انسحاب روسيا من ناغورني قره باغ بداية لتقلص نفوذها في القوقاز

مع انسحاب موسكو من ناغورني قره باغ تحطمت الأسطورة القائلة بأن الأقدام الروسية لا تغادر أبدا الأراضي التي تطؤها.
الأحد 2024/04/21
حفاوة الرئيس الروسي برئيس الوزراء الأرمني لا تعكس الموقف الرسمي

باكو - عندما نشرت روسيا قواتها العسكرية قبل أربعة أعوام في جيب ناغورني قره باغ الانفصالي حينذاك، كانت مهمتها واضحة وهي الحفاظ على وقف إطلاق نار بين أرمينيا وأذربيجان لتجنب نزاع جديد في القوقاز، لكن هذا الوضع تغير في سبتمبر الماضي مع سيطرة جيش باكو على هذه المنطقة.

واستعاد الجيش الأذري هذه المنطقة الجبلية في غضون ساعات منهيا بذلك الجمهورية المعلنة من جانب واحد ويشكل الأرمن غالبية سكانها. ولم يقف في وجه ذلك الجنود الروس الذين رأوا أن لا سبب لبقائهم بعد ذلك في المنطقة، في حين نددت أرمينيا بما اعتبرته خيانة. وخلال الأسبوع الجاري أكد الكرملين من دون ضجة انسحاب قوات حفظ السلام الروسية، وقد حملت معها جزءا كبيرا من النفوذ الروسي في منطقة تعتبرها موسكو باحة خلفية لها.

وقال المحلل الأذري المستقل إلهان شاهينوغلو “نحن شهود على عملية تاريخية: الروس يغادرون البلاد للمرة الأولى منذ قرنين”. وتحاول موسكو، وهي لاعب رئيسي في المنطقة، الحفاظ على سيطرتها منذ تفكك الاتحاد السوفياتي الذي كانت أرمينيا وأذربيجان جزءًا منه. وفي 2020، نشرت روسيا ألفي جندي في ناغورني قره باغ من أجل فرض احترام وقف لإطلاق النار أنهى حربًا استمرت ستة أسابيع بين باكو والانفصاليين المدعومين من يريفان.

وانتهت هذه الحرب، التي سبقتها أخرى في تسعينات القرن الماضي، بهزيمة كبرى للقوات الأرمنية، التي اضطرت إلى التنازل عن مساحات واسعة من الأراضي. ويرى جيلا فاسادزي الخبير في مركز التحليل الإستراتيجي الجورجي، أن وجود الجيش الروسي في ناغورني قره باغ كان “في الأساس سياسيًا نظرًا لقلة عدد جنود وحدته”.

إلدار نامازوف: لا يبقى أي مكان مهم فارغا.. روسيا ترحل والغرب يأتي
إلدار نامازوف: لا يبقى أي مكان مهم فارغا.. روسيا ترحل والغرب يأتي

لكن موسكو كما يقول “أرادت الاحتفاظ بجيشها في قره باغ كدليل على قدرتها على بسط نفوذها على ما تسميه: الخارج القريب منها”. إلا أن الحرب في أوكرانيا أعادت خلط الأوراق واستحوذت على موارد الكرملين واهتمامه منذ فبراير 2022. ونتيجة لذلك، تعاني روسيا من تآكل “ثقلها الجيوسياسي في منطقة ما بعد الاتحاد السوفياتي”، كما يعتقد جيلا فاسادزي. ويقول إلهان شاهينوغلو إن روسيا تدفع ثمن “الطاقة المهدرة في حربها الفاشلة ضد أوكرانيا”.

ومع الانسحاب من ناغورني قره باغ “تحطمت الأسطورة القائلة بأن الأقدام الروسية لا تغادر أبدًا الأراضي التي تطؤها”، حسب فاسادزي. مع ذلك، مازال لدى موسكو قاعدة عسكرية تضم ثلاثة آلاف جندي في أرمينيا حيث ينتشر عدد من حرس الحدود الروس أيضا.

