الولايات المتحدة تحتاج إلى التمييز بين وكلاء إيران واحتياجات العراق الأمنية

غموض السياسات الأميركية تجاه بغداد هدية إستراتيجية لخصومها.
الاثنين 2025/04/21
الحشد الشعبي مربط الفرس

تهدد إشارات متضاربة من الإدارة الأميركية مستقبل الاستقرار في العراق، خاصة في ما يتعلق بمصير قوات الحشد الشعبي. وبينما يقترب العراق من انتخابات حاسمة في نوفمبر 2025، تثير ضبابية الموقف الأميركي مخاوف من زعزعة المكاسب المتحققة وإعادة البلاد إلى مربع التوتر.

واشنطن - يواجه التعافي الاقتصادي والأمني الملحوظ للعراق، وهو الأكثر نجاحا منذ سبعينات القرن الماضي، تهديدا خطيرا. فالإشارات المتناقضة الصادرة عن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في واشنطن بشأن قوات الحشد الشعبي العراقية المرتبطة بإيران، على وجه الخصوص، تُهدد بعرقلة التقدم الذي تحقق بشق الأنفس، في الوقت الذي يستعد فيه العراق للانتخابات البرلمانية الحاسمة المقرر إجراؤها في نوفمبر 2025.

ويقول سركوت شمس الدين، رئيس ومؤسس مشارك للمجموعة الاستشارية الأميركية للعراق، في تقرير نشره المجلس الأطلسي إن إدارة ترامب الأولى هزمت داعش في العراق، مُرسيةً بذلك أسس التقدم الحالية. ويمكن لإدارته الثانية، التي تتولى حاليا السلطة، البناء على هذه النجاحات من خلال وضع إستراتيجية عراقية متميزة تدعم الاستقلال الاقتصادي والسياسي والأمني الكامل عن إيران، وهو نهج سياسي يتعامل مع العراق كأولوية إستراتيجية خاصة به بدلا من أن يكون امتدادا للسياسة الإيرانية.

ويشير شمس الدين إلى أن ما هو على المحك ليس مجرد السياسة الداخلية العراقية، بل قصة نجاح مهمة في السياسة الخارجية الأميركية في منطقة أثبتت فيها مثل هذه الإنجازات أنها بعيدة المنال.

نجاحات واشنطن في خطر

استقرار العراق يمثل إنجازا بارزا للسياسة الخارجية الأميركية في خضم الاضطرابات الإقليمية

ورثت إدارة ترامب الأولى، التي تولت السلطة بين عامي 2017 و2021، عراقا مضطربا، لكن هذا المشهد تغير مع تحول ملحوظ في ولاية الرئيس الأميركي الثانية.

وعلى الرغم من كل الصعاب، بنى العراق مؤسسات ديمقراطية فاعلة تُنقل السلطة بانتظام عبر الانتخابات. وقد نجحت المحكمة العليا، التي صممتها الولايات المتحدة، على الرغم من عيوبها وإثارة الجدل حولها، في حل النزاعات السياسية المعقدة سلميًا والتي كانت ستؤدي إلى اندلاع أعمال عنف في العديد من الدول المجاورة.

ولعل أكثر ما يُثير الإعجاب هو التعاون غير المسبوق بين القادة الشيعة والسنة والأكراد، الذين لطالما كانوا متنافسين، مما أتاح حلا سلميا للنزاعات طويلة الأمد بين بغداد وأربيل والتي كانت تهدد سابقا سلامة أراضيها.

وقد حسّن العراق سياسته الخارجية إقليميا وعالميا، ولعب دورا إيجابيا في تجسير العلاقات بين إيران والعالم العربي.

وعلى الرغم من الضغوط الداخلية والخارجية، نجح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في تحقيق التوازن الدقيق بين واشنطن وطهران.

وبفضل جهوده في بناء جبهة موحدة في العراق، إلى جانب محادثات مباشرة منتظمة مع الإدارة الأميركية السابقة في عهد الرئيس السابق جو بايدن، نجح السوداني في منع العراق من الانجرار إلى الصراعات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل في المنطقة.

