انتفاضة السوريين ضد الأسد قد تكون مختلفة هذه المرة

السويداء (سوريا) - تصاعدت التوترات في جنوب سوريا هذا الأسبوع مع احتجاج الآلاف على تدهور الظروف المعيشية. وقد أثار ذلك حركة لم تشهدها سوريا منذ عام 2011، ويمكن أن تهدد قبضة الرئيس بشار الأسد على السلطة.
واندلعت الاحتجاجات في مدينة السويداء الجنوبية، حيث خرج المئات من الأشخاص إلى الشوارع حاملين لافتات وهتفوا “سوريا لنا وليست لآل الأسد”. وأظهر مقطع فيديو تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي لافتة للأسد معلقة في الساحة الرئيسية بالمدينة، ثم أضرمت فيها النيران.
ويوم الجمعة، تظاهر عدد غير مسبوق من المتظاهرين في ساحة الكرامة بالسويداء، مرددين شعارات مناهضة للنظام وحملوا أعلام الطائفة الدرزية، وهي الجماعات العرقية الدينية المهيمنة في المنطقة. وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن النظام أغلق الطرق داخل وخارج السويداء لمنع انتشار الاضطرابات. لكن الاحتجاجات انتشرت بسرعة.
وتم الإبلاغ عن احتجاجات في أكثر من 52 موقعًا في جنوب سوريا، بما في ذلك المحافظات المجاورة درعا ودير الزور، وشمالا إلى حلب، حيث تم الإبلاغ عن احتجاجات في أحياء الفردوس والسكري وصلاح الدين. وأفادت منظمة مراقبة حقوق الإنسان السورية “إيتانا” عن وقوع 32 مظاهرة السبت، بما في ذلك في إدلب والرقة والحسكة ودير الزور.
وتأتي الاضطرابات إلى حد كبير ردا على قرار النظام بخفض دعم الوقود والظروف الاقتصادية السيئة بشكل عام التي تواجهها البلاد، بما في ذلك التضخم الجامح المستمر وارتفاع تكلفة المواد الغذائية والسلع الأخرى. وشهد الأسبوع الماضي انهيار الليرة السورية إلى مستوى قياسي بلغ 15500 ليرة مقابل الدولار الأميركي.
ولا تزال سوريا أيضا تعاني من أزمة إنسانية حادة. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 15.3 مليون سوري يحتاجون إلى مساعدات إنسانية هذا العام. وكان الدافع وراء ذلك هو الصراع المحلي، وأزمات الصحة العامة، بما في ذلك أزمة المياه وتفشي الكوليرا، والنقص المستمر في الغذاء الذي دفع الملايين من السوريين إلى المشقة والمجاعة.
وبدأت الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية ضد حكم بشار الأسد الاستبدادي في عام 2011 قبل أن تتحول إلى صراع أهلي معقد ووحشي. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 300 ألف مدني قتلوا في الصراع المستمر منذ عشر سنوات وما زال 11 ألفا في عداد المفقودين على يد النظام، حيث دمر الصراع سوريا ودفع إلى انزلاقها إلى الأزمات الاقتصادية والإنسانية التي نشهدها اليوم.
وعلى الرغم من المكاسب الأولية التي حققتها القوى المتمردة المؤيدة للديمقراطية في عام 2011، إلا أن الحرب الأهلية شهدت تشبث الأسد بالسلطة. وقد أدت المساعدة المقدمة من روسيا، حليفة النظام، والانقسام في صفوف قوات المتمردين، إلى استعادة النظام للمعاقل التي كانت تسيطر عليها المعارضة في دمشق وحلب. وتحتل قوات المتمردين الآن مساحات صغيرة من الأراضي في محافظة إدلب، والتي يواصل النظام قصفها دون عقاب.
وحكمت عائلة الأسد سوريا منذ عقود معتمدة على عنف الدولة وقمع المعارضة، كما أن الكليبتوقراطية والفساد يربطان البلاد ببعضها البعض. وأبقى نظام الأسد مجموعات الأقليات المؤثرة في البلاد، وتحديدا الطائفتين العلوية والدرزية، إلى جانبه خلال الحرب الأهلية. والأسد نفسه ينتمي إلى الطائفة العلوية الصغيرة ولكن ذات النفوذ. ولكن على عكس ما حدث في عام 2011، يبدو أن الأمور مختلفة اليوم، مما يسبب مشاكل للنظام.
واندلعت الاحتجاجات في مناطق ومدن ذات أعداد كبيرة من العلويين والدروز ذوي النفوذ، وهي نفس المجموعات التي ظلت موالية للأسد إلى حد كبير. وقد استخدم العديد من العلويين البارزين وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن إحباطهم من النظام، حيث دعا البعض إلى سقوطه. وكان هذا هو الحال منذ بضعة أشهر، حيث تحدث العلويون في المناطق التي يسيطر عليها النظام في السابق عن عجز النظام عن حل المشاكل التي تواجهها سوريا.
ويتضمن ذلك العديد من الأمثلة التي قام فيها كتاب وصحافيون وعلويون آخرون بالتنفيس عن إحباطهم علنا على وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا مشابه في الجنوب ذي الأغلبية الدرزية، حيث اندلعت الاحتجاجات منذ الأسبوع الماضي. وفي ديسمبر الماضي، قُتل شخصان عندما اقتحم متظاهرون في السويداء ذات الأغلبية الدرزية مبنى حكوميا خلال احتجاج مناهض للنظام على ارتفاع أسعار المواد الغذائية والصعوبات الاقتصادية.
◙ الدعوات التي يطلقها أعضاء هذه المجتمعات لإسقاط النظام هي أمر غير مسبوق ويمكن أن تشكل تغييرا حقيقيا في قواعد اللعبة بالنسبة للمعارضة
وظلت السويداء إلى حد كبير في أيدي النظام خلال الحرب الأهلية، ونجت من معظم الدمار الذي شوهد في أماكن أخرى. ولقد دعمت هذه المجتمعات الأسد في أدنى مستوياته، وكوفئت بالفساد والاقتصاد المعوق والأزمة الإنسانية المستمرة.
ويرى محللون أن الدعوات التي يطلقها أعضاء هذه المجتمعات لإسقاط النظام هي أمر غير مسبوق، ويمكن أن تشكل تغييرا حقيقيا في قواعد اللعبة بالنسبة للمعارضة. وهو ما افتقر إليه المعارضون عام 2011، ما سمح للأسد بترجيح كفة الميزان لصالح النظام.
ومن المرجح أن يرد الأسد بوحشيته المميزة، مستخدما عنف الدولة والخوف لقمع المعارضة. وهذا قد بدأ بالفعل، حيث أفادت وسائل الإعلام المحلية بانتشار عدة طائرات تابعة للنظام فوق دمشق في أحياء مضايا والمزة وكفر سوسة، وانتشار أمني كبير في العاصمة لمنع انتشار الاحتجاجات بشكل أكبر.
ولا يزال النظام السوري غير قادر أو غير راغب في حل المشاكل التي تواجهها البلاد، ويديم الصعوبات من خلال ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد السوريين، مثل منع توزيع المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب.
من الممكن أن تنتهي الاضطرابات المتواصلة للأسبوع الثاني على التوالي بطريقتين: من الممكن أن تؤجج مظالم السوريين وتمتد الاحتجاجات إلى كافة أنحاء البلاد، وتتحول إلى حراك شعبي يهز النظام أو، كما حدث في عام 2011، يسحق عنف الدولة المطالب المشروعة للشعب. ويأمل السوريون من جميع الطوائف والأديان أن يكون الأمر الأول، وليس الأخير.