الوشم في الصين مساحة حرية للنساء

تعتبر الصينيات أن الوشم فرصة للتعبير عن أنفسهنّ حتى بات مرادفا لحريتهن في الوقت الذي تتقلص فيه أمامهنّ مساحات التعبير الأخرى، فعندما تختار الصينية صورة لتضعها على جسمها تريد أن يتمكن الناس من رؤية ما ترغب في التعبير عنه.
بكين - على مدى أكثر من عامين كانت فنانة الوشم الصينية سونغ جياين توفّر لزبوناتها فرص التعبير عن أنفسهنّ، وتعكس مئات الشهادات التي باتت منشورة على الإنترنت ذكرياتهنّ وآمالهنّ ومخاوفهنّ أيضاً.
وتتنوع الرسوم التي تنقشها الفنانة على أجساد من يقصدنها، تماماً كالدوافع التي تحفزهنّ على طلب وشم، فيمكن أن تمثّل غروب الشمس أو حيواناً أليفاً محبوبا أو شيئا آخر. وباتت رسوم الوشم مرادفاً أيضاً لحرية النساء الصينيات في الوقت الذي تتقلص فيه أمامهنّ مساحات التعبير الأخرى.
وتقول سونغ جياين (39 عاماً) “عندما تسعى الواحدة إلى الحصول على وشم، وعندما تختار صورة مختلفة لتضعها على جسمها، فلسان حالها يقول: أنا أتحكم في جسدي”.
ففي الصين كان الحزب الشيوعي الحاكم يحاول دائما التدخل في شؤون النساء، مثل اتخاذ قرارات تتعلق بأجسادهن، ومن أبرز وجوه ذلك فرض سياسة الطفل الواحد التي صرف النظر عنها لاحقاً.
◙ في المجتمع كما في وسائل الإعلام الحكومية، لا تزال القيم المحافظة تشكل القاعدة إذ تطلق الأحكام على النساء بناء على مظهرهن
ومنذ أن تولّى شي جينبينغ السلطة عام 2012 اشتد القمع وانتهاك حقوق الناشطات النسويات. وعمدت السلطات إلى حل منظمات غير حكومية، واعتقال شخصيات من هذه المنظمات، وتعليق حساباتهنّ على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي المجتمع كما في وسائل الإعلام الحكومية، لا تزال القيم المحافظة تشكّل القاعدة، إذ تُطلق الأحكام على النساء بناءً على مظهرهن ودورهن كأمهات بصورة رئيسية.
وأطلقت سونغ جياين، التي تصف نفسها بأنها نسوية، مشروعها لجمع الشهادات بهدف توفير وسيلة تعبير للنساء. وتقول "أريد أن أوفّر لهنّ منصة أكبر، كي يتمكن المزيد من الناس من رؤية ما يرغبن في التعبير عنه".
وتبدأ كل مقاطع الفيديو هذه التي جمعتها تحت عنوان "1000 فتاة"، ونشرت على شبكة اجتماعية صينية ذات قاعدة شعبية واسعة، بالسؤال نفسه "ما هو برجك الفلكي؟".
لكنّ المحادثة لا تلبث أن تصبح أكثر عمقا وتكشف فيها النساء اللواتي تجرى معهنّ المقابلات عن أفكارهن الخاصة بمجال الصحة النفسية أو مسائل النوع الاجتماعي أو قلقهن من الشيخوخة أو وفاة أحبائهن.
وفي مشغل فنانة الوشم المليء بالكتب تعرب لياو جينغيي (27 عاماً) عن سعادتها بالمشاركة في المشروع، ولكن أيضاً بالحصول على وشمها الأول. وتبدو لياو حابسةً أنفاسها وهي مستلقية، بينما تظهر تباعا على ربلة ساقها ملامح أمواج متلاطمة وصخرة ترسمها الإبرة على جلدها. وخطرت لها هذه الفكرة بعد محادثة مع أستاذ كانت معجبة به في الجامعة، قال لها خلالها إنها يجب أن تحاول أن تكون "صخرة لم تتآكل حوافها".
ومع أن الوشم بات شائعا في أوساط الأحياء الغنية في المدن الصينية، يبقى الإقدام على هذه الخطوة أمراً غير سهل بالنسبة إلى المرأة؛ فالفئات المحافظة في المجتمع لا تزال تنظر إلى المرأة الموشومة أو ذات المظهر غير التقليدي نظرة ازدراء.
وتجلّى مدى قوة ضغط المجتمع الصيني على المرأة في انتحار شابة بعد تعرضها لمضايقات عبر الإنترنت بسبب نشرها صورة لها بشعر مصبوغ باللون الوردي.
وتلاحظ الكاتبة ليجيا زانغ أن “المرأة تتعرض للهجوم والتشكيك في أخلاقها عندما لا تمتثل للقواعد السائدة”، وترى في ذلك “أسوأ أشكال التمييز على أساس الجنس”، وهو “نابع من عدم المساواة بين الجنسين”.
◙ رغم أن الوشم بات شائعا في أوساط الأحياء الغنية في الصين لكن الإقدام على هذه الخطوة أمر غير سهل بالنسبة إلى المرأة
وتروي بعض زبونات سونغ جياين أن وشومهنّ أتاحت لهنّ تحدي الأعراف، سواء في المنزل أو في مكان العمل. وتقول امرأة ثلاثينية اختارت وشماً على شكل قوس قزح إنها تخلت عن الوشم عندما كانت أصغر سنا لأن حبيبها هددها بتركها.
وتخبر طبيبة طلبت رسما مستوحى من زهور أجدادها الأرجوانية بأن الكثير من المرضى في المستشفى الذي تعمل فيه يعتبرون أن الطبيب الموشوم “لا يبدو على قدر كافٍ من المسؤولية”.
وتتذكر فنانة الوشم أنها تأثرت بما قالته لها امرأة أربعينية: “لقد كنت أماً وزوجة، أما الآن فهل يمكنني أن أكون نفسي وأنقش على جسدي الوشم الذي أريده؟”.
ونقشت سونغ جياين، بالقرب من مرفقها، وشماً ذا دلالة خاصة، هو عبارة عن سلسلة مكسورة، تحيةً لشياوهامي، وهي امرأة عُثر عليها العام الفائت في الريف الصيني وحول رقبتها سلسلة وقفل.
وقد أثار العثور عليها غضباً وتأثراً واسعين في الصين إذ يُعتقد أنها ضحية للاتجار بالبشر. وتقول فنانة الوشم “أعتقد أن أي امرأة ترى هذا، وتعرف خصوصاً أنها أُجبرت على إنجاب ثمانية أطفال، ستشعر بالحزن".
وطلبت الكثيرات من زبونات الفنانة التصميم نفسه على أجسادهنّ. وتختم سونع جياين قائلة "أعتقد أننا نناضل منذ مدة طويلة. المرأة تكافح من أجل حقوقها منذ زمن طويل".