الولايات المتحدة تحتاج إلى التمييز بين وكلاء إيران واحتياجات العراق الأمنية

وترتكز هذه الإنجازات السياسية على أساس الانتعاش الاقتصادي. وقد أدت إصلاحات القطاع المصرفي، بالتنسيق مع وزارة الخزانة الأميركية وبنك جي.بي مورغان، إلى الحد بشكل كبير من عمليات غسيل الأموال والتحويلات النقدية غير المشروعة التي كانت تُموّل الجماعات المتطرفة وشبكات الفساد.

وقد غيّر تطوير البنية التحتية المشهد الحضري لبغداد، في حين أن أسعار النفط المرتفعة جددت الاحتياطيات الوطنية.

وفي عام 2024، أجرى العراق أول تعداد وطني ناجح له منذ عام 1987، وهو إنجاز إداري استثنائي يوفر الأساس الديموغرافي لتوزيع عادل للدوائر الانتخابية.

وقد استقر الوضع الأمني إلى درجة أن العراق لم يعد يهيمن على عناوين الصحف الدولية المتعلقة بالهجمات الإرهابية أو العنف الطائفي.

وتخدم هذه المكاسب بشكل مباشر المصالح الإستراتيجية الأميركية، بينما توفر خطابا مضادا قويا لادعاءات فشل السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط.

إشارات متضاربة

منذ تولي ترامب منصبه في يناير 2025، هيمنت مطالبة الولايات المتحدة بغداد بتفكيك قوات الحشد الشعبي على الاهتمام الوطني في العراق.

وصرّح السوداني بأن حكومته لم تتلق أي مطالب رسمية من واشنطن بشأن مستقبل الحشد الشعبي.

وفي الوقت نفسه، زعم سفير إيران لدى العراق أن الولايات المتحدة ناقشت حل الحشد الشعبي مباشرةً مع طهران، وليس بغداد. وهذا التناقض يرسي موقفا لا يطاق للقادة العراقيين.

تفسير المسؤولين العراقيين للنوايا الأميركية عبر قنوات متنافسة، يهيئ ظروفا لخطأ إستراتيجي في التقدير

ومما يزيد الأمر تعقيدا قانون “تحرير العراق من إيران” المُشترك بين الحزبين في الكونغرس الأميركي، والذي قاده النائب الجمهوري جو ويلسون والنائب الديمقراطي جيمي بانيتا، والذي يهدف إلى تفكيك جميع “الميليشيات العميلة المدعومة من إيران في العراق بشكل لا رجعة فيه”، بما في ذلك الحشد الشعبي.

ويرى القادة العراقيون الذين شهدوا حرب تغيير النظام التي شنتها واشنطن نتيجةً لإجراءات الكونغرس، أن مثل هذا التشريع يُنذر بسياسة مستقبلية. فعندما تدعو مبادرات الكونغرس صراحةً إلى “تفكيك قوات الحشد الشعبي” دون تمييز بين العناصر الخاضعة لتأثير إيران والأجهزة الأمنية الأوسع، فإن الطبقة السياسية في بغداد تتعامل مع هذا الأمر بحذر تاريخي، وهو أمر مفهوم. لم يُدلِ مسؤولو إدارة ترامب بأي تصريح علني لتأكيد مشروع قانون الكونغرس أو إبعاد البيت الأبيض عنه.

ولذلك، يفسر العديد من العراقيين تفكيك قوات الحشد الشعبي بالقوة بأنه محاولة لإنهاء حكم الأغلبية الشيعية، وهو ما يتناقض مع موقف إدارة ترامب المناهض لتغيير النظام، وفي الوقت نفسه، رفضها التسامح مع وكلاء إيران الذين يهددون مصالح الولايات المتحدة وحلفاءها. وقد خلق هذا التناقض الواضح ارتباكا كبيرا بين بغداد وواشنطن.

وفي غياب رسائل واضحة ومباشرة، يُترك المسؤولون العراقيون لتفسير النوايا الأميركية عبر قنوات متنافسة، مما يهيئ ظروفا لخطأ إستراتيجي في التقدير.

وظهر الحشد الشعبي كضرورة في يونيو 2014 عندما استولى تنظيم داعش على الموصل، وانهار الجيش العراقي التقليدي.

