقترحاتها أمام مجلس الأمن، ودعا في تغريدة عبر حسابه على منصة إكس إلى تشكيل الفريق الاستشاري الليبي المقترح من ستيفاني خوري من خبراء مستقلين غير جدليين، من أجل صياغة مقترحات من شأنها معالجة القضايا السياسية والانتخابية المعلقة.
من جهته، وجّه مستشار رئيس المجلس الرئاسي لشؤون الانتخابات والمجالس التشريعية زياد دغيم، عدة استفسارات بشأن معيار اختيار لجنة الخبراء وما هو تعريف الخبراء؟ وما هو الجدول الزمني لعمل لهذه اللجنة؟ وهل ستنجح في التوافق على المواد الخلافية؟".
وتابع مستشار المجلس الرئاسي تساؤلاته قائلا "ما البديل في حال فشل لجنة الخبراء؟ لأن هذه المواد محل خلاف بين الليبيين منذ العام 2015، حينما كانت تعمل الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور ثم استمرت خلال اتفاق الصخيرات، وأيضًا في جولات الحوار بتونس وكانت مسار خلاف بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، والأمر نفسه في ملتقى الحوار السياسي في جنيف".
ورحبت خمس دول غربية بإحاطة خوري في مجلس الأمن الدولي الإثنين، معبرة عن دعمها توحيد الحكومة الليبية ورفضها لأي مبادرات موازية للجهود الأممية، في إشارة على ما يبدو إلى مبادرة مجلس النواب الليبي الذي كثف خلال الفترة الأخيرة تحركاته منذ فترة لتشكيل حكومة جديدة لتجاوز حالة الانقسام السياسي في البلاد.
وقالت سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة، في بيان مشترك اليوم الثلاثاء إن إحاطة خوري حددت نهج البعثة الأممية لدفع العملية السياسية في ليبيا، مبدية دعمها جهود التوصل إلى اتفاق سياسي في ليبيا يُعالج التفتت المؤسسي، وتوحيد الحكومة والبلاد على نطاق أوسع.
كما حثت على إنشاء مسار موثوق نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية شاملة وحرة ونزيهة وشفافة، بما يتماشى مع التطلعات المشروعة للشعب الليبي ويتسق مع قرارات مجلس الأمن.
وأبدت الدول الخمس استعدادها لبذل كل ما في وسعها لضمان نجاح هذه الجهود، وتشجيع جميع أصحاب المصلحة الليبيين على المشاركة في عملية الأمم المتحدة بحسن نية وبروح التسوية.
كما دعت جميع الأطراف المعنية إلى الامتناع عن أي مبادرات موازية وغير منسقة، تقوض الجهود التي تقودها الأمم المتحدة، مؤكدا الالتزام بالحفاظ على استقلال ليبيا وسيادتها وسلامة أراضيها.
ويشبّه متابعون ليبيون خطة خوري بمبادرة المبعوثة السابقة ستيفاني ويليامز، التي تشكلت بموجبها حكومة الوحدة الوطنية الموقتة الحالية والمجلس الرئاسي في الأشهر الأولى من عام 2021 ونالت ثقة البرلمان، قبل أن يسحب منها الثقة ثلاث مرات بعد فشل إجراء انتخابات الـ23 من ديسمبر من العام ذاته.
ولحشد الدعم، كثفت خوري لقاءاتها مع القادة الليبيين وممثلي أحزاب سياسية لمناقشة العناصر الرئيسة للعملية السياسية التي تيسرها بعثة الأمم المتحدة بهدف التغلب على الجمود الحالي.
كما حشدت دعم كبرى القوى الدولية، حيث ناقشت في مؤتمر لندن حول ليبيا دون مشاركة الليبيين قضية إسقاط الحكومتين الحاليتين، وتشكيل حكومة مصغرة بمهام محددة، كخطوة تهدف إلى إنهاء الانقسام السياسي.