انتهى انتشاء الغزيين بحكم العدل الدولية: لا شيء ملموسا لوقف الحرب

قرار محكمة العدل الدولية الذي لم ينص على إيقاف الحرب في غزة خيّب آمال الغزيين الذين كانوا يعولون عليه. ولكن حتى الجانب “المشرق” في نص القرار والذي ينص على التعجيل بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع لا تمتلك المحكمة آليات تنفيذه.
غزة - علّق الغزيّون آمالا كبيرة على حكم محكمة العدل الدولية لوقف الحرب والنزوح والجوع، لكنهم سرعان ما استفاقوا على واقع يؤكد أن ما حدث مجرد دعاية وأن تهليلهم مجرد نشوة عابرة.
والجمعة، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وتحسين الوضع الإنساني في القطاع، لكن القرار لم يتضمن بند “وقف إطلاق النار”.
وأصيب الفلسطينيون في قطاع غزة بخيبة أمل جراء عدم تضمن قرارات محكمة العدل الدولية “وقفا فوريا لإطلاق النار”، بعد أن علقوا آمالهم في انتهاء الحرب والنزوح والجوع على هذه القرارات.
وبدل النشوة التي أبدوها قبل صدور القرار، تضاعفت خشيتهم من أن يمنح عدم صدور قرار “وقف إطلاق النار”، إسرائيل فرصة جديدة لتصعيد عمليات القتل والتدمير المستمرة منذ السابع من أكتوبر في القطاع المحاصر.
قرار المحكمة الدولية لا يمثل هزيمة لإسرائيل، باعتبار ما تم إعلانه هو إجراءات "وقتية" لا تمس بأصل النزاع
ورحبت حركة حماس بقرار المحكمة، معتبرة أنه “يعني وقف كل أشكال العدوان” على الشعب الفلسطيني، فيما أكدت السلطة الفلسطينية أن طلب المحكمة من إسرائيل بذل كل ما في وسعها لمنع وقوع أي أعمال إبادة في غزة، “يذكر العالم بأن لا دولة فوق القانون”.
وفي المقابل ، رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قرار المحكمة بالقول إن تل أبيب “ستواصل الحرب” على غزة، مضيفا أن المحكمة “لم تطلب من إسرائيل وقف إطلاق النار”.
وعقدت محكمة العدل الدولية في لاهاي بتاريخ الحادي عشر والثاني عشر من يناير الجاري، جلستي استماع علنيتين، في إطار بدء النظر بالدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب “جرائم إبادة جماعية” بحق الفلسطينيين في غزة.
ويقول الخبير في القانون الدولي أنيس القاسم “إن قرار المحكمة يُلزم إسرائيل برفع الحصار عن المواد الأساسية، كالدواء والمياه والغذاء، وهو الأمر المهم جدا بالنسبة للناس الذين يموتون من الجوع، إلى جانب إلزام إسرائيل بتنفيذ ما ورد من طلبات أخرى للمحكمة”.
وبالنسبة للقاسم، فإن قرار المحكمة لا يمثل انتصارا لجنوب أفريقيا ولا هزيمة لإسرائيل، باعتبار ما تمّ إعلانه هو إجراءات “وقتية” لا تمس بأصل النزاع وهو التهمة بارتكاب الإبادة الجماعية.
والقرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية التي تبتّ في النزاعات بين الدول، مبرمة وملزمة قانونا، لكن المحكمة لا تملك أي وسيلة لتنفيذ أحكامها.
مخيب للآمال
تصف السيدة الفلسطينية ريم الغرباوي (42 عاما)، النازحة من حي النصر بمدينة غزة إلى محافظة رفح أقصى جنوب القطاع، قرارات المحكمة بـ”المخيبة للآمال”.
وقالت في تصريح للأناضول “لم تكن القرارات متوقعة لدى شعبنا الفلسطيني الذي كان ينتظر من المحكمة إصدار قرار فوري بوقف إطلاق النار، لكن هذا الشيء لم يحدث”.
وتساءلت باستغراب “ماذا تنتظر المحكمة بعدُ لإصدار قرار بوقف إطلاق النار؟ ألا يكفي جرائم الإبادة الجماعية والمجازر بحق النساء والأطفال؟”.