وفي حين أن طهران استغلت بالفعل إطار الحشد الشعبي لضم وحدات محدودة من القوات بالوكالة، فإن التعامل مع المنظمة، التي يبلغ عدد أعضائها 250 ألف عضو، كأصل إيراني موحد، يُسيء فهم الواقع العراقي بشكل جذري. فالغالبية العظمى من أفراد الحشد الشعبي هم عراقيون عاديون استجابوا لدعوة آية الله العظمى علي السيستاني للدفاع عن وطنهم عندما فشلت قوات الدولة.

البرلمان العراقي يجد نفسه الآن في مأزق بشأن مشروعي قانونين متنافسين يتعلقان بالوضع القانوني ومستقبل قوات الحشد الشعبي

وهؤلاء الجنود تابعون لبغداد، وليس لطهران، ويقدمون الدعم الاقتصادي لحوالي 1.25 مليون عراقي في المحافظات الجنوبية حيث تصل معدلات الفقر إلى أكثر من 25 في المئة.

وحتى الشخصيات السياسية الشيعية البارزة في ائتلاف الإطار التنسيقي تعارض سرا سيطرة إيران على بعض الفصائل المسلحة، لكنها تُقرّ بشرعية هذه المؤسسة الأوسع بين جماهيرها.

ويمثّل أعضاء الحشد الشعبي وعائلاتهم كتلا انتخابية مهمة في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية، وهو واقع سياسي لا يمكن لأي مسؤول عراقي منتخب تجاهله.

ويكمن التحدي في تمييز العناصر الخاضعة لتأثير إيران دون زعزعة استقرار البنية الأمنية الهشة في العراق أو التسبب في بطالة جماعية بين المقاتلين المُدرّبين، مُكرّرين بذلك الخطأ الفادح الذي ارتكبه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بتفكيك وحدات الصحوة السنية.

ويجد البرلمان العراقي نفسه الآن في مأزق بشأن مشروعي قانونين متنافسين يتعلقان بالوضع القانوني ومستقبل قوات الحشد الشعبي.

ويهدف مشروع قانون ترعاه الحكومة إلى مأسسة وحدات الحشد الشعبي ضمن الهيكل العسكري الرسمي للعراق تحت قيادة رئيس الوزراء المباشرة، مما يُعزز سلطة بغداد مع الحفاظ على الأهمية الرمزية للقوات لدى المجتمعات التي ضحت بحياتها لهزيمة داعش.

أعضاء الحشد الشعبي وعائلاتهم يمثّلون كتلا انتخابية مهمة في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية، وهو واقع سياسي لا يمكن لأي مسؤول عراقي منتخب تجاهله

ويسعى مشروع قانون بديل من هيئة الحشد الشعبي إلى تحقيق الاستقلال المالي من خلال الاستثمارات والشركات، مما قد يُنشئ دولة داخل الدولة على غرار النماذج التي شهدتها إيران ولبنان.

ولا يحظى مشروع القانون الثاني بدعم الأغلبية حتى بين الكتل الشيعية، ناهيك عن الأكراد والسنة.

وتبدو رسالة الولايات المتحدة غامضة وعامة باعتراضها على مشروع قانون قوات الحشد الشعبي جملة وتفصيلا، لكنها لا تقدم أي بديل.

وتوقفت جلسات البرلمان وسط هذا الخلاف، مما أضرّ بالتحضيرات الانتخابية. وحدد مجلس الوزراء تاريخ الحادي عشر من نوفمبر 2025 لإجراء الانتخابات البرلمانية، لكن هذا يتطلب من المشرعين إقرار قانون انتخابي جديد في غضون أسابيع.

وقضت المحكمة العليا العراقية بعدم جواز تمديد فترة عمل البرلمان لأكثر من أربع سنوات، مما يُنشئ مهلة دستورية لا يُمكن تجاهلها دون تراجع ديمقراطي.

ويُهدد هذا الشلل كلا من الجدول الزمني الدستوري للعراق ومكاسبه الأمنية. ولا تستطيع الكتل الشيعية التخلي عن مشروع قانون الحشد الشعبي دون بديل مقبول.

