اليوم العربي لمحو الأمية.. وجاهة الشعار وآثام البروباغندا السياسية

الأنظمة العربية مطالبة بمراجعة تعريف الأمية وفقا للتطور، والأرقام تؤكد أهمية برامج محو الأمية وتعيد لها واقعيتها.
الثلاثاء 2019/01/08
محو الأمية في العالم العربي شعار سياسي

تونس - اليوم العربي لمحو الأمية الذي تحييه المنطقة العربية للتربية والثقافة والعلوم في الثامن من يناير من كل عام، يمثل مناسبة تتجاوز الأبعاد التعليمية التي توحي بها المناسبة، بل يعتبر موعدا لمحاكمة كل الخيارات السياسية والتنموية والاقتصادية في المنطقة. منذ إقراره من قبل جامعة الدول العربية في العام 1970، تحول اليوم العربي لمحو الأمية إلى مناسبة لاستدرار الأسئلة المتصلة بالقضية وغيرها، بل انتقل، كغيرها من المناسبات، إلى مجال جدل وسجال عربيين.

ماذا تحقق بعد عقود من الاستقلالات الوطنية ونشوء الدول الوطنية التي رفعت، بالإجماع، شعار القضاء على الأمية، باعتباره مدخلا لتحقيق التنمية ورفع الوعي لدى المواطنين، لكن الشعار كان بعيدا عما تحقق على أرض الواقع.

الأرقام التي تقدمها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) في بيانها الصادر للمناسبة، والتي أشارت إلى الانخفاض التدريجي في نسب الأمية في العالم العربي، من 37 بالمئة في العام 1970، إلى 21 بالمئة حاليا، ولئن توحي بالجهد المبذول عربيا في محاربة الأمية، إلا أنها أرقام قابلة للتنسيب باعتبار أن النسب مهددة بالتراجع والتقدم مهدد بالانكفاء، في ظل الأوضاع التعليميّة التي تعانيها بعض الدول العربية بسبب ما تعرفه من أزمات ونزاعات مسلّحة نتج عنها حتى الآن عدم التحاق قرابة 13.5 مليون طفل عربي بالتعليم النظامي.

الحديث عن قضية محو الأمية في العالم العربي يذهب بالأمر بعيدا نحو التاريخ وصوب السياسة؛ تاريخ الدولة الوطنية وما اعتراها من هنات ومطبات وما وفرته من شعارات تغلب عليها الأيديولوجيا وتغيب عنها النجاعة، والسياسة المترتبة على زعامات وطنية اضطربت في ترتيب أولوياتها وتشوشّت اهتماماتها فغلّبت التسليح على التنمية والتعليم، وانتصرت للاهتمامات العسكرية والأمنية على حساب المضامين الاجتماعية والاقتصادية. فكان أن اصطف شعار محاربة الأمية جنب بقية الشعارات البرّاقة التي رفعت كثيرا وكانت تخدم الأنظمة أكثر مما تفكر في الشعوب.

وفي اضطراب الأولويات انزياح آخر حصل لدى الأنظمة العربية، قام على مفارقة قديمة حول الأسبقية؛ هل أن محاربة الأمية تحقق التنمية والنهوض الاقتصادي، أم أن التنمية ستنعكس على محاربة الأمية ورفع الوعي؟ المهمّ أن كل الأقطار العربية حاربت أو حاولت محاربة الأمية، لكن المنجز ظل تحت سقف التوقعات وأقل من البرامج والوعود، بل إن بعض الأقطار العربية تشهد انتكاسة خطيرة في هذا الباب تعود إلى ما يسود بعض المناطق من احتراب وقلاقل أو سيادة أنظمة وجماعات ترى التعليم (لدى الفتيات خاصة) ترفا أو دوسا على التقاليد.

 وهذا ما يجرّر على الإشارة إلى أن النجاح في محاربة الأمية العربية من عدمه، لا يتصل فقط بالبرامج الرسمية والشعارات التي ترفعها المنظمات الإقليمية أو تستنفر لها الجامعة العربية، بل يرتبط أيضا بتضافر العوامل الثقافية من قبيل التقاليد والأعراف وثقافة الأسرة الذكورية المحافظة، مع العوامل الاجتماعية مثل الزواج المبكر والتفكك الأسري، مع الدوافع الاقتصادية مثل المنوال الاقتصادي والفقر والبطالة وظروف العيش.

اليوم العربي لمحو الأمية مناسبة سنوية نتذكر من خلالها إحدى أمهات قضايانا، ولكنها مناسبة تمثل أيضا فرصة لمحاكمة نوايانا وجدية تعاملنا مع التحديات الكبرى التي تحيط بنا، وهي تحديات يزداد تسارعها في ظل ما تعيشه المنطقة العربية من أحداث سياسية، وفي ظل التحولات التي يعرفها العالم، ومن إفرازاتها أن تعريف الأمية ذاته بصدد التغيّر.

اقرأ أيضا:

اليوم العربي لمحو الأمية.. برامج محو الأمية تسير نحو الأمية

اليوم العربي لمحو الأمية.. العالم العربي يحتاج محو الأمية أكثر من أي وقت مضى

17