اليونسكو تحذّر المصريين من تدهور حال القاهرة القديمة

البيروقراطية تعرقل سير ترميم المدينة التاريخية، وتمويلات أجنبية لبعض المساجد دون بقية المواقع.
الأربعاء 2018/11/07
معالم أثرية تترهل

أوقفت أحداث الربيع العربي في مصر أشغال ترميم المواقع التاريخية داخل المدينة القديمة التي تعدّ مسلكا سياحيا هاما في العاصمة المصرية، وطالت مدة التوقف بسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، لكنها استؤنفت الآن في بعض المساجد بعد أن دقّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ناقوس الخطر بشأن الكنوز التاريخية المتداعية، ما يجعلها عرضة للخروج من قائمة التراث العالمي.

 القاهرة – ينكبّ عمّال واقفون على سقالات على تنظيف جدران مسجد بيبرس العائد للقرن الثالث عشر، في إطار مشروع ترميم تحتاجه القاهرة القديمة الزاخرة بالمعالم الإسلامية والتي تعاني من تدهور مستمر منذ 2011.

وتوقفت أعمال الترميم في منطقة القاهرة الإسلامية المعروفة كذلك باسم القاهرة القديمة، بعد الربيع العربي والاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تلته، لكنها استؤنفت الآن في هذا المسجد المملوكي المتداعي منذ عقود.

وعلى الجانب الآخر من المدينة التاريخية، انطلق كذلك مشروع ترميم لمسجد المارداني الذي يعدّ من أجمل جوامع القاهرة، شُيّد في القرن الرابع عشر في منطقة الدرب الأحمر.

ويتكوّن من صحن مكشوف مستطيل يحيط به أربعة إيوانات، أكبرها إيوان القبلة الذي يتكوّن من أربعة أروقة، والإيوانات الثلاثة الأخرى يتكوّن كل منها من رواقين.

ويعدّ محراب الجامع من المحاريب النادرة دقيقة الصنع بين محاريب مساجد القاهرة، وقد كُسِيت جدرانه بالرخام الدقيق والصدف مكوّنة زخارف هندسية دقيقة، ويعلو المحراب قبّة كبيرة ترتكز على ثمانية أعمدة من الجرانيت الأحمر، ومقرنصاتها من الخشب الملوّن، إلى جوار المحراب منبر من الخشب بحشوات مطعمة بالعاج.

المئات من المنازل القديمة في القاهرة تشكل نسيجا حضريا فريدا في حاجة ملحة للترميم

تبقى الحاجات كبيرة في القاهرة التاريخية البالغة مساحتها 32 كيلومترا مربعا والمدرجة منذ العام 1979 على قائمة التراث العالمي التي تعدّها منظمة اليونسكو، مع 600 مبنى أثري مسجل.

فإضافة إلى المباني الأثرية والمساجد والأضرحة وبيوت الضيافة، تشكّل المئات من المنازل القديمة نسيجا حضريا فريدا في العالم العربي تتوسطه شوارع دائرية ضيقة تنتشر فيها المتاجر الصغيرة والمقاهي والأبنية المؤلفة من ثلاثة طوابق أو أربعة على الأكثر.

ويقول لوي مونريال المدير العام لمؤسسة الآغا خان للثقافة الذي شارك في ترميم العديد من المواقع في القاهرة التاريخية منذ العام 2000، إن العمل في هذه المنطقة مهمة لا تنتهي “مثل طلاء حاملات الطائرات، فما إن تنتهي من جانب حتى يتعيّن عليك أن تبدأ من جديد في الجانب الآخر”.

وبعد العام 2011، كثرت عمليات هدم المنازل القديمة وتشييد بنايات محلّها تتألف من ستة طوابق إلى ثمانية، واتسع كثيرا نطاق النهب داخل المساجد الأثرية مثل سرقة أجزاء المنابر. وقد تراجعت في الفترة الأخيرة عمليات النهب أو البناء دون تراخيص على ما تفيد السلطات، إلا أن القاهرة التاريخية شاسعة تعدّ 20 مليون نسمة، تعاني من تلوث الجو فتلحق الجزئيات الحمضية ضررا بأحجار المباني الأثرية، كما تنتشر النفايات المنزلية في شوارع المنطقة التاريخية.