وإذا تأخرت الانتخابات بسبب عدم إقرار تشريع التمكين، فإن أزمة الشرعية الناتجة قد تُشعل احتجاجات الشوارع من جديد، وقد تُعيد التيار الصدري إلى سياسات المواجهة. ويتيح هذا الغموض الدستوري فرصا للقوى المزعزعة للاستقرار التي تسعى الولايات المتحدة لمواجهتها.

استقرار العراق

لكي تحافظ إدارة ترامب على استثماراتها في العراق مع مواجهة النفوذ الإيراني بفعالية، يجب عليها توجيه تواصل واضح ومتسق مع بغداد

يمثل العراق حليفا أساسيا للولايات المتحدة في منطقة متقلبة، حيث يستضيف الآلاف من الجنود الأميركيين ويتلقى مئات الملايين من الدولارات كمساعدات أمنية.

ويمثل ثقلا إستراتيجيا موازنا للنفوذ الإيراني، ويشكل في الوقت نفسه حالة نادرة من التطور الديمقراطي في الشرق الأوسط.

ويهدد الارتباك السياسي الحالي هذه المزايا، ويقوّض مصداقية الولايات المتحدة كشريك موثوق.

وبدلا من تحرير العراق من النفوذ الإيراني، قد يؤدي رفض مأسسة الحشد الشعبي جملة وتفصيلا إلى حالة من عدم الاستقرار على نطاق واسع.

ولن تخاطر محاولة حل 250 ألف عنصر مسلّح فقط باضطرابات مدنية، بل ستوجد فراغات أمنية يمكن للجماعات المتطرفة أو الميليشيات المدعومة من إيران والتي تعمل خارج نطاق سيطرة الدولة استغلالها.

والنتيجة الأكثر ترجيحا هي إضعاف سلطة الحكومة العراقية، وهو ما يتعارض تماما مع الهدف الأميركي المعلن المتمثل في تقوية بغداد في وجه نفوذ طهران.

ولكي تحافظ إدارة ترامب على استثماراتها في العراق مع مواجهة النفوذ الإيراني بفعالية، يجب عليها توجيه تواصل واضح ومتسق مع بغداد.

وهذا يعني التمييز صراحة بين أجهزة الأمن العراقية الشرعية وفصائل “المقاومة” الخاضعة لسيطرة إيران، مع دعم الجهود التي تقودها العراق لإخضاع جميع الجماعات المسلحة لسلطة الدولة.

وينبغي على البيت الأبيض توضيح ما إذا كان مشروع قانون “تحرير العراق من إيران” الذي حظي بدعم الحزبين يعكس سياسة إدارة ترامب، مع مراعاة تفسير القادة العراقيين لهذه الإشارات.

ويعني دعم الجدول الزمني الدستوري للعراق دعم إجراء انتخابات في موعدها مع تجنب الإجراءات التي قد تؤخر العمليات الديمقراطية.

وبدلا من المطالبة بحل قوات الحشد الشعبي بالكامل، الأمر الذي قد يؤدي إلى صراع أهلي، ينبغي على الإدارة الاستفادة من العلاقة الثنائية القوية بين واشنطن وبغداد لتشجيع الاندماج التدريجي للعناصر القومية في قوات الأمن التقليدية، مع عزل وكلاء إيران.

ويمثل استقرار العراق إنجازا بارزا للسياسة الخارجية الأميركية في خضم الاضطرابات الإقليمية. ومن خلال التواصل المباشر مع بغداد برسائل تحترم السيادة العراقية مع معالجة المخاوف الأمنية المشروعة، يمكن لواشنطن حماية استثماراتها مع تعزيز الاستقرار الإقليمي.

وأما البديل – غموض السياسات الذي يقوّض المؤسسات العراقية – سيمثّل هدية إستراتيجية لخصوم الولايات المتحدة في المنطقة.

ولا يكمن المسار المستقبلي في مطالب شاملة تتجاهل الواقع العراقي، بل في دبلوماسية دقيقة تميّز بين وكلاء إيران واحتياجات العراق الأمنية المشروعة.

7