الوباء والتحول الرقمي وتخفيض النفقات تقلب الوضع المالي لوكالة فرانس برس

استطاعت وكالة فرانس برس تجاوز العقبات التي تعترض المؤسسات الإعلامية في أنحاء العالم بسبب فايروس كورونا، وحققت ربحا تجاريا بفضل خطة وضعتها منذ أكثر من عامين تضمنت التحول الرقمي وتخفيض النفقات وتسريح موظفين طوعيا.
باريس - أعلنت وكالة فرانس برس في بيان أنها سجلت زيادة طفيفة جدا في مداخيلها التجارية، ما جعلها تحقق ربحا “تاريخيا“ في العام 2020 بفضل خطة التحول التي بدأتها منذ سنتين وتخفيض النفقات خلال جائحة كوفيد – 19، في وقت تواجه فيه مؤسسات إعلامية عديدة شبح الإغلاق.
وبلغت العائدات التجارية 166.4 مليون يورو العام الماضي بارتفاع نسبته 0.5 في المئة.
وهذا الارتفاع لافت في مرحلة الأزمة الراهنة وهو عائد إلى دينامية “التحقيق الرقمي” (خدمة التحقق من صحة الأخبار)، وبدرجة أقل خدمة الفيديو، ما يعوّض تراجع الإيرادات المرتبطة بالصحافة المكتوبة.
وتمكنت وكالة فرانس برس من خفض النفقات التشغيلية بمبلغ 9.2 مليون يورو.
وكان ذلك ممكنا بفضل خطة لخفض النفقات بوشرت قبل سنتين وأقر مجلس إدارة الوكالة في عام 2018 خطة إنعاش تجاري تستهدف جذب ألف مشترك بحلول 2021، رغم تشكيك البعض ببلوغ هذا الرقم، حيث أفاد بيان لممثلي العاملين بالوكالة في مجلس الإدارة بأن “بعض المديرين أبدوا قلقهم بشأن إمكانية تحقيق هذا الهدف”.
وتبنى رئيس مجلس إدارة الوكالة فابريس فريس في بداية تسلمه مهامه عام 2018 خطة تهدف إلى إلغاء 125 وظيفة خلال خمس سنوات دون تسريح إلزامي، في إطار “خطة تغيير” تهدف إلى إعادة التوازن في ميزانية المؤسسة في 2021.
ونصت الخطة التي قدمها فريس على عدم استبدال 160 موظفا سيغادرون في شكل طبيعي مع إرساء آلية تشجيع على المغادرة (علما بأن هناك 258 موظفا سيبلغون سن التقاعد بحلول 2023 ثلثاهم من الصحافيين) وبالتوازي مع ذلك توظيف 35 موظفا جديدا.
وبهذه الإجراءات تسعى الإدارة إلى تقليص قيمته 16.5 مليون يورو لنفقات الوكالة في 2023 منها 14 مليون يورو على صعيد أعباء الموظفين.

فابريس فريس: أرباح عام 2020 ستستخدم لتسريع تسديد دين الوكالة
وطبقت الإدارة في إطار “خطة التغيير” هدف نمو الأنشطة المعلن لتوفيـر 30 مليون يورو من العائدات التجارية الإضافية خلال خمس سنوات حتى عام 2023 بفضل استثمارات في الفيديو والصورة خصوصا.
ولتمويل هذه الخطة التي ستكلف 21 مليون يورو بحلول 2023، منها 13 مليون يورو لإجراءات مواكبة المغادرة و8 ملايين للاستثمارات، طلبت وكالة فرانس برس أن يتم تمكينها من الحصول على مساعدة صندوق تغيير العمل العام بقيمة 17 مليون يورو.
وأجرت الوكالة مباحثات مع الدولة بهدف الحصول على المزيد من الدعم لتطور قدراتها. وقدرت إدارة الوكالة حاجاتها بـ60 مليون يورو خلال خمس سنوات.
ولاحقا تم اعتماد “اقتصاد (في الإنفاق) ناجم عن جائحة كوفيد – 19 التي أدّت إلى خفض التنقلات الدولية والنفقات المرتبطة بالأحداث الرياضية الرئيسية.
وسمحت هذه العناصر لوكالة فرانس برس بتسجيل ربح تشغيلي قدره 8.9 مليون يورو وربح صاف بلغ 5.3 مليون، “وهو مستوى تاريخي” للوكالة التي عانت لفترة طويلة من أجل إحلال التوازن في حساباتها.
وفي 2019 عادت لتسجّل أرباحا للمرة الأولى منذ 2013 مع 0.4 مليون يورو.
