اليونسكو تحذر من اندثار دمى عربية متحركة سبقت التلفزيون

لجنة اليونسكو تدرج الأراجوز المصري ضمن قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة للتراث غير المادي الذي يحتاج إلى الصون العاجل.
الجمعة 2018/11/30
صناعة الدمى حرفة تدرس

عرفت العرب أشكالا عديدة من الفرجة الشعبية كانت تلبّي جزءا من حاجة الناس إلى فن المسرح والحكايات، حيث كان الأراجوز وخيمات خيال الظل فنونا تشبه الصور المتحركة التي نشاهدها اليوم على التلفزيونات، إلا أن هذه الفنون أصبحت اليوم مهددة بالاندثار أمام فوضى الفضائيات والانتشار الواسع للإنترنت.

القاهرة – أدرجت لجنة اليونسكو لصون التراث الثقافي غير المادي عناصر جديدة منها الأراجوز المصري ومسرح خيال الظل في سوريا، وعرضة الخيل والإبل التي تشتهر بها سلطنة عمان، ضمن قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للتراث غير المادي الذي يحتاج إلى الصون العاجل.

وتضم قائمة التراث الثقافي غير المادي عناصر التراث الحي المعرّض لخطر الاندثار. وتساعد على حشد ما يلزم من تعاون ودعم دوليين لتعزيز تناقل هذه الممارسات الثقافية بالاتفاق مع المجتمعات المحلية المعنية.

دمية تسلي عامة المصريين

أدرجت اللجنة التابعة لليونسكو في اجتماعها السنوي الذي عقد الأربعاء في موريشيوس الدمى اليدوية التقليدية (الأراجوز) من مصر. وقالت اللجنة، إن “عروض الأراجوز مهددة اليوم بالاندثار بسبب تطور الظروف الاجتماعية والسياسية والقانونية والثقافية المحيطة بها”.

وتعدّ عروض الأراجوز أحد الأشكال التي تنتمي إلى ما يعرف باسم مسرح العرائس في مصر، وتعتمد على استخدام دمية يدوية تقليدية يحركها شخص بأصابعه من خلف ستار، ويحكي قصصا بصوت مميز تتناول المعاناة التي تواجه البسطاء في حياتهم اليومية بشكل فكاهي يدفع بالحاضرين إلى الضحك على همومهم، إلى جانب أنه كان يمزج الكثير من المعلومات ما جعله إحدى أهم وسائل نقل المعرفة عبر العصور، كما أنه كان وسيلة مهمة لاستفزاز الحس الوطني والسياسي للشارع المصري.

ومن سمات الدمية، أنها تصدر صوتا مميزا، إذ كان لاعب الأراجوز قديما يستعين بوضع قطعة من النحاس في فمه، ثم استبدلها بقطعة من “الأستانلس” توضع فوق اللسان، تحديدا في منتصف الحلق ليخرج منها الصوت الذي يبهر الجميع.

ويطلق لاعبو الأراجوز على تلك القطعة المستعملة لتغيير الصوت “الأمانة”، فهي بالنسبة لهم صوت الحق الذي يعكس الوضع السياسي والاجتماعي في البلاد.

ويقول المصريون، إن فن الأراجوز يعود إلى عهد الفراعنة، وكان يطلق عليه “إرجوس” التي تعني حرفيا “يصنع كلاما معينا”، ومنها اشتقت كلمة أراجوز، وهو اسم يعود إلى العصر العثماني، حيث كان يسمى وقتها “قراقوز”، وتعني الـ“عين السوداء”، سمي بهذا الاسم ليعكس فكرة النظر إلى الحياة بمنظار أسود، وازدهر هذا الفن الساخر في أواخر العصر المملوكي قبل الغزو العثماني لمصر.

الدمية الساخرة
الدمية الساخرة

وفي العصر الحديث، كان الأراجوز سببا في ظهور مسرح العرائس الشعبي، الذي تأسس عام 1960 علي يد المونولوغيست المصري محمود شكوكو الذي كان يلقب بـ“شارلي شابلن العرب”، فكان يرتدي جلبابه وطرطوره الشهيرين ليقدم عروض مصاحبة مع الأراجوز.

