الوباء يحيي السؤال.. هل الكحول والتبغ مواد ضرورية؟

جوهانسبرغ – أثار حظر حكومات عدة في إطار مقاومة فايروس كورونا بيع الكحول والتبغ استياء طيف واسع من مواطني عدة دول، كما أحيا الكثير من الأسئلة عن تصنيف هذه المواد، فهل هي ضرورية أم أنها ثانوية يمكن الاستغناء عنها في الظروف الاستثنائية والقاهرة.
وتبرر الحكومات اتخاذ قرار منع بيع الكحول والتبغ جاء للمحافظة على صحة المواطنين، وأنه نابع من الحرص على تفادي تجمّعات مشتري هذه المواد التي تعتبر غير أساسية، علاوة على كونها أثبتت وفق الكثير من الدراسات أنها من أهم مصادر ارتفاع نسب الجرائم.
وجرى تقييد مبيعات الكحول في أجزاء من تايلاند وغرينلاند وغرب أستراليا. كما ذهبت الهند إلى حظر بيع هذه المواد في كل أنحاء البلاد، وهناك حظر في جنوب أفريقيا على منتجات التبغ.
وقال وزير الشرطة بيكي سيلي في جنوب أفريقيا في بيان موضحا الموقف بعد ارتباك واسع النطاق حول سبب ضرورة هذا الحظر “السجائر ليست مادة أساسية وبيعها محظور في جميع أنحاء البلاد”. وأضاف لصحيفة سيتي برس المحلية أنه يتمنى أن يمنع المشروبات الكحولية بعد انتهاء الإغلاق أيضا. وهو يعتقد أن الحظر سيخفّض من معدل الجريمة.
وبالإضافة إلى شكاوى بعض سكان جنوب أفريقيا -الذين لا يُسمح لهم أيضا بالركض أو التنزه مع كلابهم- ويشعرون بالقلق بشأن مخزونهم المتضائل، هناك مخاوف بالنسبة لأولئك الذين قد يعانون من أعراض الانسحاب.
وقال البروفيسور جيه بي فان نيكيرك، مؤسس مبادرة سياسة مكافحة المخدرات في جنوب أفريقيا “على الرغم من أن اللوائح التي تحظر بيع الكحول والسجائر تم وضعها بأفضل النوايا، إلا أنه لم يتم النظر في ضررها المحتمل بشكل كاف”. كما أعلن الوزراء المشاركون في فريق عمل معني بأزمة فايروس كورونا في جنوب أفريقيا أن التدابير، التي تحمل غرامات باهظة أو قضاء عقوبات بالسجن، تهدف إلى تحسين التباعد الجسدي.
لكن نشطاء حقوق الإنسان يشعرون بأن القيود تتعلق أكثر بفرض السلطة أكثر مما تتعلق بالصحة، وأنه ظهرت تقارير عن وحشية الشرطة. وقال فان نيكيرك إن “تجارب مثل فترة حظر الكحوليات في الولايات المتحدة علمتنا أن حظر المواد لا يوقف استخدامها بل يدفع بهذه الأنشطة إلى أيدي المجرمين”.
وأضاف “كثير من الناس الذين يدخنون السجائر ويتناولون الكحول يعتمدون عليها، ويعتبرون أنها من الضروريات اليومية، وحرمانهم منها مسألة تتعلق بحقوق الإنسان”. وتوجد أيضا مخاوف من أن أولئك الذين لم تكن لديهم قدرة على تخزين كميات من المشروبات الكحولية يمكن أن يشرعوا في تصنيع منتجاتهم الخاصة -باستخدام مواد تعقيم اليد، على سبيل المثال- والتي قد يكون لها آثار صحية خطيرة.
وكتبت الدكتورة ليندري هاتينج في على موقع مافيريك المحلي “الحظر المفاجئ على مبيعات الكحول ونقلها ستكون له عواقب على الصحة العقلية أيضا”، مضيفة أنه تم إلغاء مجموعات الدعم مثل “مدمني الكحوليات المجهولين” وأن الانسحاب يمكن في الحالات الشديدة، أن يكون مميتا.
