الولايات المتحدة تحتاج إلى البقاليات في مناطق "الصحراء الغذائية"

واشنطن - تدخل البلديات الأميركية عالم تجارة البقالة، لكن هل سيستطيع مسؤولو المدينة إدارة هذا النوع من المتاجر؟
انخفض عدد محلات البقالة بسبب الوباء، بعد أن كانت الدكاكين التي تديرها عائلات والتي يبيع كل شيء من الطعام إلى الأدوية منتشرة بالشوارع الأميركية.
وبدأ صعود هذه المحلات العائلية خلال القرن الـ19 وبلغ ذروته عندما انطلق انتشار المتاجر الأكبر. وأصبحت سلاسل السوبر ماركت تبيع 70 في المئة من مواد البقالة بحلول 1960، مما قلب هذا النموذج.
لكن السلاسل الكبيرة اضطرت إلى إغلاق فروعها خلال الوباء أيضا، ورأت أنه لم يعد من المنطقي ماليا الاستمرار في العمل في بعض أفقر الأحياء في البلاد.
وتزامن تراجعها مع عجز العديد من الأميركيين عن تحمل تكلفة الغذاء سريعة الارتفاع، حيث زادت أسعار البقالة بنسبة 11 في المئة خلال الفترة الممتدة من 2021 إلى 2022 بسبب التضخم.
ودفع كل هذا مسؤولي المدينة إلى التفكير في ما لا يمكن تصوره في دولة تتجنب فيها الحكومة التدخل في السوق الحرة، بغض النظر عن تأثيرها على الأميركيين العاديين.
وتتساءل البلديات في جميع أنحاء البلاد عما إذا كان ينبغي عليها شراء محلات البقالة المعرضة لخطر الإغلاق، أو حتى فتح متاجر خاصة بها في مناطق “الصحراء الغذائية” التي تفتقر إلى خيارات أخرى.
البلديات تبحث شراء محلات البقالة المعرضة لخطر الإغلاق، أو حتى فتح متاجر خاصة في مناطق "الصحراء الغذائية"
وقالت أميا باوار، العضو السابقة في مجلس مدينة شيكاغو وهي الآن مستشارة كبيرة في مشروع الأمن الاقتصادي غير الربحي، إن نصف مليون شخص في شيكاغو يعيشون في ما يعرف باسم صحاري الطعام. واعتبرت هذه المناطق الأمثل للخيار العام.
وأبرزت بيانات شيكاغو خسارة ستة متاجر بقالة رئيسية على الأقل على الجانبين الجنوبي والغربي الأكثر فقرا في المدينة من 2021 إلى 2023.
ويتعاون مشروع الأمن الاقتصادي مع مدينة شيكاغو في دراسة جدوى متجر بقالة مملوك للبلدية.
وقالت باوار إن مثل هذا المتجر “يمكن أن يحقق التعادل أو حتى يخسر المال ويطلب الإعانة”.
ويرى المنتقدون في هذا المشروع تبذيرا، حيث يقول أحد مراكز الأبحاث إنه يرقى إلى “الخلل الوظيفي المدعوم”.
وامتنعت الرابطة الوطنية للبقالة عن التعليق، في حين لم ترد رابطة صناعة الأغذية على أسئلة مؤسسة تومسون رويترز.
وقال العمدة براندون جونسون إن مجتمعات شيكاغو “تستحق الأغذية الصحية بأسعار معقولة، خاصة في المناطق غير المستثمر فيها تاريخيا.. نعتمد كل أداة في صندوق أدواتنا لمعالجة العدالة الغذائية”.
يتبع العمل في شيكاغو قانونا فريدا للولاية صدر العام الماضي لمعالجة المخاوف بشأن الوصول إلى الطعام الطازج.
ويهدف إلى فتح متاجر جديدة، وتحديث المتاجر الحالية أو توسيعها، وخلق التمويل لمساعدة البلديات أو المنظمات غير الربحية على فتح البقالات فيما يقول المؤيدون إنه قد يكون نموذجا وطنيا.
وتحدد إحصاءات وزارة الزراعة أن حوالي 76 مقاطعة تفتقر الآن إلى متجر بقالة، في حين اندمجت السلاسل الرئيسية بسرعة خلال أواسط العقد الماضي.
وقالت ريال كارفر، قائدة البرنامج في مبادرة البقالة الريفية في جامعة ولاية كانساس، إن المتاجر المستقلة تواجه تهديدات أخرى، كالمالكين المسنين أو المناطق التي يتراجع عدد سكانها.