واليوم، يعتبر مصطفى عثمان المعروف فنيا باسم صابر المصري أكبر وأشهر لاعب أراجوز في مصر، وهو أحد تلاميذ الفنان القدير محمود شكوكو، يعمل بفرقة “ومضة” التي حافظت على هذا الفن من الاندثار، بتدريب الشباب داخل وخارج مصر على كيفية التعامل مع تلك الدمية.

عروض الأراجوز تصارع اليوم من أجل البقاء أمام زحمة الفضائيات وظهور الإنترنت من خلال بعض لاعبي الأراجوز القلائل الذين ما زالوا يجوبون شوارع وأحياء مصر الشعبية، لكنهم يأسفون على حال الأراجوز الذي بدأ يغيب عن الساحات ولا يظهر إلا نادرا في المناسبات، هم اليوم يغنون “على الأراجوز يا سلام سلّم”.

وقال مندوب مصر لدى اليونسكو إيهاب بدوي، “إن مصر أوضحت خلال مناقشات اللجنة، أن الأراجوز يعد شكلا قديما للمسرح في مصر يعتمد على العرائس اليدوية التقليدية، ويتم نقله شفويا من جيل إلى جيل، مشيرة إلى أهمية إدراجه على قائمة التراث الثقافي غير المادي، ومنوهة إلى ما تضمّنه الملف المقدّم من إجراءات لصونه وفقا لما تنص عليه معاهدة 2003 في هذا الشأن”.

وقالت وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبدالدايم في بيان إن “تسجيل الأراجوز بقائمة الصون العاجل للتراث غير المادي يعتبر إنجازا جديدا للجهود الرامية إلى الحفاظ على الموروثات الشعبية غير الملموسة، ويعدّ نصرا غاليا في ميدان حماية الهوية”.

وأضافت، “التراث المصري يزخر بالعديد من الملفات التي تسعى وزارة الثقافة إلى تسجيلها بقائمة اليونسكو خلال الفترة المقبلة”.

وتختلف عرائس مسرح خيال الظل والتي تسمّى أيضا الماريونات عن دمية الأراجوز، فيقوم الفنان بتحريكها من أعلى المسرح عن طريق الخيوط المتصلة بها، ويتم تصميم ملابس دمى خيال الظل بحيث تليق بشخصيّتها في القصة كما تملك وجها معبّرا، وتضع شعرا أو منديل رأس على حسب سيناريو القصة، واشتهر عند العرب في بلاد الشام.

عروض الأراجوز تصارع اليوم من أجل البقاء
عروض الأراجوز تصارع اليوم من أجل البقاء

وأدرجت لجنة اليونسكو للتراث الثقافي مسرح خيال الظل في سوريا ضمن قائمة التراث اللامادي المهدد بالاندثار. وقالت اللجنة إن “التكنولوجيا الحديثة وحركات النزوح الجماعية التي تسببت فيها الحروب أدت إلى انخفاض الإقبال على مسارح خيال الظل انخفاضا كبيرا خلال السنوات القليلة الماضية”. وقالت اليونسكو، إن مسرح الظل هو فن تقليدي يتكوّن من دمى مصنوعة يدويًا تتحرك خلف ستارة شفافة رقيقة أو شاشة داخل مسرح مظلم، تمارس الآن بشكل رئيسي في دمشق.

ذكي من يحرك الماريونات

يعتبر خيال الظل هو أول عنصر من التراث الثقافي غير المادي تم ترشيحه من سوريا لإدراجه على قائمة اليونسكو، وقد تم إعداد ملف الترشيح كجزء من خطة صون هذا الفن الشعبي على مدى أربع سنوات.

وعرّفت منظمة اليونسكو هذا الفن بأن “نص مسرحية الظل يدور حول الانتقادات الاجتماعية الفكاهية، مستخدما عناصر من الشعر والنثر والغناء والموسيقى ويستخدم الهجاء لنقل القصص بين شخصيتين رئيسيتين هما كاراكوز الساذج وصديقه الذكي عيواظ”.

ويقول الباحث السوري محيي الدين قرنفلة، “مسرح خيال الظل، ويعرف أيضا بشخوص الخيال، وظل الخيال، وطيف الخيال، وخيال الستار، وذي الخيال، وهو فن شعبي انتقل إلى العالم الإسلامي من الصين والهند عن طريق بلاد فارس، واشتهر به العصر المملوكي على وجه الخصوص، ويعتمد هذا الفن على دمى من الجلود المجفّفة ذات الألوان المتباينة، ويتم تحريكها بعصا وراء ستار من القماش الأبيض المسلط عليه الضوء، مما يجعل ظلها هو الذي يبرز للمشاهدين، وكان محرك الدمى فنانا محترفا، يعرف باسم مخايلي أو محرك الشخوص”.

