الوباء يرسخ دولة الحرس الثوري في إيران

استفاد الحرس الثوري الإيراني من سنوات العقوبات التي فرضت على البلاد بسبب برنامجها النووي ليتحول إلى قوة اقتصادية وعسكرية. وبنفس الطريقة يستفيد اليوم من وباء كورونا الذي حصد ومازال أرواح الآلاف من الإيرانيين، ضمن سياسة يحذر الخبراء من أنها قد تنتهي بقيام “دولة الحرس الثوري” في إيران.
طهران- أطلق المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي يد الحرس الثوري لمواجهة وباء كورونا، ليمنح بذلك الحرس الثوري فرصة ثمينة ترسخ قوّته في البلاد التي يتوقع أن تشهد تغييرا في ملامح نظام الحكم فيها.
لكن، يخشى المراقبون ألا يأتي هذا التغيير وفق ما اشتهته رياح المتظاهرين الذين غصت بهم شوارع مدن البلاد منذ نهاية 2017، ولم يقدر على إسكات أصواتهم إلا الجائحة. فالأقرب وفق دراسات وتحليلات متابعة للتطورات في الداخل الإيراني، أن هذا التحول سيكون من دولة المرشد الأعلى إلى دولة الحرس الثوري.
ليست هذه المرة الأولى التي تتحدث فيها الدراسات ومراكز التفكير الغربية عن “دولة الحرس الثوري”، حيث يروج هذا السيناريو منذ بدأ يتصاعد الحديث عن البحث عن خليفة للمرشد الأعلى، الذي يعاني من سرطان البروستات إلى جانب تقدّمه في السن.
لكن وفق الخبراء، الحديث يبدو أكثر جدية اليوم، نظرا لأن إجراءات مواجهة كورونا تمنح الحرس سلطة مطلقة على إدارة كل مفاصل الدولة خاصة بعد أن أعلنت حالة الطوارئ إلى أجل غير مسمى، فيما تبدو الحكومة عاجزة عن تحقيق أي اختراق يذكر وتلعب أدوارا ثانوية في مواجهة الجائحة.
ساعد الوباء في تمكين الحرس الثوري. وأشرفت مؤسساته على أدق تفاصيل “الحرب” ضد كورونا من تعقيم الشوارع إلى مراقبة الإنترنت والإشراف على المقر الوطني لمكافحة هذا الوباء، وكذلك تصنيع وإنتاج الإمدادات الطبية والوقائية وأجهزة التنفس الاصطناعية.
سيطرة مطلقة
وفق سعيد جولكار، أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية والخدمة العامة في جامعة تينيسي، قام الحرس الثوري باستدعاء قواته الخاصة ومختلف عناصر ميليشيا الباسيج. وتمكّن من حشد نحو 600.000 عنصر للمساعدة في احتواء الفايروس في كافة أنحاء البلاد. كما شكّل ثماني لجان في كلّ مقر من مقرات المحافظات، وأُنيطت بها المهام التالية:
• لجان الأمن والمخابرات: تفتيش المستودعات بحثا عن لوازم طبية مكدّسة، واعتقال الأشخاص الذين ينتقدون رد النظام على تفشي المرض، وما شابه ذلك من مهمات.
• لجان التطهير: تطهير الأماكن العامة.
• لجان التعليم: إنتاج مواد تربوية حول الوباء وطرق احتوائه.
• لجان الفحص: إجراء فحوصات الفايروسات في جميع المنازل.
• اللجان اللوجيستية: تصنيع المعدات الأساسية مثل الأقنعة والمعقّمات اليدوية.
• اللجان التنفيذية: مساعدة النظام على ضبط حركة المدنيين وفرض الحجر الصحي.
• اللجان الثقافية: تأدية مهام مختلفة كتوزيع نسخ من “الصحيفة السجادية” التي تتكوّن من مجموعة أدعية أوصى خامنئي الناس بتلاوتها خلال الأزمة.
• لجان إدارة الرأي العام: إنتاج المحتوى (على سبيل المثال، المجلات ومقاطع الفيديو القصيرة) الذي يروّج لجهود الحرس الثوري -“الباسيج” لمكافحة الفايروس.
ويبدو واضحا من خلال هذه المهمات تغييب الحكومة والرئيس حسن روحاني، الذي يعتبر الأولى بالإشراف على هذه اللجان ومتابعة ما يطلق عليه المرشد الأعلى “الحرب البيولوجية” ويؤيده في ذلك الحرس الثوري، الذي يبرر دوره بأنه تدخل دفاعي ضد هجوم بيولوجي.
وهنا، يلفت سعيد جولكار، في تحليل نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إلى أن معادلة النظام تختل في إيران، حيث يصبح المرشد الأعلى شيئا فشيئا “دمية يحرّكها الحرس الثوري. وفي الواقع، قد تستغني القيادة العسكرية حتى عن المنصب بالكامل”.
