الولايات المتحدة وإيران في طريقهما إلى التصعيد

طهران ترغب في تخفيف طويل الأجل للعقوبات لتجنب إعادة فرض العقوبات.
الثلاثاء 2025/03/18
كل الاحتمالات واردة

واشنطن - ينتهي في أكتوبر 2025 رسميا الاتفاق النووي الإيراني المعروف باسم (خطة العمل الشاملة المشتركة) الذي تم إبرامه في 2015 من دون آفاق واضحة حتى الآن لاستئنافه، ما يضع الولايات المتحدة وإيران على طريق التصعيد.

وظل الاتفاق على أجهزة الإنعاش منذ انسحبت الولايات المتحدة منه في 2018 في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب.

وأخفقت جهود إنعاشه أو البحث عن اتفاق أقوى وأطول أمدا وسط نقص في الثقة و ممارسة سياسة “الضغط الأقصى” التي تنتهجها الولايات المتحدة، والأزمات الجيوسياسية والإقليمية خاصة في قطاع غزة.

وعندما تنتهي خطة العمل الشاملة المشتركة، ستنتهي بدورها أدوات التطبيق القليلة المتبقية التي تسمح بممارسة بعض الضغط على طهران، بما في ذلك إمكانية إعادة فرض العقوبات التي سبق الاتفاق عليها والتي يمكن أن يدعو إليها أيّ طرف في مجلس الأمن الدولي.

وتقول الباحثتان الدكتورة سانام وكيل، نائبة مدير “برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” في المعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” البريطاني، والدكتورة أنيسة بصيري تبريزي الزميلة المشاركة في البرنامج في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للمعهد إنه دون اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة أو أي اتفاق بديل، يمكن أن تقرر طهران تطوير برنامجها النووي.

وتضيف الباحثتان أن هذا الاحتمال يبدو أكثر ترجيحا بعد عام شهد تقويضا بالغا لقدرة إيران في مجال الردع.

دون حل مساعد للتفاوض المرن يمكن أن تسارع إيران في تسليح برنامجها النووي أو التعرض لهجوم أو كليهما

وتم إضعاف أعضاء محور المقاومة الذي تقوده إيران، مثل حركة حماس وحزب الله، بشدة عن طريق صراعاتهما مع إسرائيل. كما انهار نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي تربطه علاقات ودية بإيران.

وزادت إدارة الرئيس ترامب من المخاطر.. فكما هو متوقع، سرعان ما أعاد الرئيس فرض عقوبات الضغط الأقصى في الأسابيع الأولى من توليه المنصب.

ومن ناحية أخرى، تضغط إسرائيل على إدارته لدعم ضربات مباشرة للبرنامج النووي الإيراني، بما يشكل احتمالا لتصعيد عسكري كبير.

وليس من قبيل المفاجأة أن صناع السياسات الإيرانيين يناقشون بكثافة الآن الحاجة إلى إضفاء طابع التسليح على البرنامج النووي للبلاد، رغم أن المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي يواصل التأكيد على أن برنامج البلاد سيظل سلميا.

وتعهد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الذي تولى السلطة في أغسطس 2024 للإيرانيين بتخفيف العقوبات، مشيرا إلى اهتمامه بإجراء مفاوضات على نطاق أوسع مع الغرب.

وذكر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لشهر مارس أن إيران زادت مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 50 في المئة وهي نسبة تبعث على القلق.

ومع ذلك، طورت إيران في ذات الوقت برنامجها النووي بدرجة كبيرة. وسيرى بعض صناع السياسيات الإيرانيين الآن أن ذلك الجهد أمر ضروري بدرجة أكبر، باعتباره الطريقة الوحيدة التي يمكن للبلاد أن تستعيد بها بسرعة بعض إمكانيات الردع لديها وتوفر للبلاد الضمان الأمني المطلق.

وتقول الباحثتان إن كل هذا يجعل من عام 2025 عاما حاسما بالنسبة إلى البرنامج النووي الإيراني وبالنسبة إلى الأمن الإقليمي الأوسع نطاقا في الشرق الأوسط.