وفي الهند، حيث تم حظر بيع المشروبات الكحولية خلال عملية الإغلاق المستمرة في البلاد لمدة ثلاثة أسابيع منذ 24 مارس، لاحظت السلطات زيادة في حالات الانتحار في ولايات معينة.
ووفقا لوسائل الإعلام المحلية، انتحر تسعة أشخاص على الأقل في ولاية كيرالا، وهي واحدة من الولايات التي لديها أعلى استهلاك للفرد من المشروبات الكحولية. قالت شرطة ولاية كيرالا أنها تشتبه في أن هذا يرجع إلى عدم قدرة الأشخاص على التعامل مع أعراض الانسحاب.
وأصدرت سلطات ولاية كيرالا في وقت لاحق أمرا للأطباء بكتابة وصفة بتناول المشروبات الكحولية لأولئك الذين يعانون من الانسحاب، ولكن تم تعليق هذه الخطوة من قبل المحكمة العليا في الولاية. ولجأ ممثل بوليوود ريشي كابور إلى موقع تويتر مناشدا السلطات “يجب على الحكومة أن تفتح لبعض الوقت جميع متاجر الخمور المرخصة… رجال الشرطة والأطباء والمدنيون وما إلى ذلك يحتاجون إلى بعض الراحة”، مضيفا أن الكحول متاحة بالفعل بأسعار مرتفعة في السوق السوداء.

وفرضت حكومة غرينلاند التي تتمتع بالحكم الذاتي حظرا مؤقتا على المبيعات في العاصمة نوك، وفي منطقتين قريبتين للمساعدة في تجنب تفشي فايروس كورونا المستجد. وقال هانز-بيدر كريستنسن، السكرتير الدائم لمكتب رئيس وزراء فرينلاند، لـ(د.ب.أ) إن ذلك “إجراء وقائي”. وأضاف أنه لم يتم اتخاذه بسبب حدث وحيد، ولكن كجزء من الإجراءات الشاملة التي اتخذتها سلطات جرينلاند للقضاء على الفايروس حيث “أنه عادة ما يزول الشعور بالمسؤولية عندما تتناول الكثير من المشروبات الكحولية”.وتخشى سلطات نوك أن الأشخاص لا يحافظون على مسافة كافية من بعضهم البعض عندما يتناولون الشراب في حفلات منزلية، مما يزيد من خطر الإصابة بالعدوى.
وقالت الحكومة إن إحدى النتائج الأخرى للحظر هي الانخفاض الحاد في حالات العنف المنزلي التي يتم الإبلاغ عنها. وأوضح كريستنسن، أن الناس في غرينلاند يؤيدون حظر مبيعات الكحوليات.
كما أعلنت ولاية أستراليا الغربية قيودا على المبيعات في محاولة لمنع زيادة المشاكل المتعلّقة بالكحول والتي من شأنها أن تهدر خدمات الطوارئ وتفرض ضغوطا على النظام الصحي.
وشدد مارك ماكجوان، رئيس وزراء الولاية، على أنه ليس حظرا، حيث لا يزال بوسع السكان شراء ما يصل إلى 100 مشروب قياسي في اليوم من الناحية الفنية.
وقال متحدث باسم منظمة الصحة العالمية إن المنظمة تشجع البلدان على اتخاذ تدابير قوية على صعيد الصحة العامة، والتي يمكن أن تشمل قيودا على استهلاك الكحوليات. وأضاف أن “تناول أي نوع من المنتجات الكحولية لا يمنع فايروس كورونا أو يعالجه تحت أي ظرف من الظروف. علاوة على ذلك، فإن تناول الكحوليات أيضا ليس آلية جيدة للتكيّف مع الموقف”، لأنه معروف أنه يزيد أعراض بعض الاضطرابات، كما يزيد خطر حدوث العنف الأسري.