ويدعو جولكار إلى مراقبة التوسع الحاصل بين “وحدات الحرس الموزعة بين المحافظات”، مع التركيز على الدور البارز الذي قد يؤديه الحرس الثوري في إيران بعد رحيل خامنئي.
خلافات داخلية
ضاعف هذا الوضع من الصدع الحاصل بين الحكومة والمرشد الأعلى، الذي أثبت أنه لا يثق إلا في الحرس الثوري، وهو الذي استنجد به في بداياته حين لم يحظ اختياره بتأييد كبار الشخصيات في النظام الإيراني؛ فيما تبدو الحكومة كبش الفداء الذي يواجه غضب الشعب في كل مرة. وقد أضحت الجائحة دليلا آخر على التباين بين طرفي الحكم في البلاد.
ويمكن أن يستدل على ذلك من خلال تصريح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، المحسوب على تيار الاعتدال، حيث قال في خطاب بمناسبة عيد النوروز (رأس السنة الفارسية)، إن إيران بحاجة إلى “إعادة بناء أسلوبها في الحكم” لمواجهة العقوبات والفايروس.
واعتبر المحافظون أن دعوة ظريف تستهدفهم بشكل كبير، وهم الذين عارضوا بشدة الاتفاق النووي الذي يحسب لظريف التوصل إليه مع قوى خمسة زائد واحد، قبل انسحاب الولايات المتحدة منه. ومما زاد من غضب المحافظين دعوة ظريف الإيرانيين في إلى المساهمة في دعم البلاد في هذا الظرف قائلا إن “الحدود لا تفصل بين أولئك داخل الأراضي الإيرانية وخارجها”، حيث اعتبر أن كل من يواجه العقوبات والفايروس إيراني.
في المقابل، وفي خطاب لنفس المناسبة دافع خامنئي، الذي تحدث على غير ما جرت به العادة أمام كاميرات قنوات حكومية عوضا عن إلقائه أمام حشد من أنصار النظام في ضريح الإمام الرضا في مدينة مشهد، عن نموذج الحكم الديني في إيران، ورفض المساعدات الأميركية مكررا حديثه عن المؤامرة الأميركية في نشر الوباء. وشدد خامنئي على أن “المسؤول الحكومي المثالي يجب أن يعيش وفقا للشريعة الإسلامية”. “كما أكد على أهمية الشباب، لأنه كلما زاد امتثالهم للقانون الديني قلت فرص خيانتهم”.
وفي قراءته لما بين سطور الخطابين، قال سينا توسي، محلل الشأن الإيراني في مجلة فورين أفيرز، إنهما يقدمان وجهات نظر متضاربة تحدد خط الصدع السياسي الذي امتد لعقود، لافتا إلى أن إحدى مدارس الفكر في إيران (يمثلها ظريف) تتطلع إلى نظام سياسي أكثر انفتاحا وسياسة خارجية تهدف إلى حل النزاعات من خلال الدبلوماسية، في حين تسعى الأخرى إلى تعزيز الحكم داخليا ومضاعفة القوة الصارمة في الخارج.
ويتبنى خامنئي والمعسكر المحافظ في طهران الرأي الثاني، ومن أجل ترسيخه يبدو هذا المعسكر مستعدا لتقدّم الحرس الثوري الصف وقيادة البلاد كما قال سعيد جولكار، وأكّد عليه أيضا الباحث في الشأن الإيراني مهدي خلجي بقوله “مُنحت قوات الحرس الثوري سيطرة غير مسبوقة على البلاد”.
ويضيف خلجي، في تحليل بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، والذي يعدّ مركز الأبحاث غير الرسمي للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، أن “الوباء جعل إمكانية قيام سيناريو الخلافة الأكثر احتمالا حتى الآن، ذلك الذي يلعبه الحرس الثوري الذي سيؤدي الدور الرئيسي في إيران في مرحلة بعد خامنئي”.
واعترف علي رضا عرافي، مدير مركز إدارة المعاهد الدينية، أن رجال الدين يدعمون ببساطة الحرس الثوري في المعركة ضد فايروس كوفيد – 19، مشيرا إلى أنهم يُصلّون من أجل عظمة ومجد الحرس الثوري. وكان وقع أزمة كوفيد – 19على إيران شديدا، لكن، ليس هناك ما يشير إلى أن الوباء سيقود المتشددين إلى الانهيار. فبدلا من ذلك، قد لا يحصل روحاني وظريف على فرصة أخرى أمام الشعب الغاضب، والذي يواجه الموت يوميا بسبب الفايروس وأيضا بسبب الفقر والجوع.