ودون حل مساعد يمكن أن تسارع إيران في تسليح برنامجها النووي أو التعرض لهجوم أو كليهما.

ويعمل الثلاثي الأوروبي (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) والاتحاد الأوروبي جاهدا لتجنب هاتين النتيجتين منذ 2003، عندما أخذ الثلاثي زمام المبادرة في المفاوضات والتوسط بين واشنطن وطهران في محاولة لنزع فتيل التوترات.

واضطلع الثلاثي الأوروبي والاتحاد الأوروبي بدور حاسم كبناة جسور لأكثر من عقد، في عملية أفضت في نهاية المطاف إلى توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة.

وعندما سحب ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018، ظل الثلاثي الأوروبي والاتحاد الأوروبي متمسكين ببقائه، آملين في توفير الحوافز الكافية لإيران كي تظل ملتزمة.

وترى إيران الآن أن المفاوضات مع الولايات المتحدة استسلام فعلي لسياسة الضغط الأقصى التي استأنفها ترامب، وهي نتيجة لا ترغب في قبولها، لكنها لا تريد تصعيدا عسكريا أيضا، كما يقع اقتصادها تحت وطأة ضغط رهيب.

وترغب طهران قبل كل شيء في تخفيف طويل الأجل للعقوبات، لتجنب إعادة فرض العقوبات ولمنع الهجمات الإسرائيلية.

ومع ذلك، فإنه إذا لم يتوفر لطهران حل مساعد، من المحتمل أن تنتقم من ممارسة الضغط الأقصى عليها، كما فعلت في عامي 2019 و2020 عندما هاجمت أهدافا أميركية وشنت ضربات ضد ناقلات قبالة ساحل الإمارات ودعمت هجمات بالوكالة على المنشآت النفطية السعودية.

ولن يكون من السهل على الثلاثي الأوروبي والاتحاد الأوروبي تكريس الإرادة السياسية المطلوبة لأداء المهمة، حيث يشتتهم تفاوض ترامب مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وتحويله لبنية الأمن الأوروبية وسياسته التجارية المعتمدة على فرض الرسوم الجمركية.

الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان تعهد بتخفيف العقوبات، مشيرا إلى اهتمامه بإجراء مفاوضات على نطاق أوسع مع الغرب

لكن عدم التصرف يمكن أن يوجد تحديا أمنيا أسوأ وهو يتمثل في سياسة أميركية – إيرانية تفتقر إلى أي دور من أوروبا، وبدلا من ذلك قد يتم الاعتماد على روسيا كوسيط. وقد بدأت إيران بالفعل إجراء محادثات منفصلة مع الصين وروسيا لمناقشة القضايا النووية.

وقد قوبلت محاولة ترامب العلنية في أوائل مارس للتواصل مع خامنئي والسعي لإبرام اتفاق جديد مع التهديد بضربات عسكرية، برفض علني مماثل.

وأوضحت وكيل وتبريزي أن الدول الأوروبية في وضع جيد بالفعل لإعادة ترسيخ دورها التاريخي في الوساطة.

ويمكن أن تطلق أوروبا مفاوضات جديدة بشان اتفاق جديد عن طريق البناء على خبرتها الممتدة منذ عقود في النقاش مع طهران وإيجاد أرضية مشتركة مع الولايات المتحدة.

ويمكن أن تساعد علاقتها القوية بإسرائيل ودول الخليج العربية في موافقة إقليمية على صياغة اتفاق أكثر مرونة.

ومن المقرر أن تنطلق جولة جديدة من مفاوضات الثلاثي الأوروبي الأسبوع المقبل، ومن أجل تحريك المباحثات الحالية إلى أبعد مما هي عليه الآن ينبغي على أوروبا وضع جدول زمني منضبط للتوصل إلى اتفاق قبل انتهاء إمكانية طلب إعادة فرض العقوبات وتحديد النطاق و الحوافز المطروحة على طاولة المفاوضات.

وتابعت الباحثتان بأنه يتعين على الثلاثي الأوروبي التصرف وبحسم لأن البديل سوف يكون مسارا إلى التصعيد النووي أو العسكري.

7