الولايات المتحدة تستأنف برنامج عودتها إلى القمر

توسعت دائرة الصراع على الفضاء لتشمل الشركات الخاصة، لذلك تسارع الولايات المتحدة الأميركية إلى خوض تجاربها للوصول إلى القمر برحلات غير مأهولة لتكون بداية لرحلة إلى المريخ، الكوكب الذي تستعد له دول أخرى كالصين، ما يجعل الحروب القادمة حروبا فضائية بعد أن أصبحت حروب الأرض غير مجدية أمام التقدم العلمي.
واشنطن – يتهيأ الصاروخ الفضائي الأقوى في العالم للبدء بمهمته الأولى الاثنين انطلاقاً من فلوريدا، مستهلاً البرنامج الأميركي للعودة إلى القمر “أرتيميس”، بعد 50 عاماً على آخر رحلة ضمن برنامج “أبولو”.
ورغم أن رحلة الصاروخ الجديد لا تعدو كونها تجريبية، ولن تكون مأهولة، إلا أنها تكتسي أهمية رمزية بالنسبة إلى ناسا التي تستعد لهذا الإقلاع منذ أكثر من عقد؛ إذ تأمل وكالة الفضاء الأميركية أن يجسّد مستقبلها، وأن يثبت أنها لا تزال قادرة على المنافسة في ظل طموحات جهات عدة من أبرزها الصين وشركة سبايس إكس.
وشهدت الفنادق القريبة من قاعدة كاب كانافيرال نسبة إشغال كاملة، إذ يتوقع أن يحتشد ما بين 100 ألف و200 ألف شخص لحضور عملية الإقلاع في الساعة الثامنة والدقيقة الثالثة والثلاثين من صباح الاثنين بالتوقيت المحلي.
وبات الصاروخ البرتقالي والأبيض العملاق البالغ ارتفاعه 98 متراً موجوداً منذ أسبوع في موقع الإطلاق الشهير بمركز كينيدي للفضاء.
الصاروخ البرتقالي والأبيض البالغ ارتفاعه 98 مترا يحمل دمى زُوّدَت بأجهزة استشعار لتسجيل الاهتزازات ومستويات الإشعاع
وقالت مديرة المركز جانيت بيترو في مؤتمر صحافي “يمكنكم أن تشعروا بوجود حماسة، ودرجة الطاقة زادت، وهذا ملموس”.
ويتمثل الهدف من هذه المهمة التي أُطلقت عليها تسمية “أرتيميس 1” في اختبار الصاروخ “أس أل أس” أي “سبايس لانش سيستم” (نظام الإطلاق الفضائي) في ظل الظروف الفعلية للفضاء، وكذلك الكبسولة “أوريون” المثبتة على رأسه والتي ستؤوي الطواقم البشرية مستقبلاً.
أما هذه المرة فلن يكون فيها سوى دمى زُوّدَت بأجهزة استشعار لتسجيل الاهتزازات ومستويات الإشعاع.
وتتيح كاميرات موجودة في المركبة متابعة وقائع هذه الرحلة التي تستغرق في المجمل 42 يوماً.وسيقوم البرنامج بالتقاط صورة سيلفي ذاتية مع الأرض والقمر في الخلفية.
وما إن تصبح الكبسولة “أوريون” في مدار القمر الذي يبعد 380 ألف كيلومتر عن الأرض حتى تنفذ دورة ونصف دورة حوله وتصل إلى مسافة 64 ألف كيلومتر وراءه، أي إلى نقطة أبعد من أي نقطة وصلتها مركبة فضائية مأهولة قبلها.
وتكمن الغاية الرئيسية في اختبار درع “أوريون” الحرارية التي يُفترض أن تتحمل لدى عودة الكبسولة إلى الغلاف الجوي الأرضي سرعة تقرب من أربعين ألف كيلومتر في الساعة ودرجة حرارة أقل بمرتين من تلك الموجودة على سطح الشمس.