وبدوره، يرى المواطن جهاد العقاد (35 عاما) أن قرارات محكمة العدل الدولية لها وجهان، الأول سلبي والثاني إيجابي.
ويقول العقاد النازح من المحافظة الوسطى إلى رفح “الجانب السلبي وهو مخيب للأمل كونه لم يتم إصدار قرار بوقف إطلاق النار، أما الإيجابي فيتمثل في اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم للمرة الأولى وهذا ما كنا ننتظره منذ سنوات”.
ويضيف “بالنسبة لنا كفلسطينيين لم يلبِّ القرار طموحاتنا لكننا نشكر دولة جنوب أفريقيا على هذه الخطوة الرائعة في محاكمة إسرائيل”.
وأبدى العقاد سعادته بهذه الخطوة التي تعبر عن “دعم نضال شعبنا الفلسطيني ضد المحتل الإسرائيلي وتؤكد على وجود شعوب وأحرار في العالم يناصرون غزة”.
ويرى الشاب محمد العرعير (35 عاما) أن القرارات جيدة كونها تعد أولى الخطوات في سياق محاكمة إسرائيل على جرائمها في قطاع غزة.
ويتابع “كنا ننتظر إصدار قرار لوقف إطلاق النار مباشرة ومن ثم تتم دراسة باقي التفاصيل”.
مماطلة دولية
أبدت الفلسطينية ريهام الصوالحة (34 عاما) استياءها من هذه القرارات، واصفة إياها بـ”غير العادلة على الإطلاق”.
وبررت ذلك بأنه “مماطلة دولية تمنح إسرائيل وقتا إضافيا لارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر بحق الفلسطينيين”.
وتابعت “حتى انتهاء الحرب، ستعمل إسرائيل على استنزاف قدرات وطاقات وأرواح الفلسطينيين في قطاع غزة”.
ويتفق الفلسطيني المسن عمر الحساينة مع سابقته الصوالحة بأن هذه القرارات غير منصفة، قائلا “كنا نتأمل بأن تدين هذه المحكمة إسرائيل على المجازر التي ما زالت ترتكبها بحقنا”.
ويضيف “كل شيء واضح أمام العالم وهذه المجازر واضحة ولا تحتاج إلى إجراء أي تحقيق لأنها كانت تنقل مباشرة عبر الصحافيين والإعلاميين”.
وفي خضم ذلك من المقرر أن تعقد الجامعة العربية، الأحد، اجتماعا طارئا على مستوى المندوبين الدائمين لإصدار موقف موحد من قرارات محكمة العدل الدولية بشأن غزة.
ويقول مراقبون إنه حتى إن كانت أوامر محكمة العدل الدولية لا تجبر إسرائيل على وقف إطلاق النار بل اتخاذ التدابير الاحترازية المؤقتة لمنع ارتكاب جنودها جرائم الإبادة الجماعية، فإن القرار يجبر الأجهزة الأممية والدولية على اتخاذ إجراءات لحماية حياة الناس المهددة بالقتل والتدمير وخطر المجاعة وسوء التغذية.
وفي محيط مدينة خان يونس بجنوب قطاع غزة، ينشر الجيش الإسرائيلي منذ الخميس رسائل باللغة العربية على شبكات التواصل الاجتماعي يحث فيها السكان على إخلاء مناطق محددة من المدينة حيث تمركزت مركبات مدرّعة.
ويحاول عشرات الآلاف من الفلسطينيين الفرار من خان يونس والبحث عن ملجأ في جنوب القطاع المحاصر الذي تبلغ مساحته 365 كيلومترا مربعا، بينهم الكثير من الأطفال.
ويشن الجيش الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر الماضي حربا مدمرة على غزة، خلّفت حتى الأحد 26 ألفا و422 شهيدا، و65 ألفا و87 مصابا، معظمهم أطفال ونساء، وفق السلطات الفلسطينية.
كما تسببت الحرب في دمار هائل وأزمة إنسانية غير مسبوقة، مع شح إمدادات الغذاء والماء والدواء، ونزوح نحو مليوني فلسطيني، أي أكثر من 85 في المئة من السكان، بحسب الأمم المتحدة.