وإزاء التدهور المسجل خلال السنوات الأخيرة، دقت اليونسكو أكثر من مرة ناقوس الخطر. وفي قرار اتخذ في العام 2017، طلبت لجنة التراث العالمي في اليونسكو من “الدولة العضو اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإنهاء التدهور السريع الملحوظ” في القاهرة التاريخية.

وأكد وزير الآثار خالد العناني الذي تفقّد أعمال الترميم خلال شهر أكتوبر، أن تحديات عدة تواجه القاهرة الإسلامية.

وأوضح، “يقال دائما إن الآثار الإسلامية في حالة سيئة. هذا صحيح”، مشيرا إلى شبكة الصرف الصحي المتهالكة التي تؤثر سلبا على حجارة الأبنية الأثرية المتواجدة أيضا في مناطق سكنية وغياب موازنة لوزارة الآثار.

ففي مصر، تموّل وزارة الآثار من عائدات المواقع السياحية، إلا أن السياحة تلقت ضربات قوية بسبب الاضطراب السياسي الذي أعقب سقوط الرئيس حسني مبارك في العام 2011، ثم إسقاط طائرة السياح الروس بُعيد إقلاعها من منتجع شرم الشيخ العام 2015.

وفي العام 2017، بدأ قطاع السياحة يلتقط أنفاسه مع مجيء 8.2 مليون سائح في مقابل 5.3 مليون في العام السابق، وفق الأرقام الرسمية، غير أن مصر لا تزال بعيدة عن الرقم القياسي الذي حققته في العام 2010 وهو 14.7 مليون سائح.ويعتمد ترميم الكثير من الآثار على التمويل الأجنبي، وتتولى كازاخستان تمويل ترميم مسجد الظاهر بيبرس بقيمة 4.8 مليون يورو، أما تجديد مسجد المارداني فيتولى تمويله الاتحاد الأوروبي (1.2 مليون يورو) بالاشتراك مع مؤسسة الآغا خان (133 ألف يورو).

ومن منزله الأثري “بيت يكن”، الذي رمم بأموال خاصة بعد 2011، يوجّه المهندس المعماري علاء حبشي نداء لإنقاذ القاهرة التاريخية. ويقول، “لم يعد من الممكن الانتظار، نريد أن نبقى على قائمة التراث العالمي، ليس لدينا دقيقة واحدة نضيّعها”، ولتحقيق ذلك ينبغي “إشراك المواطنين”. وفي “بيت يكن” المشيّد في القرن السادس عشر، ينظم المهندس المعماري ورشا للحرف اليدوية المحلية وندوات حول “إعادة إحياء المدينة التاريخية”.

وتبنّت مؤسسة الآغا خان نهجا مماثلا، إذ تنفّذ مشروعا متكاملا حول مسجد المارداني يتضمن إقامة ممر سياحي في الحي وتدريب الأهالي على استقبال السياح.

ويقول إبراهيم العافية رئيس إدارة التعاون في بعثة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة، إن “هذا سيؤدي إلى استحداث أنشطة اقتصادية ولكنّ للمشروع كذلك بعدا اجتماعيا”.

وتصطدم الإرادة الحسنة أحيانا بالعقبات البيروقراطية، فوزارة الآثار مسؤولة عن المباني الأثرية ومحافظة القاهرة عن كل ما حولها، غير أن وزارات أخرى لها كلمتها كذلك. وأنشئت إدارة لرعاية الآثار في محافظة القاهرة للمرة الأولى العام 2015. وتقول مديرة هذه الهيئة ريهام عرام، إن “تقدّما أحرز” مع أنها تؤكد أن حماية القاهرة الإسلامية “تحدّ كبير”.

وتضيف، “ما زالت هناك بنايات غير مشروعة (…) ولكننا سنواصل”، مشيرة إلى احتمال إقرار تعديل تشريعي لتغليظ العقوبات على المباني غير المشروعة.

مصر

 

20