الهوية الفلسطينية تفوح من الطعام في القدس

رائحة الطعام لا يمحوها التاريخ ولا تفوقها لا رائحة البارود ولا لكنة اللغة، فطبق الحمص وطبق المجدرة وغيرهما من الأطباق العربية التراثية تأسر قلوب الإسرائيليين، فيقرّون بعراقتها من خلال معرض في بالقدس.
القدس ـ تتنقل سارة من مدينة موديعين وسط إسرائيل بسعادة غامرة بين موائد الطعام لتذوق الأطباق العربية ضمن معرض الطعام العربي التاريخي الذي يقام في متحف الفن الإسلامي في مدينة القدس.
وقالت سارة بابتسامة وهي تتذوق طبق الحمص الذي تم إعداده بناء على وصفة من القرن الرابع عشر، ومزين بالمكسرات المحمصة والفستق كما كان يقدم في العصور الوسطى “أعشق الطعام العربي، إنه رائع وصحي أيضا، لقد جربت أصنافا عديدة ضمن المعرض”.
وأضافت سارة التي تشارك في المعرض للمرة الأولى لوكالة أنباء شينخوا “أغلب الطعام الذي جربته لا يحتوي على التوابل، فقط القليل من الملح والفلفل، وهذا شيء جيد جدا للصحة”.
من جانبها، قالت الزائرة أورنا “أحب تجربة الأشياء الغريبة، والطعام العربي الشرقي يلقى رواجا بيننا (الإسرائيليون)”، مشيرة إلى أنها ستقترح على ابنها الذي يعمل في مهنة الطبخ زيارة هذا المعرض.
ويحمل المعرض الذي افتتح مؤخرا اسم “قصص النكهات” ويعرض عملية ولادة وتطور المطبخ العربي وفق وصفات من العصور الوسطى من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر ميلادي، وطرق الطبخ التي كانت تستخدم في ذلك الوقت وغير مألوفة لذوق الإنسان الحديث.
المعرض يحتوي على بعض الأواني التي كان يستخدمها العرب في الطهي قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948
ويسير المعرض على خط زمني يبدأ بالطعام البسيط الذي ميز الحياة البدوية في الصحراء، والذي يعتمد بشكل أساسي على حليب الإبل والتمر ولحم الإبل، مروراً بالثقافة الغذائية الغنية التي تطورت في العصور الوسطى حول مدينتي بغداد والقاهرة، والتي شملت ابتكار الوصفات، وبناء قصور السكر، وتأليف كتب الطبخ، وألعاب الطهاة ومسابقاتهم، وصولاً إلى الطعام الذي كان يتمتع به السلاطين العثمانيون.
وقال الطاهي داريو فينوبور، وهو يضع اللمسات الأخيرة على طبق عربي عمره حوالي 1400 عام، “أغلب الوصفات التي قمنا بطبخها في المعرض تبدو مشابهة لما لدينا اليوم من الحمص ولكنها مختلفة بسبب التوابل الموجودة فيها وأيضا استبدلنا الليمون بالخل والجوز”.
وأضاف فينوبور الذي درس على مدار عشرة أشهر طرق إعداد المأكولات العربية استعدادا للمعرض “قمت بإعداد طبق الثريد وهو طبق إسلامي شهير المكون من القمح وشوربة اللحم والخبز”، مشيرا إلى أن هذا الطبق يحتاج إلى طهي لمدة 36 ساعة حتى تذوب كل المكونات داخله لنحصل على مذاق رائع.
وأوضح فينوبور الذي يعمل طاهيا منذ 23 عاما أنه يحب طهو الطعام الآسيوي خصوصا الوصفات القديمة، لافتا إلى أن الطعام الآسيوي القديم يعتمد في طبخه على المياه، وهذا شيء مختلف عن الأطعمة والنكهات الموجودة اليوم في إسرائيل.
وداخل المعرض، عرضت أصناف من الطعام بعضها لم يعد له وجود اليوم مثل سمك سكوابجي، وهو طبق من القرن العاشر الميلادي اختفى من صفحات التاريخ، وطبق صباج نباتي وهو طعام كان ينسب إلى ملوك الفرس في وقت مبكر من القرن العاشر.
المعرض يسير على خط زمني يبدأ بالطعام البسيط الذي ميز الحياة البدوية في الصحراء، مروراً بالثقافة الغذائية الغنية التي تطورت في العصور الوسطى حول مدينتي بغداد والقاهرة
بالإضافة إلى ذلك، عرض الطهاة طبق المجدرة وهي أكلة عربية تراثية تتكون من الأرز والعدس وهو طبق شهير شبيه بالطبق المصري “الكشري”.
وقال محمد عليان مسؤول التسويق في متحف الفن الإسلامي إن المعرض يهدف إلى إظهار تطور الطعام والمائدة العربية والإسلامية عبر العصور، وإطلاع اليهود وغير العرب في إسرائيل على الثقافة الإسلامية.
وأضاف عليان “الأكل العربي يتمتع بميزتين أساسيتين الأولى أنه صحيّ والثانية أنه قليل الكلفة”، موضحا أن الطعام “ثقافة تربط الشعوب ببعضها بعضا، لأن الجميع لديه الفضول لتجربة ما يأكله الآخرون”.
ويحتوي المعرض أيضا على بعض الأواني التي كان يستخدمها العرب في الطهي قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948، كما عرض خلاله فيلم على شاشة للأسواق القديمة التي كانت تبيع الطعام وأواني الطبخ في المنطقة.
واستعرض الفيلم أيضا بعضا من الوصفات التي تم إعدادها وتقديمها للضيوف، في حين حاكى الفيلم طرق إعدادها ومكوناتها عودة للحقبة التاريخية التي اخترعت فيها تلك الأطباق.
وقال عليان إن الفيلم يحاكي طرق إعداد الأطباق كيف بدأت بالأصل وتطورت وصولا إلى اليوم، مضيفا “الفكرة من وراء العرض المرئي خلق تفاعل مع جمهور الزائرين والعودة به بالزمن إلى صور الأسواق القديمة التي كان يباع فيها الطعام كيف بدت عليه الحال حينها، وتداخل الموروث الثقافي والاجتماعي فترتها مع طرق إعداد المأكولات المعروضة”.
وأوضح عليان أن اليهود في إسرائيل أدخلوا إلى مطبخهم العديد من المأكولات العربية، وأضاف أن اليهود تعلموا الكثير من أصول الطبخ من المطابخ العربية التي كانت موجودة هنا قبل عام 1948.