الوقدة البيئية تنقذ اللبنانيين في شتائهم

الأغصان المطحونة وقود يغني عن تكاليف الديزل.
الخميس 2022/03/03
الأغصان بلا ثمن

ابتكر المزارعون في جنوب لبنان وقودا بيئيا من الأغصان التي يشذبونها من أشجارهم والتي يتم طحنها ثم ضغطها على شكل قطع أسطوانية لتجنبهم الاعتماد على الديزل المكلف والتحطيب الذي يساهم في الاعتداء على الثروة الغابية، ويتوقع سكان حاصبيا أن يفتح هذا الوقود البيئي أبواب رزق لأبناء المنطقة الذين يعانون من البطالة.

حاصبيا (لبنان) - وسط بساتين الزيتون مترامية الأطراف في وادي الحاصباني جنوب شرقي لبنان ينشط العشرات من المزارعين في أعمال تشذيب أغصان أشجارها لتدخل كمادة أولية في تصنيع وقود بيئي هو الأول من نوعه في لبنان منافس للحطب وديزل التدفئة في المناطق الجبلية الباردة.

وخلال نقل كمية كبيرة من أغصان أشجار الزيتون والكرمة بشاحنة رباعية الدفع من بستانه إلى مطحنة خاصة بفرم وطحن الأغصان في بلدة ميمس بجنوب لبنان، قال المزارع الستيني زاهر يحيى لوكالة أنباء شينخوا إنه بات لهذه الأغصان التي كانوا يحرقونها عادة وسط الحقول قيمة بعد مردودها المادي المقبول.

وأضاف “تضاعف اهتمامنا بتقليم أشجار بساتيننا المثمرة بعدما دخلت أغصانها كمادة أساسية أولية في تصنيع وقود بيئي يقينا من صقيع الشتاء بأقل تكلفة من الديزل والحطب”.

واعتبر أن “دخول أغصان الأشجار في هذه الصناعة خلق فرص عمل جديدة لمواطني الأرياف وخفف من هجمة الحطابين لقطع الأشجار الذي أدى إلى مجازر في الكثير من الغابات”.

وكانت الجمعية التعاونية للزراعات البعلية في حاصبيا ومحيطها بجنوب لبنان وبالتعاون مع جمعيات بيئية قد أطلقت مشروعا لإنتاج نوع جديد من الوقود لمواجهة برد الشتاء وتأمين الدفء في المناطق الجبلية بأقل تكلفة في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار وقود التدفئة من ديزل وغاز وكهرباء وحطب.

الوقدة البيئية ستخفض بنسبة 35 في المئة من كلفة التدفئة الشتوية للمزارعين الذين يوفرون موادها الأولية من بساتينهم

وأوضح نائب رئيس التعاونية نديم حمدان أن المشروع الجديد يحمي الثروة الحرجية من فؤوس الحطابين واكتفائهم بأغصانها، كما رفع دخل المزارعين في الأرياف، ووفر الوقود لنار التدفئة بمواصفات صحية وبأسعار منخفضة في ظل تردي الوضع الاقتصادي والكلفة الباهظة لمختلف أنواع الوقود في المناطق الجبلية.

وأكد أن الوقود المستحدث الذي بات يعرف بـ”الوقدة البيئية” سيخفض بنسبة 35 في المئة من كلفة التدفئة الشتوية لسكان المناطق الجبلية والذين باستطاعتهم تحضير موادها الأولية من بساتينهم ومن بقايا عصر الزيتون.

وأشار إلى أن “الوقدة البيئية” عبارة عن خليط من أغصان أشجار مفرومة وبقايا الزيتون بعد عصره، وأن الكميات المصنعة حتى الآن تجاوزت حدود 1200 طن، وأنهم سيعملون لاحقا على رفع الكمية حسب الطلب وتعميم صناعة هذه الوقدة في مختلف المناطق اللبنانية.

من جهته أوضح المهندس الزراعي جمال أسعد المشرف على تصنيع “الوقدة البيئية” في وادي الحاصباني أنها تتكون من خليط يحوي 55 في المئة من بذور الزيتون المعصور و40 في المئة من بقايا الأغصان المفرومة و5 في المئة من عكر زيت الزيتون.

