الوصم والإقصاء يلاحقان النساء ذوات الإعاقة في تونس

تونس - رغم أن القانون في تونس يحمي الأشخاص ذوي الإعاقة من كلّ تمييز، حيث أنه “لكلّ مواطن ذي إعاقة الحق في الانتفاع، حسب طبيعة إعاقته، بكلّ التّدابير التّي تضمن له الاندماج الكامل في المجتمع، وعلى الدّولة اتّخاذ جميع الإجراءات الضّروريّة لتحقيق ذلك”، إلا أن النساء ذوات الإعاقة لا يزلن يعانين الإقصاء والتهميش ويتعرضن للعنف والاستغلال.
واعتبرت الأستاذة والباحثة في علم الاجتماع بجامعة تونس رانية غويل أن المرأة ذات الإعاقة تعيش عنفا وإقصاء مضاعفين مقارنة ببقية النساء. وأوضحت غويل في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء أن المرأة ذات الإعاقة تعاني من الوصم الاجتماعي الذي يكون بسبب المخيال الجماعي والذاكرة الشعبية في استبطان العنف عبر المنطوق والسلوكات اليومية.
وتعايش المرأة ذات الإعاقة، وفق المختصة في علم الاجتماع، على مر محطات حياتها تمييزا على أساس الجنس يظهر في الزواج والطلاق، مشيرة في هذا الصدد إلى أن المرأة ذات الإعاقة حظوظها في الزواج قليلة جدا مقابل الرجل، كما أن المرأة إذا ما أصيبت بإعاقة بعد الزواج فإن المجتمع يبيح لزوجها الانفصال عنها بسبب الإعاقة في حين لا يسمح لها بالانفصال إذا ما انقلبت الأدوار وأصبح الزوج حاملا لإعاقة.
المرأة ذات الإعاقة تعايش على مر محطات حياتها تمييزا على أساس الجنس يظهر في الزواج وحظوظها فيه قليلة جدا
وأضافت أن المرأة ذات الإعاقة تعيش أيضا تمييزا على أساس نوع الإعاقة بمختلف درجاتها، فالتعامل لا يكون متشابها مع جميع الإعاقات وبين الإعاقة منذ الولادة والإعاقة المكتسبة. وأبرزت غويل من جهة أخرى أن البون شاسع بين ما تتمتع به المرأة ذات الإعاقة من حقوق في إطار تشريعي متميز وما تعيشه على أرض الواقع وما تتعرض له من سلوكات “تهين كرامتها”، حسب توصيفها، مثل التحرش والعنف المادي وعدم القدرة على الولوج إلى الخدمات. من جهتها، اعتبرت الأمينة العامة للمنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بوراوية العقربي أن العنف المسلط على ذوات الإعاقة يكون دائما بنسب أكبر مقارنة ببقية النساء، لافتة إلى أن المرأة ذات الإعاقة تتعرض لمختلف أنواع العنف التي يعرفها القانون عدد 58 لسنة 2017 لمناهضة العنف ضد المرأة وخاصة العنف الاقتصادي والتمييز على أساس النوع الاجتماعي في الراتب والعنف المعنوي الذي يرتقي في أحيان كثيرة إلى تحرش جنسي وعنف مادي بسبب عقلية استبطان العنف من الرجل واستضعافها.
وأكدت على أن القانون عدد 58 لسنة 2017 غير معروف في أوساط النساء ذوات الإعاقة فضلا عن الصعوبات التي تلاقيها المرأة المعنّفة من ولوج إلى مراكز الأمن وإسماع صوتها أو الاتصال بمراكز النداء والخط الأخضر (1899) أو مراكز إيواء النساء ضحايا العنف، داعية مختلف الجهات المعنية إلى التعريف والتحسيس بالقانون في مختلف الوسائل المتاحة حتى يتسنى لهذه الفئة التعرف عليه أكثر.
