امتداد التحرش إلى تطبيقات النقل في مصر يسبب فوبيا للنساء

حوادث "أوبر" انعكاس للشارع المصري في ظل عدم وجود رادع لسلوكيات بعض الأشخاص.
الأحد 2024/05/19
فاسدون سلوكيا

امتدت ظاهرة التحرش والاغتصاب والاعتداء على النساء إلى تطبيقات النقل في مصر وباتت مشكلة تؤرق المجتمع وتسبب تكرارها بحالة من الفوبيا للنساء اللواتي لم يعدن يجدن الأمان في استخدامها. لكن المختصين يعتبرون أنها جزء من المشكلة العامة التي تتعلق بالممارسات والمعتقدات الثقافية الخاطئة، مثل ثقافة العيب والعار والتربية الذكورية.

القاهرة - باتت حوادث الخطف والتحرش من قبل سائقي شركة “أوبر” تشكل هاجسا للمصريين حيث ثار غضب الكثيرين من تكرار الحوادث التي هي في الواقع لا تقتصر على سائقي تطبيقي “أوبر” و”كريم” بل هي انعكاس لظاهرة يشكو منها المجتمع ومازالت السلطات تعمل على محاربتها.

وكان آخر الحوادث محاولة الاعتداء الجنسي على “فتاة التجمع” السبت الماضي، وقبلها مقتل الشابة حبيبة الشماع، لتجتاح حالة من “الخوف” قطاعا واسعا من المواطنين وباتت أشبه بـ”فوبيا سيارات الأجرة”، قدّم على إثرها أحد المحامين دعوى قضائية لإلغاء تراخيص شركتي “أوبر” و”كريم” في البلاد.

وقدم المحامي بالنقض عمرو عبد السلام، دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، للمطالبة بإلغاء تراخيص الشركتين، بسبب مخالفتهما لشروط التراخيص الصادرة، “بعد تزايد معدل جرائم الخطف التي تعرضت لها سيدات وفتيات خلال الأشهر القليلة الماضية من قبل بعض قائدي المركبات المنحرفين والمتعاطين للمواد المخدرة”.

وأصبحت هذه الحوادث حديث مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن تمكنت الأجهزة الأمنية بالعاصمة من القبض على سائق تابع لشركة توصيل الركاب “كريم” لتورطه في ارتكاب فعل مخل أثناء ركوب فتاة معه بالسيارة في منطقة التجمع.

حالات التحرش والاغتصاب منتشرة قبل إطلاق التطبيقات تغذيها الثقافة المجتمعية التي تلوم الضحية وتدافع عن المتهم

وتباشر النيابة العامة في واقعة اتهام موظفة للسائق بالتحرش بها عن طريق إظهار منطقة حساسة من جسده لها (عضوه الذكري)، حسبما ذكرت “وسائل إعلام مصرية”. وقبل ذلك بأيام، كشفت وزارة الداخلية المصرية ملابسات تعدى سائق “بإحدى شركات النقل الخاصة” على سيدة في القاهرة.

وحال استقلال السيدة سيارة “تابعة لإحدى تطبيقات النقل الذكي” (أوبر) قام قائدها باصطحابها إلى إحدى المناطق بدائرة قسم شرطة مدينة نصر ثان، وحاول التعدي عليها وبحوزته سلاح أبيض (كتر) مما أسفر عن إصابتها، لكنها تمكّنت من الفرار، في حين ضبطت الشرطة السلاح الأبيض والسيارة المستخدمين في الواقعة.

وأوضحت سالي شقيقة المعتدى عليها، وهي صاحبة الهاتف الذي استُخدم منه التطبيق، أنها قامت بحجز رحلة لأختها من منطقة التجمع في شرق العاصمة المصرية للذهاب إلى منطقة الشيخ زايد في غربها لحضور حفل زفاف، قائلة إنها “اختارت أن تذهب بأوبر باعتباره الوسيلة الأكثر أمانا.. أو هذا ما كنّا نتصوره”.

وأضافت أنه بعد بدء رحلة السيارة بدقائق “فوجئت بإلغائها من جانب السائق، حينها أدركت أن شقيقتها خُطفت”. وروت في مداخلة مع برنامج “الحكاية” على “أم بي سي” أن السائق اصطحب شقيقتها إلى مكان غير معلوم وتوقف فجأة بحجة العطش ورغبته في شرب الماء. وتابعت قائلة “إلا أنه حاول إبقاء أختي في السيارة وهدّدها بسلاح أبيض، ولكنها كانت بطلة وقالت له وهي تمسك بالسلاح.. ستقتلني ولن تلمسني”. ثم تمكنت بعدها من الهرب، وقد تعرضت يدها لجروح ونزيف بسبب السلاح الحاد.

من جانبها، ردت شركة “أوبر” في بيان، تناقلته وسائل إعلام مصرية، وقالت إنه “بمجرد إبلاغنا بالحادث، تواصلنا مع أحد أفراد عائلة الضحية لتقديم كل الدعم الممكن، ونعمل مع السلطات عن كثب لتوفير جميع المعلومات اللازمة لإتمام عملية التحقيق”.