وأضافت “يعد الأمر بالغ الأهمية في المجتمعات الريفية بشكل خاص، وإذا أغلق أحد المتاجر أبوابه، ربما يعدّ هذا خسارة الخيار الوحيد”.
وقالت إن كانساس وحدها شهدت إغلاق واحد من كل خمسة بقالات ريفية في العقد الممتد حتى 2018.
ويخسر السكان المحليون إمكانية حصولهم على الطعام، كما يوجّه إغلاق المتاجر ضربة للإيرادات الضريبية وخيارات العمل والنسيج المجتمعي.
وقالت كارفر “يلعب متجر البقالة الريفي دورا في جذب السكان وإبقائهم في رقعة جغرافية محددة. وقد سمعنا أمثلة عن إغلاق البقالات، وعن مدارس تواجه مصاعب في إبقاء أبوابها مفتوحة، أو عن تأثر البنية التحتية الحيوية الأخرى. وهذه الأمور مترابطة كلها”.
وتساعد المبادرة المجتمعات على معرفة خيارات الاحتفاظ بمتجر أو فتحه، سواء أداره شخص أو كان من ممتلكات المدينة وأدارته البلدية.
وتتوقع كارفر أن تشهد مثل هذه الخيارات موجة من الاهتمام الجديد.
وتستضيف مدرسة المدير أنتوني لوف الثانوية في سانجر بتكساس متجر بقالة يديره الطلاب منذ 2020، بعد أن فسح الدكان الوحيد في المدينة الطريق لتوسيع الطريق السريع.
وقدّمت المدرسة طعاما متبرعا به ليأخذه الطلاب إلى منازلهم، لكن لوف قال إن البعض رفضوا بسبب الإحراج.
وجاءت من هنا فكرة البقالية لتمحو أي شعور بالحرج.
وأضاف لوف “كانت تلك سنتي الأولى كمدير، لم يكن هذا بالتأكيد شيئا فكرت فيه في تلك اللحظة، لكنني كنت أدرك نوع الحاجة”.
وأمكن بعث البرنامج بدعم من تكساس “هيلثري سورسز”، وهي مزود ساعد في بناء خمسة مشاريع مدرسية من هذا النوع ويخطط لخمسة مشاريع أخرى، حسب مارشا إنجل، وهي مديرة كبيرة في النظام غير الربحي.
وقالت “لاقينا اهتماما هائلا على الصعيد الوطني، فالأطفال الجائعون لا يتعلمون جيدا”.
صُممت محلات البقالة المدعومة من القطاع العام لتنشيط المجتمعات الفقيرة.
ويرى آرون جونسون في سوق “أويسس فرش ماركت” الجديد مركزا لإعادة بناء جزء غير مستثمر فيه من تولسا في أوكلاهوما، وجل سكانه من السود.
وقال جونسون إن السوق شهدت عند إنشائها في 2021 بدعم من المدينة والحكومة الفيدرالية أول متجر بقالة كامل الخدمات في شمال تولسا منذ 14 عاما، وأول متجر مملوك للسود منذ نصف قرن.
وأضاف “تخيل أن الفترة امتدت 14 عاما. كانت هذه أزمة صحية عامة في مجتمعنا”.
وأكد جونسون أن المتجر يوظف الآن من داخل المجتمع، مما يساعد على ربط السكان المحليين بالمساعدة الغذائية والخدمات الأخرى. ويثير هذا الاهتمام في جميع أنحاء البلاد.
كما يأمل مجتمع فقير جله من السود في أقصى جنوب إلينوي إنشاء بقالية مملوكة للمدينة حتى يكون محور تنشيط أوسع.
وقال إد هايتاور، مدير مدرسة سابق وهو الآن مطور متعاون مع مدينة فينيس الأميركية، “لم يتمتعوا بأي رعاية صحية، ولا بقالية.. خسروا مدرستهم، وكانت مساكنهم معدمة”.
وقال إن “متجر البقالة مهم للغاية، لكننا أردنا التأكد من أن تعاملنا معه يختلف عن اعتباره محاولة توظيف مستأجر في بقالية”.
واشترت المدينة الآن عقارا وتنتظر منحة حكومية لتمويل بقالية مملوكة للمدينة يمكنها أن ترسخ طموحات لبناء مركز طبي ومدرسة جديدة ومسارات للدراجات وغير ذلك.
وقال هايتاور “نحاول إعادة الاستثمار في هذه المجتمعات ذات الدخل المنخفض وبث الأمل في نفوس مواطني هذه المناطق. إنهم ليسوا منسيين”.