الوقت لم يحن بعد لترك أفغانستان وشأنها

واشنطن - استقبل الرئيس الأميركي جو بايدن الجمعة نظيره الأفغاني أشرف غني لمناقشة مستقبل أفغانستان بينما يفتح انتهاء الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان مرحلة من عدم اليقين.
والهدف المعلن للبيت الأبيض هو العمل عن كثب مع الحكومة في كابول لضمان أن أفغانستان “لن تصبح مرة أخرى ملاذا لجماعات إرهابية تشكل تهديدا للأراضي الأميركية”.
لكن الأسئلة كثيرة وتثير القلق: هل تستولي طالبان على كابول بعد رحيل آخر الجنود الغربيين؟ كيف سيتم ضمان أمن الدبلوماسيين الغربيين ومطار العاصمة؟ ماذا سيحل بالآلاف من الأفغان الذين عملوا مترجمين مع القوات الأميركية؟
ويعتقد متابعون ومحللون أنه ما زال الكثير من أوجه الوضع في أفغانستان يتسم بالغموض وعدم الاستقرار، وهو ما يكشف عن حقيقة واحدة وهي أن الوقت لم يحن بعد لترك أفغانستان وشأنها، خاصة أنه لا توجد دلائل على أن هناك حكومة أفغانية قوية، موحّدة وفعالة تلوح في الأفق.
وأوضح الخبير الاستراتيجي أنتوني كوردسمان أن معظم الانسحاب الأميركي من أفغانستان سوف يتم بحلول احتفال الولايات المتحدة بيوم الاستقلال في الرابع من يوليو، فيما لا يوجد هناك أي اجتماع جوهري مع حركة طالبان لتحديد سلام مستقبلي، أو هيكل الحكومة المستقبلية في أفغانستان، أو الأمن، أو التنمية.
ومن الواضح أن القوات الأفغانية تخسر الحرب، وأمامها سنوات طويلة حتى تستطيع الاعتماد على نفسها. وبالنسبة للاقتصاد -على افتراض أن هناك اقتصادا- فإنه يعتمد فقط على المساعدات الخارجية وتصدير المخدرات.

أنتوني كوردسمان: واشنطن ستواجه أسوأ السيناريوهات بعد انسحابها من أفغانستان
ويقول كوردسمان الذي عمل مستشارا لشؤون أفغانستان لحساب وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين في تقرير نشره مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، إنه “بالرغم من مرارة قول ذلك، فإنه ببساطة قد تأخر الأمر كثيرا للعدول عن مغادرة قوات أميركا والحلفاء التي خططت لها إدارة ترامب كجزء من مبادرة سلام أصلية”.
لقد انسحبت أميركا بالفعل وقاربت على الانتهاء من ذلك كثيرا. فلم يعد هناك عدد كبير للغاية من القوات والقواعد، وتم فقدان الكثير من الإمكانيات، وحققت طالبان بالفعل الكثير جدا من المكاسب.
وليست هناك خطط سلام ملموسة حتى الآن، وليس هناك حتى جدول لعقد اجتماعات لوضع مثل هذه الخطط، ناهيك عن تنفيذها. ومن نواح كثيرة لم ترث إدارة بايدن شيئا مجديا. لم يبق سوى القليل لتبني عليه، وليس هناك قائد في حكومة أفغانستان المركزية المقسمة بشكل عميق يتمتع بالقوة الكافية يمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليه.
ويرى كوردسمان أن اتخاذ إجراءات مثل الاحتفاظ بأعداد صغيرة من المستشارين العسكريين الأميركيين في أفغانستان أو بالقرب منها، وإيجاد طريقة ما للإبقاء على شركات عسكرية في البلاد، وتقديم دعم محدود من الخارج في مجال الاستشارات والصيانة، وتعزيز كوادر المخابرات في كابول وبالقرب من أفغانستان، وكل أساليب “الأمل البائس” الأخرى لتوفير الدعم بعد الأول من سبتمبر المقبل، هي إجراءات رمزية توفر في أفضل الأحوال غطاء سياسيا للانسحاب.
