اليهود يختتمون حجهم إلى الغريبة في جزيرة جربة

يحج اليهود من أصل تونسي إلى معبد الغريبة في جزيرة جربة كل سنة، حيث يقيمون الاحتفالات والرقص والغناء ويختتمون ذلك بمراسم الخرجة الصغرى والخرجة الكبرى.
جربة (تونس) ـ اختتمت فعاليات الزيارة السنوية لمعبد الغريبة اليهودي في جزيرة جربة جنوب شرق تونس.
وخلال أيام الزيارة التي تواصلت هذا العام من 4 إلى 9 مايو الجاري، أشعلت النساء الشموع في الجهة اليسرى من المعبد، في حين أقيمت الاحتفالات والرقص والغناء في الجهة اليمنى، واستمرت الفعاليات المهمة والرسمية يومين، حيث أقيمت الاثنين “الخرجة الصغرى” وتم خلالها دفع عربة محمّلة بالملابس إلى خارج فضاء المعبد، وأقيمت الخرجة الكبرى (خرجة المنارة) الثلاثاء.
وخرجة المنارة هي طقوس يتوّج بها موسم الزيارة، وتتمثل في خروج جماعي لليهود من معبد الغريبة بعربة يثبت فوقها مصباح تقليدي كبير، مغطاة بأقمشة مزركشة فوقها طبق نحاسي مكسو بالزهور يقودونه إلى حي الحارة الصغيرة المجاور للكنيس.
ويرفع اليهود أصواتهم بالأهازيج والأغاني وقراءة الكتب الدينية خلال هذه الخرجة قبل أن يعودوا بها إلى كنيس الغريبة.
وتعتبر هذه الزيارة متنفس اليهود من أصل تونسي لاستعادة تقاليدهم. قال العضو في هيئة تنظيم زيارة الغريبة السنوية خضير حنّة “مشاهد الزوار لهذا العام تذكرنا بمشاهد الزيارة سنة 2010 عندما كانت الأعداد بالآلاف”.
وتابع “على غير العادة قدم الزوار بشكل كبير منذ اليوم الأول للزيارة وقدمت أعداد كبيرة خلال يومي الزيارة الرسمية، الاثنين والثلاثاء”.
من جانبها قالت الفرنسية إليزابيت (60 عاما) “في السابق كنت أشاهد هذه الأجواء عبر الهاتف، وبالرغم من أن أمي كانت دائمًا تدعوني إلى زيارة الغريبة، غير أنها المرة الأولى التي أزور فيها هذا المكان، ووجدت الأجواء مميزة جدا”.

وقالت صولانج عزوز (76 عاما) التي ولدت في تونس وتعيش منذ 58 عاما في مدينة مرسيليا بفرنسا “أبي من جزيرة جربة وكانت زيارة الغريبة مهمة جدا… وكنت أزورها منذ الصغر”.
وتضيف عزوز مرتدية قميصا من الحرير وعقدا من اللؤلؤ “بدأت أحب الحج بالتزامن مع تقدمي في العمر”.
ويعود أصل تسمية معبد الغريبة إلى الرواية التي تقول إن امرأة يهودية غريبة عن المنطقة قدمت إلى جزيرة جربة بعد نجاتها بأعجوبة من حريق، وأسست المعبد الذي أقامت فيه. ثم أصبح الناس يتبركون بها ويتوجهون إليها طلبا للشفاء من العقم.
ويحظى هذا المعبد، وهو الأقدم في أفريقيا، بأهمية كبيرة من قبل اليهود لاعتقادهم أنه يحتوي على أقدم نسخة للتوراة، إذ يعود تاريخه إلى قرابة 2600 عام.
كما يعتقدون أن هذا المعبد بُني على أجزاء من الهيكل الأول في القدس. ويُعتقد أن هذه الأجزاء جلبها النازحون اليهود معهم إلى تونس بعد تدمير الهيكل عام 586 قبل الميلاد.
واللافت للاهتمام أن زيارة معبد الغريبة لا تقتصر على اليهود فقط بل يزوره أيضا تونسيون مسلمون تبرّكا بهذه “المرأة الغريبة” ويكتبون أمنياتهم على البيض، تماما كما يفعل اليهود، علها تتحقق.

ويعتبر أستاذ التاريخ السياسي المعاصر عبداللطيف الحناشي أن اليهود هم أقدم الجاليات الوافدة إلى تونس وأكثرها عراقة، إذ يرتبط وجودهم في تونس بحادثة سقوط غرناطة في الأندلس وهجرة عدد كبير منهم إلى بلدان شمال أفريقيا، ومن بينها تونس حيث اشتغلوا في العديد من المجالات كتجارة الذهب والمجوهرات، ونشطوا في حرف أخرى كالطبخ والميكانيك وتصليح الساعات وغيرها، كما ساهم اليهود في إثراء المشهد الثقافي والفني (موسيقى، مسرح…) في تونس خلال تلك الفترة.
وأدخل اليهود العديد من الأطباق والمأكولات إلى العادات الغذائية التونسية. وبالبحث عن أشهر الأكلات الشعبية التونسية نجد أن لها جذورا يهودية.
ويعيش في جربة اليوم حوالي ألف ومئة يهودي، وكان عددهم أكثر من 100 ألف قبل استقلال البلاد في عام 1956، وأخذت أعدادهم تتراجع لعاملين إثنين، الأول بعد صدور “قانون العودة” الذي أقرته إسرائيل، والثاني قرار الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة تأميم الأراضي الزراعية عام 1964، خاصة وأن عددا كبيرا منهم كانوا من مالكي الأراضي.
ويعتبر نجاح موسم الغريبة في تونس نجاحًا للموسم السياحي بالبلاد، حيث أكد المندوب الجهوي للسياحة في المنطقة عن دور تظاهرة زيارة الغريبة في الترويج للواجهة السياحية جربة – جرجيس.
وأضاف أن تظاهرة الغريبة تتزامن مع انطلاق الموسم السياحي وما يتطلبه التحضير الجيد من أجل إنجاحها، وذلك بهدف المزيد من الترويج للموسم السياحي 2023.