السائقون الذين يقومون بالتحرش والتعدي على النساء فاسدون سلوكيا ومنحرفون وغالبيتهم من متعاطي المخدرات

كما أعلنت النيابة العامة المصرية في مارس إحالة سائق إلى محكمة الجنايات بعد أيام قليلة من وفاة فتاة متأثرة من إصاباتها بعد قفزها من سيارة كان يقودها خلال تحركها على طريق سريع. ووجهت النيابة العامة للسائق تهم الشروع في خطف، حبيبة الشماع البالغة 24 عاما، المعروفة إعلاميا بـ”فتاة الشروق” عن طريق “الإكراه، وحيازته الحشيش المخدر في غير الأحوال المصرح بها قانونا، وقيادته مركبة آلية حال كونه واقعا تحت تأثير ذلك المخدر”.

في المقابل، وبحسب الأنظمة الداخلية لشركتي كريم وأوبر، فإنهما تؤكدان على أنه يُحظر على سائقيها استخدام منصة حجز خدمة التوصيل لارتكاب أيّ جريمة مثل نقل المخدرات، أو غسيل الأموال، أو ارتكاب الاتجار بالمخدرات أو البشر، أو استغلال الأطفال جنسيا، أو انتهاك أيّ قانون آخر.

وتقوم كل من الشركتين بمراجعة التقارير المقدمة إلى فريق دعم العملاء والتي قد تنتهك القوانين الداخلية، وقد يتم اللجوء إلى تحقيق داخلي خاص لإنهاء حساب السائق واتخاذ الإجراء القانوني المناسب. وحتى الآن، لا توجد أرقام تظهر تراجعا في استخدام هذا النوع من تطبيقات التوصيل.

ويؤكد مختصون أن ما وقع في تلك السيارات هو انعكاس لما يحدث في الشارع المصري من تحرش وتعدّ ومحاولات اغتصاب لفتيات وسيدات، في ظل عدم وجود رادع” لسلوكيات بعض الأشخاص الذين يقومون بتلك الحوادث.

وقبل وجود تلك التطبيقات هناك حالات تحرش بالشارع المصري، وفي الثقافة المجتمعية يتم لوم الضحية والدفاع عن المتهم، وبالتالي هناك قبول للعنف ضد المرأة.

أين الرادع
أين الرادع

وتشير أستاذة علم الاجتماع هالة منصور إلى ظهور نوع من “الفوبيا” بسبب تكرار تلك الحوادث وكثرتها. وأضافت في حديث مع موقع “الحرة” أن تكرار تلك الحوادث بسبب “عدم وجود رقابة أو عقاب رادع”، ويجب أن تتم محاسبة المتهمين بشكل “مشدد ومغلظ”.

وتشدد منصور على أن السائقين الذين يقومون بالتحرش والتعدي على السيدات “فاسدون سلوكيا ومنحرفون”، وغالبيتهم من “متعاطي المخدرات”. غير أن تكرار حوادث التعدي والتحرش ومحاولات الاغتصاب والسرقة، تتسبب في “انتشار الخوف بالمجتمع”.

والأمر لا يتوقف عند محاولات التعدي والتحرش لكن في بعض الأحيان يؤدي الأمر إلى الوفاة مثل ما حدث مع “فتاة الشروق”، وحالة “الخوف” رد فعل طبيعي لتكرار تلك الحوادث و”عدم الخوف” هو الوضع “غير الطبيعي” في ظل الوضع القائم، إذ أن هؤلاء “منحرفون ومضطربون نفسيا”، ومنهم من يعاني من “اضطراب الاستعراء” مثل من قام بإظهار عضوه الذكري للفتاة في الواقعة الأخيرة.

والكثير من السيدات يشعرن بـ”عدم الأمان” عند استخدام تلك التطبيقات، وللقضاء على “حالة الخوف” يجب أن يكون هناك “تدقيق” من قبل شركات النقل الخاصة على سائقيها، وفق استشاريي الصحة النفسية.

وبدأ النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حملة واسعة لمقاطعة تطبيق “أوبر” في مصر، بسبب ما وصفه المستخدمون “بتكرار حوادث التحرش وخطف الفتيات”.

وأطلقت صفحة “أنت الأهم” على فيسبوك، وهي مبادرة رائدة أطلقتها مؤسسة مصر للصحة والتنمية المستدامة، حملة لمنع التعامل مع شركة “أوبر”.

ناشطون من المهتمين يبحثون في أسباب انتشار ظاهرة التحرش في المجتمع المصري، والمجتمعات العربية عموما رغم وجود قوانين تجرمه

وحظي الهاشتاغ بتفاعل واسع على مواقع التواصل؛ حيث قالت دينا على موقع إكس، إن تطبيق “أوبر” في مصر يعاني من الفوضى، متهمة الشركة بتوظيف سائقين “مجرمين يعرضون حياة المرأة المصرية للخطر”، مشيرة إلى أن اهتمام التطبيق ينصبّ على جني الأرباح لا على حياة مستخدميه. أما يمنى علي، فطالبت، على فيسبوك، بضرورة إزالة تطبيق “أوبر” من الهواتف.

