الوقوف في طوابير الذل يعطل سيارات الأجرة في لبنان

بيروت – يستيقظ سائق سيّارة أجرة لبناني، ملقّب بـ“أبوغضب”، يوميا، ويذهب ليصطفّ في طابور السيّارات أمام محطة محروقات في بيروت، بانتظار أن يحين دوره بالتعبئة، ثمّ يبدأ عمله بعد ساعات انتظار.
ويشبه حال أبوغضب حال جميع سائقي سيّارات الأجرة في لبنان، الذين باتت خسارتهم أكثر من ربحهم، بعد رفع جزئي للدعم عن المحروقات في البلد الذي يعاني أزمة اقتصادية حادة منذ نحو سنتين.
وكان الهدف من الدعم المحافظة على أسعار المحروقات منخفضة، في ظلّ تراجع قيمة العملة المحليّة مقابل الدولار، إذ بلغ سعر صرف الدولار الواحد نحو 20 ألف ليرة، بينما سعره الرسمي 1515.
وقفزت أسعار الوقود المُباع في لبنان بأكثر من 66 في المئة، عقب خفض دعم استيراد المحروقات إلى سعر صرف 8000 ليرة للدولار بدلا من 3900 ليرة.
وتعصف بلبنان، منذ نحو سنتين، أسوأ أزمة اقتصاديّة في تاريخه الحديث، ما أدّى إلى انهيار مالي وشحّ في الوقود والأدوية وسلع أساسيّة أخرى جرّاء نفاد النقد الأجنبي المخصّص لاستيراد السلع الأساسيّة.
ولا تختلف قصّة أبوغضب عن قصّة المواطن أبوعلي فياض، الذي يعمل على سيّارة أجرة في إحدى مناطق بيروت. يقول إنّه يقضي أكثر من 12 ساعة في انتظار دوره أمام محطّة المحروقات من أجل تزويد سيّارته بالبنزين، وفي بعض الأحيان لا يصل إلى مبتغاه.
ويشير أبوعلي متحدثا عن الحالة المزرية التي يعيشها، إلى أن ما يجمعه يوميا (نحو 300 أو 400 ألف ليرة لبنانيّة)، يدفعه من أجل تعبئة البنزين.
ويعتبر أنّ “العصابات تسيطر على محطّات المحروقات، ومن يستقوي هو الذي يؤمّن لنفسه البنزين”.
ويوضح أبوغضب أنّه يدفع يوميا إيجار السيّارة 130 ألف ليرة إن عمل أو لا لصاحبها، وإن أضفنا هذا المبلغ على سعر كميّة البنزين التي يحتاجها يوميا، فلن يبقى له مال ليعتاش منه.
ويشكو الاثنان من أنّ محطّات المحروقات لا تملأ خزّاناتهم بشكل كامل.
ومنذ سنوات طويلة، كان رسم التنقّل عبر سيّارة الأجرة مستقرا، يوازي 2000 ليرة لبنانيّة، وبعد رفع سعر المحروقات للمرّة الأولى منذ أشهر، زادت التعرفة إلى 8000 ليرة لبنانيّة.
أمّا اليوم فتطغى الفوضى على هذا القطاع، في ظلّ غياب تسعيرة رسميّة.
ويقول أبوغضب إن “التعرفة اليوم لنقل أيّ شخص تتراوح بين 15 ألف ليرة لبنانيّة و20 ألف ليرة”، معتبرا أنّ “هذه الكلفة مرتفعة بالنسبة إلى الزبون الذي يعاني من مشكلات ماليّة كبيرة”.
ويبلغ عدد السيارات العمومية في لبنان 33256 سيارة، وفق دراسة لشركة “الدولية للمعلومات” (خاصة)، مشيرة إلى أن جزءا من هذه السيارات لا يعمل.
ويقدّم سائق التاكسي خضر الحسيني معاناة أُخرى، إذ يلفت إلى أن “تكلفة إصلاح أي قطعة في السيّارة ضخمة جدا، وتُحتسب بالدولار”.
ويشدّد على أنّ أخذ مبلغ 20 ألف ليرة من الزبون لا تكفيه بتاتا لإصلاح سيّارته في حال أصابها عطل تقني ما.
