اليونسكو تكشف تأثير أزمة اللجوء على واقع التعليم

تشرح منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في تقرير لها تناول تداعيات أزمة اللجوء والهجرة على واقع التعليم، حيث يكشف التقرير أن أعداد اللاجئين المتزايدة تسببت في نقص عدد المدرّسيين في الدول المستضيفة، في حين يشكو المدرسون من صعوبات التعليم للقادمين من بؤر التوتر، كما حذّر التقرير من أن تواصل بطالة أصحاب الشهادات العليا يحرّض على التطرف، ودعت المنظمة العالمية إلى ضرورة الاعتراف بالمؤهلات العلمية للمهاجرين وإدماجهم بشكل أفضل.
لندن- تطلق منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) اليوم الثلاثاء، تقرير مراقبة التعليم العالمي لعام 2019 والذي جاء تحت عنوان “الهجرة والنزوح والتعليم: بناء الجسور، وليس الجدران”. ويركّز التقرير على الهجرة والسياسات الاجتماعية المتعلقة بشكل خاص بتعليم المهاجرين ومدى استيعابهم داخل المجتمعات، وكشف عن تدابير سياسة التعليم التي اتخذتها الدول المضيفة للمهاجرين واللاجئين.
وتضمن التقرير أيضا تفاصيل عن الجهود التي تبذلها دول الشرق الأوسط لتطبيق سياسات التعليم الشامل للاجئين. ومثلا في لبنان من أجل تحسين قبول اللاجئين في المدارس، قامت الحكومة اللبنانية بتجربة تقديم تحويلات نقدية مشروطة للتعليم وشهدت زيادة في الحضور بنسبة 20 بالمئة.
وحذر التقرير من الروابط بين التعليم وظهور التطرف العنيف، وأن الحرمان من منافع التعليم يمكن أن يكون أكثر ضررا بقدر الحرمان من التعليم ذاته. حيث أظهرت دراسة في 8 دول عربية أن البطالة عملت على زيادة احتمال التطرف بين الفئة الأكثر تعليما بسبب خيبة أملها من تحسن وضعها الاقتصادي من خلال التعليم.
وقيّم تقرير مراقبة التعليم العالمي لليونسكو لعام 2019 التقدم في مجال التعليم كما كان محور تركيزه الرئيسي موضوع الهجرة والنزوح. وشرح الآثار المترتبة على مختلف أنواع الهجرة على النظم التعليمية، وفي الوقت ذاته مدى تأثير مناهج التربية الإصلاحية وطرق تدريسها وإعداد المعلمين لمواجهة التحديات والفرص التي تفرضها الهجرة والنزوح.
ومن خلال دراسات الحالة التعليمية، تم توضيح بعض أنواع المناهج التي يمكن العمل بها وزيادتها. كما تمت الدعوة إلى الاستثمار في التعليم ذي النوعية الجيدة في المناطق الريفية التي تعاني من قلة السكان وفي المناطق الفقيرة التي تعاني من تكدّس السكان؛ في الدول ذات معدلات الهجرة العالية؛ وأيضا في حالات الطوارئ المتعلقة باللاجئين على المدى القصير وفي الأزمات التي طال أمدها. وأقر تقرير اليونسكو بأن الهجرة والتهجير من التحديات العالمية التي تتعين معالجتها، بالموازاة مع تحدي ضمان التعليم الجيد الشامل والمنصف وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع.
وتتفاعل الهجرة والتهجير مع التعليم بطرق عديدة، حيث تؤثر هذه الروابط على هؤلاء الذين يتنقلون، وأولئك الذين يقيمون والذين يستضيفون المهاجرين أو اللاجئين أو غيرهم من السكان المشرّدين.
وتؤثر الهجرة الداخلية بشكل رئيسي على العديد من الدول ذات الدخل المتوسط سريعة التحضر، مثل الصين، حيث يتم إهمال واحد من كل ثلاثة أطفال ريفيين. أما الهجرة الدولية فتؤثر بشكل رئيسي على الدول ذات الدخل المرتفع، حيث يشكل المهاجرون ما لا يقل عن 15 بالمئة من الطلاب في نصف المدارس.
كما أنه يؤثر على واحدة من كل أربع دول في العالم والتي يهاجر خمسة من مواطنيها من الكفاءات. وبالمثل يؤثر النزوح بشكل رئيسي على الدول ذات الدخل المنخفض، والتي – في مقابل حصة السكان- تستضيف ضعف عدد اللاجئين، والذين غالبا ما يصلون إلى بعض المناطق الأكثر حرمانا من التعليم، إذ أن نصف هؤلاء النازحين هم قسّر ودون سن الـ18.
وتواجه الدول المستضيفة تحديات في الوفاء بالتزامها الدولي باحترام الحق في التعليم للجميع. ومن أجل القيام بذلك، غالبا ما يحتاج المهاجرون إلى العمل بسرعة، تحت قيود شديدة أو حتى معارضة من بعض الدوائر الانتخابية.