وطالب المحامي عبدالسلام في الدعوى القضائية، وفق منشور على فيسبوك، بإلزام شركات النقل الذكي باعتماد أنظمة المراقبة الإلكترونية داخل السيارات وربطها بالنظام الداخلي للشركات ووزارة الداخلية، لمراقبة سلوك السائقين منذ بدء الرحلة وحتى نهايتها.

وينص القانون وفق المحامي على إخضاع سائقي السيارات لتحاليل المخدرات والكحوليات قبل التصريح لهم باستخدام التطبيق، وإخطار وزارة الداخلية ببيانات سائق السيارة للكشف عليه جنائياً للوقوف على صحيفته الجنائية.

يأتي ذلك بعد أيام من مطالبة أمل سلامة، عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب؛ الحكومة بوقف ترخيص عمل شركة “أوبر” ومثيلاتها في مصر بشكل مؤقت، وذلك بعد محاولة سائق تابع للشركة هتك عرض سائحة ألمانية، والذي حُكِم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات.

ويبحث ناشطون من المهتمين في أسباب انتشار ظاهرة التحرش في المجتمع المصري، والمجتمعات العربية عموما رغم وجود قوانين تجرمه. فمنهم من أرجعها إلى الممارسات والمعتقدات الثقافية الخاطئة، مثل ثقافة العيب والعار والتربية الذكورية، التي تمنع الحديث في الجنس ثم تغض النظر عن الانتهاكات الجسدية.

وقال الكاتب والسيناريست مصطفى حلمي إن “غياب التربية الجنسية وتجاهل الأهل للموضوع، أدى إلى ظهور ممارسات جنسية مغلوطة تصور الرجل كفاعل والمرأة كمفعول بها”. وأضاف “من أكتر الحاجات اللي عاملة مشاكل في استيعاب الفرق بين ممارسة الجنس الطبيعية وبين التحرش والاغتصاب، هي فكرة الناس هنا عن الجنس بشكل عام إنه فاعل ومفعول به. شيء حد له فيه اليد العليا وحد ثاني يكون فيه الضحية، أو الطرف المستضعف”.

الضحية تلام دائما
الضحية تلام دائما

لذلك يتشكل اعتقاد لدى الأغلبية العظمى من الناس بأن “هذا هو الشكل الوحيد للجنس، ما يدفع ببعض النساء للسكوت”.

ويمثل ضمان توفير وسائل النقل والمواصلات الآمنة للمرأة تحديا كبيرا يتطلب الاستثمار في الأطر القانونية وأطر السياسات لمعالجة العقبات التي تساعد على استمرار مظاهر العنف والتحرش ضد المرأة.

واكتسب العنف القائم على النوع الاجتماعي، لاسيما ضد المرأة، اهتماما عالميا باعتباره قضية ملحة تتطلب اتخاذ إجراءات وتدخلات فورية من جانب الحكومات والمنظمات والمؤسسات والمجتمع الدولي.

وفي مصر، شهدت الجهود الرامية إلى تعزيز تمكين المرأة والتصدي للعنف ضدها تقدما كبيرا. ففي عام 2015 تم إطلاق الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة والتي أعطت الأولوية لمنع العنف والحماية منه والتدخل لدحره وسلطت الضوء على الإجراءات القانونية التي تستوجب العقوبة عليه. وفي عام 2021 تم تعديل قانون العقوبات الذي يجرّم التحرش الجنسي بتغليظ العقوبات على الجناة والتصدي لجرائم التحرش والإيذاء عبر الإنترنت.

وتمثل الجهود الحالية لمعالجة مختلف أشكال العنف ضد المرأة، أهمية قصوى لمساعدة مصر في تحقيق أهدافها المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والمستدامة، إذ تشير التقديرات إلى أن إجمالي الناتج المحلي في مصر من الممكن أن يشهد زيادة بنسبة 34 في المئة إذا تساوى معدل مشاركة المرأة في العمل مع معدل الرجل.

لذلك ينبغي أن تتضمن الجهود الرامية إلى منع العنف ضد المرأة تدابير في مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك النقل والمواصلات والصحة والتعليم وأماكن العمل.

وتعاون البنك الدولي مع وزارة النقل والمجلس القومي للمرأة لتسهيل تنفيذ الإصلاحات الحكومية التي تهدف إلى التقدم نحو توفير وسائل نقل ومواصلات أكثر أمانا. وتم من خلال هذا التعاون أيضا تقديم دعم واسع لأصحاب المصلحة والأطراف المعنية الأخرى للتصدي لتحديات العنف القائم على النوع الاجتماعي، لاسيما ضد المرأة، في قطاعات متنوعة.

15