ويُطالب أبوغضب الدولة اللبنانية والمعنيّين بأن “يتمّ إنشاء طابور خاصّ بأصحاب سيّارات الأجرة، لأنّه لا يمكنهم الانتظار كلّ يوم لساعات طويلة أمام المحطّات بدلا من العمل”.
أمّا الحسيني فيطالب بتشكيل حكومة في لبنان، قائلا “الشعب جاع ونفد صبره”.
ويأمل أبوعلي أن “تتحسّن الأوضاع في لبنان، لعلّ تعرفة سيّارة الأجرة تعود إلى 2000 ليرة لبنانيّة”، مشدّدا “أنّنا نحاول مراعاة الركّاب، لكنّنا نضطرّ إلى رفع السعر”.
ولا يخفِ خوفه على الفقراء في البلد الذي يقول إنّه منهم، متسائلا “كيف يمكنهم دفع هذه التكلفة المرتفعة كلّ يوم للذهاب إلى عملهم؟”.
وخوف فياض يترجمه المواطن محمد مسرى الذي تخلّى عن التنقّل عبر سيّارات الأجرة، مفضّلا السير من منزله إلى مكان عمله (يقعان في بيروت)، والعكس.
ويؤكّد مسرى “راتبي الشهري لا يكفيني لنهاية الشهر، والمعيشة في لبنان باتت صعبة جدا”.
ويشرح أحد الأشخاص الذين يعملون في إدارة رسميّة، فضّل عدم الكشف عن اسمه، “أنّه يحتاج يوميًا إلى أكثر من 50 ألف ليرة للذهاب إلى عمله، في حين أنّ راتبه يوازي مليونا و200 ألف ليرة”.
وبعمليّة حسابيّة بسيطة، فهذا الشخص يحتاج شهريا إلى مليون ليرة للتنقّل فقط، ويبقى لديه 200 ألف ليرة لبنانيّة من أصل كلّ راتبه، أي أنّ نحو 80 في المئة من راتبه يدفعه على المواصلات.
ويعلن رئيس النقابة العامّة لسائقي السيّارات العموميّة في لبنان مروان فياض أنّ “قطاع النقل يمرّ بأصعب مرحلة منذ تأسيس الدولة اللبنانيّة”.
ويقول إنّه “على الرغم من علم المسؤولين أنّ الدعم سيُرفع، فإنهم تجاهلوا فكرة إعداد خطّة خاصّة بالقطاع”، لافتا إلى أنّ “السائق يضطرّ اليوم إلى شراء تنكة بنزين من السوق السوداء بـ400 ألف ليرة، عوضا عن الانتظار بالطوابير أمام المحطّات”.
ويكشف أنّ “النقابة تقدّمت بخطّة إلى الحكومة، إلّا أنّ الأخيرة لم تأخذ بها”.
ويعترف بأنّ “تعرفة النقل في لبنان اليوم هي عبارة عن فوضى عارمة، وكلّ سائق يسعّر وفق ما يراه مناسبا له، في ظلّ الظروف المعيشيّة الصعبة”.
وعُقد أواخر أغسطس الماضي اجتماع بين النقابات المسؤولة عن قطاع النقل وعدد من الوزراء المعنيّين، وتمّ الاتفاق على خطّة، سيبدأ العمل بها مطلع شهر أكتوبر المقبل، بحسب فياض.
ويعدّد أبرز نقاط الخطّة، مفسّرا أنّها “تنصّ على إعطاء كلّ يوم، صفيحة بنزين لسائق السيّارة العموميّة على سعر 100 ألف ليرة، بالإضافة إلى إعطائهم البطاقة التموينيّة، مع مبلغ 500 ألف ليرة شهريًا كفرق قطع الغيار للسيّارة”.
ويشير فياض إلى أنّ تطبيق هذه الخطّة سيجعل تسعيرة نقل ‘السرفيس’ تقارب الـ10000 ليرة لبنانيّة، لكنّه يشكّك في تطبيقها، قائلا “ليست لدينا ثقة بالدولة التي أوصلتنا إلى هذا الحال”.
إذًا، ستستمرّ الفوضى بتسعيرة سيّارات الأجرة في لبنان حتّى مطلع الشهر المقبل، في ظلّ معاناة كبيرة لأصحابها الذين يعَدّون من الطبقة المحتاجة في بلد “يستعطي” دول العالم المساعدات.