وفي تقديره يمكن أن تواجه الولايات المتحدة أسوأ السيناريوهات الناجمة عن انسحابها وانسحاب الناتو من أفغانستان. فأي حكومة لطالبان تتولى الأمور، أو أي حالة ما بعد انسحاب أميركا والناتو تقسم البلاد وتؤدي إلى عنف عرقي وطائفي مستمر، سوف يكون لها بكل تأكيد تأثير على الأفغان.
ولكن من غير الواضح تماما ما إذا كانت أفغانستان تحت حكم طالبان سوف تصبح مركزا رئيسيا للإرهاب الدولي. إن تسامح طالبان مع تنظيم القاعدة قبل 11 سبتمبر لم يكن مرتبطا على الإطلاق بأي نية لمهاجمة الولايات المتحدة، وليس من الواضح ما إذا كانت أي قيادة لطالبان تظهر في شكل سلطة في أفغانستان سوف تخاطر بدعم أي حركة متطرفة أو إرهابية يمكن أن يتسبب في فرض عقوبات خارجية، أو عمليات عرقلة للتجارة والنقل، أو شكل ما من أشكال التدخل الصيني أو الروسي، أو مواجهة مع الدول المجاورة.
كما ليس من الواضح أيضا أن طالبان تستطيع حقيقة أن تتوصل لتشكيل حكومة مستقبلية مستقرة. فطالبان لم تحقق فوزا في أي مركز تجمّع سكاني كبير. وإذا ما انتصرت في معاركها المستقبلية الكبرى وسيطرت على معظم أنحاء أفغانستان ومعظم المراكز السكانية، فإن قدرتها على تشكيل حكومة دائمة فاعلة ليست واضحة، تماما مثل قدرتها على هزيمة جميع الفصائل المختلفة وأصحاب النفوذ في الشمال حتى لو استطاعت السيطرة على كابول.
ويوضح كوردسمان أنه نادرا ما تهيّئ العناصر الأكثر تطرفا في أيديولوجية طالبان نفسها للقيام بدور فعال في مجالات الحكم والتنمية. فطالبان هي نوع من الحركة الثورية هيكلها الاعتقادي غير قادر تماما على البقاء في السلطة. ومثل كل ما يسمى بحركة “شيوعية” قبلها، قد ينتهي الأمر بأن تصبح دولة سلطوية أخرى يخفي قادتها أنفسهم في المماثل الأيديولوجي لملابس الهالويين.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه افتراضيا ليس هناك أحد من أفراد طالبان الذين حكموا البلاد تقريبا من قبل ما زال نشطا، وليس من الواضح للغاية أن لدى طالبان كوادر قادرة على تشكيل هيكل حكم مستقر أو شكل من أشكال الاقتصاد الفعال، لاسيما من دون مساعدات خارجية كبيرة.
ويستنتج كوردسمان بالقول إن “ترك أفغانستان لا يعني عدم عمل أي شيء”. إذ ينبغي على الولايات المتحدة محاولة إيجاد طريقة ما لإمكانية إجراء مفاوضات سلام حقيقية. ويتعين عليها عدم قطع المساعدات المالية وأشكال الدعم الخارجي المحدود للحكومة والقوات الأفغانية طالما كان واضحا أنه يتم استخدام الدعم الأميركي بدرجة من الأمانة والفعالية وأن هناك فرصة في أن تساعد الولايات المتحدة في تحقيق سلام أو نتيجة أكثر نجاحا بعد الانسحاب.
كما يجب على الولايات المتحدة أن توفر للأفغان الذين خاطروا بحياتهم من أجل الدعم المباشر للقوات الأميركية برامج أكثر فعالية تتيح لهم أن يجدوا ملاذا آمنا في الولايات المتحدة.