وعلى كل حال، لم تعد روسيا التي يتقدم عليها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، في طليعة القوى التي تسعى إلى تسهيل التوصل إلى اتفاق سلام دائم بين أرمينيا وأذربيجان. وقد اقتربت باكو أكثر من تركيا حليفها العسكري الأساسي، وأدت سيطرتها على ناغورني قره باغ إلى حالة من الفتور بين يريفان وموسكو.

ومنذ ذلك الحين، ركز رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان على علاقاته مع الغرب واستمر في مهاجمة الحليف التقليدي الذي يتهمه بالفشل. وشدد على أن أرمينيا “ليست حليفة روسيا في الحرب في أوكرانيا”، وعلق مشاركة بلاده في تحالف عسكري ترأسه موسكو.

وفي العاصمة الأرمنية يريفان، يعبر مواطنون عن استيائهم من روسيا. وتقول المحاسبة إيفيتا مارغاريان (53 عاماً) إن “الروس خانونا”. وهي ترى أن رحيل الجنود الروس يقضي على كل أمل في أن يتمكن الأرمن الذين فروا من ناغورني قره باغ بعد هجوم سبتمبر من “العودة إلى ديارهم”.

ويعتبر فاليري هاروتيونيان الذي عاش في تلك المنطقة قبل فراره إلى أرمينيا، أن "روسيا خانت الشعب الأرمني مرة أخرى وباعتنا”. وقال “لا يمكننا الاعتماد على الروس مرة أخرى. هذا مستحيل. يجب طرد الروس ليس فقط من قره باغ بل من أرمينيا”.

◙ يبدو أن موسكو لم يعد بإمكانها الاعتماد على أرمينيا والتيار الانفصالي الأرمني الذي استغلته لعقود وفق مبدأ فرّق تسد

وكثفت فرنسا حيث تعيش جالية أرمنية كبيرة، اتصالاتها بيريفان، التي تعد من الداعمين التقليديين لها. وقال الخبير الأذري إلدار نامازوف “لا يبقى أي مكان مهم فارغا: روسيا ترحل والغرب يأتي”. ورأى إلهان شاهينوغلو أن موسكو لم يعد بإمكانها الاعتماد على أرمينيا والتيار الانفصالي الأرمني "الذي استغلته لعقود وفق مبدأ فرّق تسد". وأضاف أن "روسيا خسرت نقاط ارتكازها التاريخية في القوقاز إلى الأبد".

ووافقت أرمينيا الجمعة على الانسحاب من عدة قرى حدودية أذرية كانت تسيطر عليها منذ أوائل تسعينات القرن العشرين، وذلك في خطوة رئيسية تهدف إلى تجنب تجدد الأعمال العدائية بين البلدين الجارين للتوصل إلى اتفاق سلام بعيد المنال.

وقالت وكالة بلومبرغ للأنباء إن نائبي رئيسي وزراء البلدين، شاهين مصطفييف من أذربيجان وماهر جريجوريان من أرمينيا، توصلا إلى الاتفاق الجمعة، خلال اجتماع على الحدود، حسبما أفادت البيانات الصادرة عن الحكومتين.

ونقلت بلومبرغ عن مكتب رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان قوله على قناة “باجرامايان 26” الموالية للحكومة على تطبيق تليغرام إن أرمينيا ستعيد “قريتين ونصف قرية” في الجزء الشمالي الشرقي من حدودها مع أذربيجان. وجاء في البيان إن هذا سيساعد في “الحد من المخاطر المرتبطة بترسيم الحدود والأمن".

ونقلت وكالة الأنباء الأذرية الرسمية "أذرتاك" عن الحكومة قولها إن أرمينيا ستعيد أربع قرى في نفس الجزء من الحدود. ورحبت تركيا، السبت، بالاتفاق الذي توصلت إليه أذربيجان وأرمينيا بشأن إعادة 4 قرى محتلة منذ 30 عاما إلى باكو، ومواصلة أعمال ترسيم الحدود بين البلدين.

وأوضح بيان وزارة الخارجية أن "هذا التطور الإيجابي الذي تحقق من خلال المفاوضات المباشرة يعد خطوة مهمة نحو توقيع اتفاق السلام النهائي” بين الجانبين.

4