الورق في قفص الاتهام بـ"محكمة البيئة"

صناعة الورق واحدة من أكثر الصناعات الضارة بالبيئة، من حيث استخدامها المفرط للمياه واستهلاكها للأشجار والطاقة.
الخميس 2023/10/26
ثمنه شجر وماء وطاقة

الرباط -  يحتل الورق، وهو مادة استهلاكية متعددة الاستخدامات، لكن البصمة البيئية التي تولدها صناعته غالبا ما تتم الاستهانة بها، إلى درجة أن الاستخدام المفرط له يثير قلقا حقيقيا في الأوساط البيئية.

وتعد صناعة الورق واحدة من أكثر الصناعات الضارة بالبيئة بوجه عام، سواء من حيث استخدامها المفرط للمياه في مراحل الصناعة، أو من خلال استهلاك الغابات، كما أنها تعتبر خامس أكبر قطاع مستهلك للطاقة في العالم.

ويُعدّ اليوم العالمي بدون ورق، الذي يتم الاحتفال به في الخامس والعشرين من أكتوبر من كل سنة، مناسبة مهمة للوقوف على أهمية العمل على ترسيخ ثقافة الاستهلاك المعقلن للورق، لاسيما على مستوى المؤسسات الكبرى والإدارات العمومية، واستكشاف حلول بديلة لاستهلاكها المفرط.

وتمثل هذه الحملة السنوية تحديا خاصا بالنسبة للشركات والإدارات، وإن كان بإمكانها العمل بدون ورق لمدة 24 ساعة، وإذا أمكن، هل يمكنها الاستغناء عنه لبقية العام؟

والحقيقة أن مساهمة الورق في نهضة التنمية الاقتصادية تجعل من الصعب الحديث عن المساوئ التي تسببها صناعته، والتي تتراوح بين استنزاف الغابات، واستهلاك الطاقة، مرورا بانبعاثات الغازات الدفيئة وتلوث الهواء والماء.

ومن الصعب إجراء نقاش حول موضوع ضروري للغاية في الحياة اليومية، ويشمل قطاعات حيوية مثل التعبئة والتغليف والصحة وحتى الغذاء. ويستمر استهلاك الورق على الرغم من التقدم التكنولوجي والبدائل التي يوفرها.

حح

ويرى سعيد شاكري، الخبير في التغيرات المناخية والتنمية المستدامة، أنه غالبا ما ننسى أن الورق هو “خشب تم تصنيعه”، وهو ما يعني بالضرورة استنزاف الموارد الطبيعية.

وأبرز أن نسبة كبيرة من الأشجار المقطوعة في العالم لأغراض صناعية، تستعمل لصناعة الورق، مشيرا إلى أن الإحصائيات في هذا المجال أكدت أن الملايين من الأشجار تقطع سنويا من أجل تلبية حاجيات هذه الصناعة، الشيء الذي يسهم، بشكل كبير، في تقلص مساحة الغابات في العالم، ما تنتج عنه آثار سلبية متعددة على البيئة.

وتتمثل هذه الآثار السلبية، حسب الخبير المغربي، في الرفع من الاحتباس الحراري بسبب إجمالي انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن التصنيع، وتدمير الغابات التي تعد عنصرا مهما في امتصاص ثاني أوكسيد الكربون وتزويد الإنسان بالأوكسجين النقي، بالإضافة إلى تعريض التنوع البيولوجي للخطر، حيث إن العديد من الكائنات الحية تعتمد على الثروة الغابية للبقاء على قيد الحياة.

وأضاف شاكري أن إنتاج الورق يترتب عليه إنتاج النفايات خاصة منها النفايات الصلبة، مشيرا إلى أن المعامل التي تنتج هذه الأوراق غالبا ما تستعمل المواد العضوية، وبالتالي فإن مياه الصرف التي تطرحها تكون أيضا ملوثة بشكل كبير، وتتسبب في تلوث الأنهار والبحيرات.

ويعتبر هذا الخبير أن النهج الأكثر واقعية هو تقليل وتحسين إنتاج واستهلاك الورق. ويمكن أن يشمل تدبير الورق أيضا إعادة الاستخدام وإعادة التدوير، مبرزا أن هناك مبادرات تهدف إلى استبدال طريقة إنتاج الورق، وخاصة تصنيعه على أساس الغبار الصخري، مما يتيح إمكانية الحفاظ على استخدامه مع تقليل بصمته البيئية.

وبالنسبة إليه، فإن الوعي بالحاجة إلى إيجاد بدائل أمر أكثر إلحاحا لأن عملية تصنيعه تتطلب كميات هائلة من الماء، دون أن ننسى أن نفس هذه المياه يتم إطلاقها بعد ذلك في الطبيعة.

وبالنسبة إلى المغرب، فإن هذه الصناعة تؤثر، بطبيعة الحال، على الثروة الغابية في البلاد، لكنها تبقى نسبة صغيرة جدا مقارنة مع دول أخرى، وهذا راجع، بالأساس، إلى كون المغرب يستورد نسبة كبيرة من احتياجاته من الورق والكرتون من الخارج، مشيرا إلى أن أغلب المعامل الموجودة في المغرب تعد معامل لصناعة الكرتون وتستعمل في الغالب أشجارا من غابات غير طبيعية أي أنها غابات تزرع خصيصا من أجل صناعة الورق.

هه

وأبرز أن المغرب خطا خطوات أساسية للحفاظ على البيئة من خلال سنه لعدة قوانين بيئية وكذلك قوانين تساهم، أيضا، في الحد من استهلاك هذه الأوراق المضرة بالبيئة، ولعل القانون الأخير رقم 19 – 55 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية يعد من القوانين التي من شأنها المساهمة، بشكل كبير، في انخفاض استهلاك الأوراق، خاصة بالنسبة إلى الإدارات العمومية التي تستهلك الكثير من الأوراق في معاملاتها.

ودعا الخبير البيئي إلى أهمية التحسيس بمخاطر صناعة الورق، وضرورة التوعية بأهمية استعماله بشكل مستدام، بحيث يستعمل عند الضرورة القصوى وبدون إفراط، مؤكدا أهمية العمل على تطوير التقنيات الحديثة خاصة التخزين الرقمي للمعلومات، وخاصة على مستوى الإدارات والمؤسسات العمومية.

كما طرح شاكري مشكلة نقص الإحصائيات والأرقام بهذا الخصوص، داعيا إلى القيام بتقييم على المستوى الوطني لمعرفة نسب استهلاك الأوراق وتحديد المستهلكين الكبار من أجل التمكن من طرح الحلول المناسبة.

وهكذا، وإن كان الإنتاج والاستهلاك المغربي للورق يبقيان معقولين نسبيا، بالمقارنة مع دول أخرى، إلا أن المجال لا يزال مفتوحا لبذل المزيد من الجهود لتقليص الاستهلاك المسجل في الإدارات العمومية والمؤسسات التعليمية، من قبيل استخدام الملفات الرقمية بدل اللجوء إلى الطباعة، وتبادل المعلومات عن طريق البريد الإلكتروني واستخدام مصادر ورق صديقة للبيئة يمكن إعادة تدويرها.

Thumbnail
16