ورصد تقرير اليونسكو أرقاما عن ظاهرة اللجوء، حيث استضافت سبع دول 51 بالمئة من إجمالي عدد اللاجئين في العالم البالغ عددهم حوالي 20 مليون لاجئ نهاية عام 2017، باستثناء اللاجئين الفلسطينيين. واستضافت تركيا أكثر نسبة من اللاجئين (3.5 ملايين لاجئ) حوالي مليون منهم في سن الدراسة. بالإضافة إلى ذلك، يعيش 5.4 ملايين لاجئ فلسطيني في أربع دول. وفي المجموع، استضافت الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط حوالي 89 بالمئة
من اللاجئين.
وعلى عكس الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حيث ظلت نسبة المهاجرين من السكان ثابتة ومتدنية عند حوالي 1.5 بالمئة، ارتفعت حصة الدول ذات الدخل المرتفع من المهاجرين من 10 بالمئة في عام 2000 إلى 14 بالمئة في عام 2017.
أما في دول الخليج، مثل الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة، فيشكل المهاجرون مجموعة الأغلبية من السكان. وتسببت أعداد اللاجئين المتزايدة في حدوث نقص كبير في عدد المعلمين. فهناك حاجة إلى توظيف حوالي 80 ألف معلم إضافي في تركيا للاجئين السوريين، وهناك حاجة إلى توظيف حوالي 42 ألف مدرس ومعلم للاجئين في ألمانيا، وتحتاج أوغندا إلى توظيف 7000 معلم ابتدائي لتعليم جميع اللاجئين.
وباتت الهجرة اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ﻋﻟﯽ مستوى إتقان اﻟﻟﻐﺔ من بين أحد التوجهات الحديثة لتوظيف ﻣﺗﺣدثي اللغة اﻹﻧكليزﯾﺔ اﻷﺻﻟﯾﯾن. ووقع استبدال المعلمين المصريين والأردنيين في المدارس الإماراتية بآخرين بريطانيين، وهو التمشي ذاته في الدول ذات الدخل المرتفع.
ويحظى لبنان بأكبر عدد من اللاجئين لكل فرد في العالم. وكنتيجة لذلك تبنت الدولة أنظمة الفترتين في المدارس، مع حضور مجموعة واحدة في الصباح وأخرى في فترة ما بعد الظهر. وﻓﻲ ﻋﺎم 2016، تم فرض نظام الفترتين في 160 ﻣدرﺳﺔ ﻣن اﻟﻣدارس اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻟﺑﻧﺎن، وعددها 1350 ﻣدرﺳﺔ، منها الفترة الصباﺣﯾﺔ التي يحضرها اﻷطﻔﺎل اﻟﻟﺑﻧﺎﻧﯾون، وفترة ما بعد الظهر التي يحضرها اﻟﻼﺟﺋون اﻟﺳورﯾون. وسعى الأردن أيضا إلى استيعاب تزايد عدد اللاجئين السوريين بمدارس تعمل بنظام الفترتين. حيث يحصل الأطفال في هذه المدارس على ساعات أقل من التدريس في المدارس العامة التي تسير وفق جدول منتظم.
إذا كان اللاجئون يفتقرون للحصول على فرص العمل، فمن غير المحتمل أن يستثمروا مهاراتهم بشكل أكبر
وغالبا ﻣﺎ ﯾﻘوم اﻟﻣدرﺳون أنفسهم ﺑمهمة التدرﯾس في ﮐﻼ الفترتين لكن الشكاوى المستمرة من كثرة أعباء العمل عليهم، حيث يتعرض المدرسون بالدول المستضيفة اللاجئين إلى ضغوط للقيام بمهام معقدة، وإدارة الفصول الدراسية متعددة اللغات أو مساعدة الأطفال المحتاجين للدعم النفسي الاجتماعي، دون إعداد مسبق.
ففي ست دول أوروﺑﯾﺔ، لم يحصل ﻧﺻف اﻟﻣﻌﻟﻣﯾن ﻋﻟﯽ دﻋم ﮐﺎف ﻹدارة اﻟﺗﻧوع ﻓﻲ اﻟﻔﺻول اﻟدراﺳﯾﺔ. وغالبا ما تتفاعل سياسات توظيف المعلمين وإدارتها ببطء شديد مع تلبية الاحتياجات الناشئة. ويرى التقرير أنه بات من الضروري استهداف المدارس التي لديها بأعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين ودعمها بالمزيد من الموارد لدعم المتعلمين المتعثرين. كما حذّر من بطالة المهاجرين.
وإذا كان المهاجرون واللاجئون يفتقرون إلى الحصول على فرص العمل أو الوظائف التي تستخدم مهاراتهم، فمن غير المحتمل أن يستثمروا في تطويرها بشكل أكبر.
وفي حين يمكن أن يؤدي الاعتراف بمؤهلاتهم والتعلم المسبق إلى تسهيل الدخول إلى أسواق العمل، خاصة في ما يتعلق بالمؤهلات المهنية. لكن مع ذلك، فإن أقل من ربع المهاجرين العالميين هم المشمولون باتفاق الاعتراف الثنائي.
وخلص تقرير اليونسكو إلى ضرورة تنسيق معايير التعليم العالي وآليات ضمان الجودة للاعتراف بالمؤهلات الأكاديمية على المستوى الثنائي أو الإقليمي أو العالمي. وسيكون اعتماد الاتفاقية العالمية بشأن الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي للمهاجرين المتوقعة في عام 2019 أمرا أساسيا.