اليمين المتطرف يختلس الحياة السياسية الألمانية بقفاز الهجرة

حزب البديل لألمانيا يركز هجماته على "عدوته اللدودة" المستشارة أنجيلا ميركل مستغلا ضعف موقعها السياسي في بداية ولايتها وقام بتحويل الفضاء البرلماني إلى ساحة مواجهة حقيقية.
الاثنين 2018/09/24
ميركل في حيرة من أمرها

بعد بقائها حوالي 13 عاما في السلطة، تجد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل نفسها في مواجهة معارضة شرسة لحكومتها من قبل أحزاب اليمين المتطرف، بعد أن نجح حزب البديل الشعبوي في أن يكون القوة المعارضة الأولى في البرلمان وأن يحظى بثقة طبقة واسعة من الألمان بعد أن احتل مؤخرا المرتبة الثانية في آخر استطلاعات الرأي، في حين  تراجعت شعبية أحزاب الائتلاف الحاكم في ألمانيا على خلفية الجدل الدائر حول رئيس هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) هانز-جيورج ماسن، وعقب حادثة مدينة كمنيتس. ويستغل حزب البديل ملف الهجرة وعداء الألمان المتزايد للأجانب للمزيد من إضعاف ولاية ميركل وحول البرلمان إلى ساحة مواجهة حقيقية يستفز بها على الدوام الائتلاف الحكومي.

برلين- بعد عام على دخوله المدوي إلى مجلس النواب، تمكن حزب البديل لألمانيا اليميني المتطرف من قلب الحياة السياسية الشديدة الانضباط حتى الآن في هذا البلد رأسا على عقب وتحويل النقاشات البرلمانية إلى مواجهات حقيقية.

وعمد هذا الحزب المعادي للهجرة الذي ارتقى في آخر استطلاعات الرأي إلى المرتبة الثانية من نوايا التصويت (18 بالمئة) بعد حزب أنجيلا ميركل (يمين الوسط)، إلى تركيز هجماته على “عدوته اللدودة” المستشارة، مستغلا ضعف موقعها السياسي في بداية ولايتها التي ستكون الأخيرة لها على الأرجح في السلطة.

وقد استغل الحزب حادثة مدينة كمنيتس (شرق) التي شهدت مقتل رجل ألماني ينحدر من أصول كوبية إثر طعنات بسكين قبل أسبوع تقريبا خلال شجار بين أشخاص من جنسيات مختلفة لتأليب الرأي العام ضد ميركل، وعلى إثر الحادثة احتجزت السلطات الألمانية سوريا وعراقيا احتياطيا في حين نظم منتقدو سياسة اللجوء التي تتبعها الحكومة الألمانية، ويمينيون متطرفون مظاهرات ومسيرات في الشوارع مناهضة للهجرة.

وقد حصلت هذه القضية في إطار سياسي متوتر في ألمانيا حول مسألة الأجانب. إذ اتهم منتقدو المستشارة الألمانية بالمساهمة في رفع معدل الجريمة من خلال فتح أبواب في 2015 لمئات الآلاف من طالبي اللجوء.

وتسبب التدفق غير المسبوق لطالبي اللجوء في عام 2015، وبشكل أساسي من أفغانستان وسوريا والعراق، في إثارة الغضب الشعبي. ويقول المراقبون إن الاستياء الشعبي من سياسات ميركل حول الهجرة أوصل حزب البديل من أجل ألمانيا إلى البرلمان الوطني.

مواجهة

زعيم حزب البديل ألكسندر غاولاند تمكن من إبقاء التيارات الأكثر تطرفا تحت مظلة الحزب
زعيم حزب البديل ألكسندر غاولاند تمكن من إبقاء التيارات الأكثر تطرفا تحت مظلة الحزب

رأت صحيفة “فرانكفورتر ألغيمايني تسايتونغ” أن يوم 24 سبتمبر 2017 شكل “منعطفا تاريخيا” مع حصول اليمين المتطرف القومي على 12.6 بالمئة من الأصوات في الانتخابات التشريعية، بعد أربع سنوات فقط على تأسيسه. وبات “البديل لألمانيا” قوة المعارضة الأولى في مجلس النواب حيث يشغل 92 مقعدا.