وساهم الآلاف من الأشخاص في الإعداد لهذه المهمة في الولايات الأميركية الخمسين وفي عدد من الدول الأوروبية.
وتتجه أنظار هواة الفضاء إلى الأحوال الجوية التي قد تشهد تقلبات في هذا الوقت من السنة؛ فالإقلاع لا يمكن أن يحصل مثلاً إذا كان الطقس ماطراً. وخصصت نافذة زمنية تمتد أكثر من ساعتين لعملية الإقلاع الاثنين، ويمكن أن ينطلق منها الصاروخ في أي وقت، وحُدد تاريخان احتياطيان بديلان في حال لم يتسنَ له ذلك هما الثاني من سبتمبر والخامس من الشهر ذاته.
وفي ما عدا هذه العوامل التي لا يمكن التحكم فيها، بات كل شيء جاهزاً، وقد أعطى مسؤولو ناسا الضوء الأخضر لإطلاق الصاروخ بعد تدقيق مفصّل.
إلا أن المسؤول عن المهمة مايك سارافين نبّه إلى أن هذا لا يعني أن كل شيء سيسير بسلاسة أثناء الرحلة. وقال “ما نفعله بالغ الصعوبة، والمخاطر ملازمة له”.
فرغم الاختبارات الكثيرة التي أجريت قبل الإقلاع ستكون مختلف عناصر الكبسولة والصاروخ غير القابل لإعادة الاستخدام مجتمعة للمرة الأولى في وضعية الطيران، وقد تحصل مفاجآت.
وأكدت ناسا أنها ستجعل المركبة تعمل بأقصى طاقتها؛ فالمهمة ستُتابَع مثلاً حتى لو لم تُفتح الألواح الشمسية للكبسولة “أوريون” بالشكل المنشود، وهي مخاطرة لم تكن الوكالة لتُقدم عليها لو كانت المركبة مأهولة.
غير أن نتائج فشل المهمة كلياً ستكون كارثية نظراً إلى الميزانية الضخمة التي خصصت لهذا الصاروخ (4.1 مليار دولار لكل عملية إطلاق، وفقاً لتدقيق محاسبي عام)، وإلى تأخر المشروع، إذ طلبه الكونغرس الأميركي عام 2010، وكان من المفترض أساساً أن يُطلق عام 2017.
وخلافاً لبرنامج “أبولو” الذي لم يُتِح المشي على سطح القمر سوى لرجال بيض، يلحظ برنامج “أرتيميس” إرسال أول امرأة وأول شخص ذي بشرة ملونة إلى القمر.
وتَلي هذه المهمة الأولى أخرى سميّت “أرتيميس 2” تنقل رواد فضاء إلى القمر، لكنهم لن يطأوا سطحه. وسيكون هذا الشرف من نصيب طاقم بعثة “أرتيميس 3″، المهمة التي لن تحصل قبل 2025.
والهدف من تكرار ما سبق القيام به هو أن يكون القمر هذه المرة منطلقاً نحو المريخ؛ فعلى عكس مهمات “أبولو” التي كانت لكل منها أهداف محددة لمرة واحدة، يهدف برنامج “أرتيميس” إلى إقامة وجود بشري دائم على القمر، من خلال بناء محطة فضائية ستحمل اسم “غايتواي” في المدار المحيط به، وإنشاء قاعدة على سطحه.
وسيكون القمر موقعاً لاختبار كل التقنيات اللازمة لإرسال بعثات بشرية إلى الكوكب الأحمر. وستكون “غايتواي” بمثابة محطة توقف ونقطة للتزود بالوقود قبل الرحلة الطويلة إلى المريخ، والتي تستغرق عدة أشهر.
وقال رائد الفضاء السابق، المدير المشارك في ناسا حالياً، بوب كابانا “أعتقد أن برنامج أرتيميس سيكون مصدر إلهام أكثر مما كان أبولو”.