المرأة إذا ما أصيبت بإعاقة بعد الزواج فإن المجتمع يبيح لزوجها الانفصال عنها بسبب الإعاقة في حين لا يسمح لها بالانفصال إذا ما انقلبت الأدوار وأصبح الزوج حاملا لإعاقة
وإضافة إلى ذلك تعاني النساء ذوات الإعاقة في تونس من صعوبة النفاذ إلى الحياة العامة.
وفي عام 2016 وجهت مجموعة من النساء ذوات الإعاقة دعوة إلى مختلف منظمات المجتمع المدني وهياكل الدولة والأحزاب السياسية من أجل العمل على تيسير نفاذهن إلى الحياة العامة.
وأكدن أنهن نساء عاديات لا يختلفن عن غيرهن في الحقوق والواجبات، مبرزات قدرتهن على المشاركة في بناء تونس وفي إبداء آرائهن في كل ما يخص الشأن العام، وضرورة تشريكهن في رسم الإستراتيجيات الوطنية التي يمكن أن تنهض بواقع المرأة ذات الإعاقة في تونس.
ودعت هؤلاء النسوة الحاملات لإعاقات متنوعة (بصرية أو سمعية أو حركية) ومن فئات اجتماعية مختلفة إلى أن يكون التعامل معهن ضمن علاقة تشاركية لا علاقة فوقية مثل ما هو حاصل، حسب تقديرهن، مشيرات إلى أن أغلبية الإستراتيجيات الموجودة، والتي تهم هذه الفئة لم تبن عن طريق تشريك أصحاب القضية وإنما عبر عدد من الخبراء أو بالاعتماد على تجارب دول أخرى.
ومن جهته أفاد رئيس جمعية “إبصار لثقافة وترفيه ذوي وذوات الإعاقة البصرية” محمد المنصوري أن صاحب الإعاقة لا يحتاج اليوم إلى المساعدات الاجتماعية فقط بل هو في حاجة ملحة إلى الإقرار بأهمية دوره في التسيير وإبداء الرأي في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الأنشطة.
المرأة ذات الإعاقة حظوظها في الزواج قليلة جدا مقابل الرجل
وقال إن منظمات حقوق الإنسان ومختلف الجمعيات التي تهتم بالمرأة لم تشرك النساء ذوات الإعاقة في أنشطتها وتظاهراتها، مبرزا استعداد جمعيته للاضطلاع بدورها لتحقيق التواصل بين مختلف مكونات المجتمع المدني وذوي الاحتياجات الخصوصية والمساعدة على إدماج النساء المعوقات في جميع الأنشطة الجمعياتية. وحث رئيس الجمعية مختلف الأحزاب السياسية إلى الاهتمام بفئة الأشخاص حاملي الإعاقة والإنصات إلى مشاكلهم ومشاغلهم والنظر إليهم كمواطنين تونسيين لا اعتبارهم عددا إضافيا للتصويت خلال الانتخابات، وفق قوله.
كما اعتبرت نائبة رئيسة جمعية “إبصار لثقافة وترفيه ذوي الإعاقة” بسمة السوسي في تصريح لإذاعة محلية على هامش مشاركتها الجمعة 7 أكتوبر 2022 في التحرّك الاحتجاجي الذي نفّذته الديناميكية النسوية أمام مقرّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أنّ المرسوم عدد 55 المنقح للقانون الانتخابي أقصاها من حقّها في المشاركة في الحياة السياسة، قائلة “أنا مواطنة حرّة ومسؤولية ولدي رغبة في المشاركة في الحياة السياسية، المرسوم عدد 55 أقصاني من حقّي”.
وشدّدت السوسي على أنّ نساء حاملات لإعاقات سيترشحن للانتخابات التشريعية.
كما أبرزت السوسي أنّ منع التمويل العمومي سيقلص من حضور المرأة وأنّ الاقتراع على الأفراد لا يخدم النساء بل أصحاب النفوذ، معتبرة أنّ المرسوم لم يخصّ بالذكر ذوي وذوات الإعاقة وأنّه لم يكن تشاركيا “وفُرض علينا فرضا”، معبّرة عن رفضها للمرسوم.