وبحسب ما جاء في البيان، أما السنة الحالية فتشبه بداياتها العام 2020 مع عائدات تجارية تسجل ارتفاعا واستمرار السيطرة على النفقات “بسبب خطة التحول والجائحة”.
وقال فريس “تعود وكالة فرانس برس إلى مسار صحيح”، مشيرا إلى أن أرباح العام 2020 ستستخدم لتسريع تسديد دين وكالة فرانس برس.
وقال إن دين الوكالة الطويل الأمد بلغ 50 مليون يورو العام 2017 وقد يخفض إلى 26 مليونا في 2023. وأضاف أنه في حال تأكد ذلك “سنكون قد خفضنا المديونية بالنصف على ست سنوات”.
واعتبر بيان فرنس أن خدمة التحقق من صحة الأخبار هي أحد أسباب هذا النجاح، فمع الانتشار المتزايد للأخبار الكاذبة والتضليل الإعلامي في العالم، وخصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أنشأت وكالة فرانس برس موقعا مخصصا للتثبّت من صحّة معلومات مختارة يجري تداولها على نطاق واسع.
ويتولّى تشغيل هذا الموقع صحافيون من الوكالة يعكفون على التحقّق من أخبار شائعة والتدقيق فيها، وكشف الظرف الذي قد يخرج المعلومة من سياقها.
وبما أن الخدمة يشرف عليها صحافيون من الوكالة فإنها لم تكلف نفقات إضافية، وفي نفس الوقت حققت انتشارا واسعا وبرزت من بين منصات للتحقق من الأخبار، لاسيما في العالم العربي مثل منصة مسبار، منصة أكيد، موقع فالصو وغيرها.
ويقوم هذا العمل على اعتماد الحيادية والابتعاد عن الأحكام المسبقة للتحقق من المعلومات المشكوك بصحّتها.
رئيس مجلس إدارة فابريس فريس تبنى في بداية تسلمه مهامه خطة تهدف إلى إلغاء 125 وظيفة خلال خمس سنوات دون تسريح إلزامي
ويختار الصحافيون الأخبار المشتبه فيها بناء على معايير عدّة منها أهميّتها وانتشارها وتأثيرها على النقاش العام، في ما يتوافق مع مهمّة وكالة فرانس برس القائمة على بثّ “أخبار صحيحة ومحايدة وذات صدقية”.
وتساهم مكاتب الوكالة وصحافيوها في مختلف أنحاء العالم بهذا العمل، ويلتزمون خلاله بالقواعد المهنية والأخلاقية التي تعتمدها الوكالة منذ تأسيسها.
وتقصي صحّة الأخبار هو جزء من نشاط وكالة فرانس برس، وتتوسّع هذه الخدمة في الوكالة يوما بعد يوم، وهي تصدر تقاريرها الآن بتسع لغات على هذا الموقع.
وأوضحت جويس حنا من فريق تقصي الأخبار في فرانس برس في حديث لـ”شبكة الصحافيين الدوليين” أنّ “فريقا من الصحافيين في مكتب الوكالة الفرنسية في بيروت يعمل على تقصي الأخبار منذ إطلاق المشروع في فبراير 2019، بعدما كانت الوكالة قد أطلقت مشروعا مماثلا في فرنسا عام 2017”.
وأشارت حنا إلى أنّ الفريق خضع لتدريبات مكثفة حول طرق الاستقصاء والتدقيق بالمعلومات والتحقق من الأخبار.
وأضافت “نتحقق من الأخبار المضللة التي تنتشر باللغة العربية في جميع أنحاء العالم”، ولفتت الى أنّ الخبرة في العمل الصحافي والمعلومات التي يمتلكها الصحافيون تساعدهم على اكتشاف علامات التضليل في خبر ما أو أن يلفت نظرهم عنصر ما مضخّم في فيديو مثلا، ما يدفعهم للتحقق من صحته، مثل حجم صاروخ في الفيديو.
كما تعاونت الوكالة مع مجموعة فيسبوك، أبرمت عقدا لم يتم توضيح قيمته، لتعقّب الأخبار الخطأ المنتشرة على الموقع وتخفيض نسبة المشاهدة للصفحات الناشرة لها وإبلاغ المستخدمين الراغبين بمشاركة هذه الأخبار بأنها غير صحيحة.
ويفيد هذا العقد مع فيسبوك في كبح انتشار الأخبار المغلوطة، لكنه لا يؤثّر بأي حال على المحتوى والقرارات التحريرية لوكالة فرانس برس.
وانضمت وكالة فرانس برس في التاسع من يناير 2018 إلى ميثاق مبادئ الشبكة الدولية لتقصي الحقائق الذي وضعه معهد “بوينتر” الرائد للصحافة في فلوريدا.