وقال “نعمل على فرم أغصان الأشجار الناتجة عن أعمال تشذيب البساتين والأحراج بمعدات فرم خاصة تحولها إلى ما يشبه مسحوقا ناعما، ومن ثم نخلطه بواسطة خلاط آلي مع بذور الزيتون المعصور وعكر الزيت ليغدو على شكل عجينه متماسكة”.

وتابع “بعدها ننتقل إلى عملية تكبيس العجينة داخل آلة ضغط لتخرج منها على شكل قطع أسطوانية بقطر 10 سنتيمترات وبطول 40 سنتيمترا، تعرّض بعدها لأشعة الشمس لفترة أسبوعين حتى تجف لتصبح عندها جاهزة كوقود لنار التدفئة”.

وأضاف “مع الظروف المعيشية الصعبة عجزت شريحة واسعة من العائلات عن تأمين الوقود لمواجهة الصقيع في المناطق على ارتفاع 500 متر عن سطح البحر وما فوق بسبب ارتفاع أسعاره”.

وأشار إلى أنه ليس بالإمكان تقدير حاجة السوق إلى هذه الوقدة في الوقت الراهن، علما أن سوق التدفئة تتوزع بين هذه الوقدة والديزل والحطب العادي والغاز والكهرباء.

وأكد الخبير البيئي المهندس جواد حداد أن “الوقدة صديقة للبيئة ولها قدرة اشتعال فعالة، وتخفف بنسبة مقبولة من أعباء التدفئة لقاطني المناطق الريفية الجبلية بعيدا عن الملوثات، كما تساهم في خفض خطر حرائق الأحراج وخفض مستوى الملوثات والغازات وزيادة إنتاج الأشجار المثمرة”.

مشروع مربح
مشروع مربح

وأضاف “باتت الوقدة منافسة لوقود الديزل الذي ارتفعت أسعار الصفيحة الواحدة منه إلى حدود 15 دولارا، في حين سعر الطن الواحد من هذه الوقدة بمليون و700 ألف ليرة لبنانية، أي أدنى بحوالي مليون ليرة لبنانية عن طن الحطب العادي”.

وقدر حداد “حاجة البيت من الحطب خلال فصل الشتاء بحوالي 5 أطنان، لتنخفض مع الوقدة البيئية إلى 3 أطنان”، لافتاً إلى أن “الوقدة لها طاقة حرارية كبيرة تصل إلى 18 ميغاجول لكل كيلوغرام، ما يجعلها بديلا ممتازا عن الديزل والحطب والفحم” والإقبال عليها في وتيرة تصاعدية.

وقال المزارع حسان بدير إن استخدام بقايا الأغصان بعد تشذيب الأشجار في صناعة الوقدة يؤمن له مدخولا إضافيا يقدر بحوالي 2.5 مليون ليرة بعدما كان يحرق هذه الأغصان للتخلص منها.

بدوره ذكر المزارع شادي داوود أنه يبيع أغصان التشذيب في بستانه بحوالي 3 ملايين ونصف مليون ليرة لبنانية، كما أنه يعمل على تشغيل شاحنته الصغيرة في نقل الأغصان التي تم تشذيبها من البساتين والغابات بمقابل يبلغ 700 ألف ليرة عن كل عملية نقل لا تتجاوز مسافتها حدود 30 كيلومترا.

من جانبه أكد المزارع جلال أبوعلي أن الوقود البيئي لاقى إقبالا بعد وقت قصير من طرحه في الأسواق، ومن المرجح مستقبلا أن ينتشر ليصل إلى كل بيت خاصة وأنه يوفر كلفة التدفئة الشتوية بنسبة 30 في المئة.

من جهتها أشادت الناشطة البيئية فاطمة عواضة بـ”الوقدة البيئية التي تصنع من مواد أولية محلية غير مستوردة”، معتبرة أن ذلك ينعكس إيجابا على الثروة الحرجية وانخفاضا في الإنفاق الأسري.

وأشارت إلى أن الوقود البيئي يساهم في التخلص من بقايا عصر الزيتون التي كانت تلوث مياه الينابيع والأنهار والمياه الجوفية، إضافة إلى أن إنتاج هذا الوقود يؤمن فرص عمل لأبناء الأرياف في ظل البطالة وتردي الوضع الاقتصادي.

18