وقال الخبير السياسي بول نولتي من جامعة برلين الحرة لوكالة فرانس برس إنه منذ ذلك الحين “باتت الثقافة البرلمانية تتسم أكثر من ذي قبل بالمواجهة” مضيفا أن “البديل لألمانيا لا يعتبر (من قبل التشكيلات الأخرى) حزبا سياسيا طبيعيا، كما أنه لا يتصرف في البوندستاغ مثل حزب طبيعي بالكامل”. وبعدما كانت النقاشات تحت قبة البرلمان هادئة وتوافقية، شهدت تصعيدا في النبرة على وقع استفزازات وشتائم ترغم رئيس المجلس فولفغانغ شويبله على مقاطعتها.

وقالت النائبة عن حزب الخضر ريناتي كوناست للصحيفة “إنهم بدلوا الخطاب اليومي (…) بعبارات مثل هجرة السكين ومد اللجوء وسياحة اللجوء” معتبرة أن هذا التحول “هائل وجوهري أكثر حتى من إعادة توحيد ألمانيا”. ولا تتنكر حركة “البديل لألمانيا” لهذه الاستراتيجية وقال النائب من اليمين المتطرف رينيه سبرينغر إن “الاستفزازات الشفهية هي بالتأكيد من خصائصنا”.

وقد وقفت المجموعة البرلمانية خلال جلسة في الربيع دقيقة صمت تكريما لذكرى سوزانا فيلدمان، وهي فتاة تعرضت للاغتصاب والقتل في جريمة كان وقعها شديدا في ألمانيا واتهم بتنفيذها مهاجر عراقي رفض طلبه للجوء، ما أثار تساؤلات جديدة حول سياسة الهجرة التي تتبعها الحكومة. وتم تنبيه النواب إلى وجوب الانضباط.

هستيريا

يطرح نواب اليمين المتطرف أنفسهم على أنهم ضحايا “للحقد والمطاردات الجماعية” من قبل الأحزاب الأخرى، وهي عبارات استخدمها الطرف الآخر للتنديد بأعمال عنف وقعت خلال تظاهرات معادية للمهاجرين في كمنيتس بدعوة من اليمين المتطرف.

كما أن النبرة ارتفعت أيضا بين النواب المعادين للحزب اليميني المتطرف، وقد شبه الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتز، الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي، نواب الحركة بـ”زبل التاريخ”، منددا بعودة “الفاشية”.

بعدما كانت النقاشات تحت قبة البرلمان هادئة وتوافقية، شهدت تصعيدا في النبرة على وقع استفزازات وشتائم حزب البديل ترغم رئيس المجلس على مقاطعتها

وندد رينيه سبرينغر -الذي نعته نائب آخر بـ”النازي”- بـ”انحدار في الخطاب” ينم عن “قدر من الهستيريا” لدى الأحزاب التقليدية. لكنه أكد أن النبرة تصبح “أكثر هدوءا حيالنا” خلال اجتماعات اللجان “بعيدا عن الكاميرات”. وقال المسؤول في الحزب الليبرالي ماركو بوشمان لصحيفة “سودويتشه تسايتونغ” إن بعض نواب اليمين المتطرف “يبدو عليهم السأم” ويبدون القليل من الاهتمام بالعمل البرلماني اليومي الأكثر تقنية.

ويتعرض حزب “البديل لألمانيا” منذ سنة للانتقادات بسبب افتقاره إلى الخبرة السياسية وقلة معرفته بالملفات وبمفاصل العمل داخل مجلس النواب. وأقر أحد هؤلاء النواب بأن “هناك إمكانية للمزيد من المهنية”. غير أن الخبير السياسي بول نولتي لفت إلى أن “كتلة البديل لألمانيا في البرلمان أظهرت قدرا أكبر بقليل من الاستقرار والتماسك والمنطق مما كان البعض يتوقع”.

وبالرغم من الصراعات الداخلية على السلطة، أشار الخبير إلى أن زعيم الحزب ألكسندر غاولاند تمكن من “إبقاء التيارات الأكثر تطرفا تحت مظلة الحزب، وهي تيارات قريبة من النازيين الجدد”. ويرى المحللون أن هذا الحزب هو امتداد للحزب النازي القومي الذي كان قد أخفق من قبل في الانتخابات الاتحادية وانتخابات الولايات.

7