وتقول منظمة اليونسكو، “إن عروض خيال الظل تقام عادة في المقاهي الشعبية، حيث يتجمع الناس لمشاهدة قصص عن الحياة اليومية، وقد انخفض معدل انتشار لعبة الظل على مر السنين، لا سيما بسبب انتشار التكنولوجيا الحديثة وأشكال الترفيه الرقمي، فضلاً عن التشريد الجماعي للشعب السوري داخل وخارج البلاد نتيجة الحرب”.

ويتميز فنان خيال الظل بشخصية ذكيّة وقدرة على محاكاة اللهجات وحفظ أسماء المدن والأماكن، بالإضافة إلى سرعة بديهيته وخبرته الفنية في الارتجال السريع أثناء مخاطبة الجمهور بالحوار المتقن وموهبته الخاصة في سلسلة الأحداث مع حركة الدمى حسب حالتها النفسية ومآزقها الدرامية التي كان يرويها من خلف الستارة بأصوات متعددة النبرة، ملوناً بين الشخوص التي يحركها وينطقها بلسان حالها.

يقول الفنان تيسير السعدي، إن المختص بخيال الظل لا يتوقف عمله على تحريك المجسمات خلف شاشة العرض، بل كان عليه أن يكون ملمّاً ومتقناً لأداء الأدوار والموشّحات والمقامات الموسيقية، لما كان يتطلّبه هذا الفن من إدخال الأغاني والأناشيد عبر تخت شرقي يصاحب فصول مسرحية خيال الظل التي تقدم للجمهور.

ويوضّح السعدي، “أن حفلات خيال الظل في ثلاثينات وأربعينات القرن الفائت كانت تقدّم في دمشق مرتين يوميا، الأولى بعد الظهر ومخصصة للصغار، والثانية مسائية للكبار، لافتا، إلى أنه في صغره تأثر كثيرا بشخصية المدلل الذي كان على غير اسمه في فصول خيال الظل حيث كان المدلل طفلا مشردا يتيم الأب والأم عاش حياته كلها بين الأزقة”.يذكر أن لجنة اليونسكو، أدرجت المعارف والمهارات التقنية لدى “كيالي الماء” العاملين في قنوات الري والمعروفة باسم (الفوقارة) في منطقة تيديكلت بإقليم توات في الجزائر ضمن قائمة تراث غير المادي المهدد بالأندثار.

وأعلنت سلطنة عمان، الخميس، تسجيل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، عرضة الخيل والإبل التي تشتهر بها البلاد، في قائمتها للتراث الثقافي.

وقال ناصر بن سالم الصوافي مدير دائرة التراث الثقافي، “إن هناك العديد من النتائج التي ستترتب على إدراج فن عرضة الخيل والهجن في قائمة التراث العالمي غير المادي للإنسانية من حيث مساهمته في العناية بالتراث غير المادي حيث تضم العرضة العديد من مفردات هذا التراث، فبجانب ركوب الخيل والهجن يتم تقديم فنون الهمبل والمحورب وغيرها من الفنون التقليدية العمانية، مما يسهم في التعريف بهذه الفنون، إضافة إلى أنه يسلط الضوء على أهمية هذا الإرث بالنسبة للمجتمع ويجعل أبناءه والممارسين أكثر انتماء وتمسّكا بتراثهم”. وضمّت لجنة اليونسكو للتراث الثقافي فنون الأراجوز ومسرح خيال الظل اللذين سبقا الصور المتحركة والعرضة الفوقارة، يسمح لكل من مصر وسوريا والجزائر وسلطنة عمان بالانتفاع من المساعدة الدولية اللازمة لتعزيز نقل هذه الفنون وإحيائها بالاتفاق مع المجتمعات المعنية.

وتجتمع هذ اللجنة كلّ سنتين لتحديث قائمتها التي تزخر راهنا بـ399 عنصرا من التقاليد والموروثات المتنوعة.

شاشة سبقت السينما والتلفزيون
شاشة سبقت السينما والتلفزيون

 

20