الهوية الإيرانية.. مثيرة لفضول الجمهور ومكبلة لحرية الفنان

تنامي العزلة الجيوسياسية في إيران منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979 لفّ تفاصيل حياة المجتمع الإيراني بغموض يثير فضول كل من لم يزرها، وهو ما جعل الشغوفين بالمعرفة يتعطشون لكل ما يصدر عن الإيرانيين من إبداعات فنية أو دراسات من شأنها أن تكشف حقائق لا تروجها وسائل الإعلام الرسمية، وهو ما جعل المولعين بالفنون التشكيلية مثلا يقبلون على أعمال الفنانين الإيرانيين التي تعكس خصوصيات بلدهم.
الأربعاء 2016/03/23
صورة المرأة الإيرانية تجتذب المتفرج

طهران - عانت أجيال من الفنانين الإيرانيين الذين هاجروا إلى الخارج بحثا عن فسحة من الحرية تتيح لهم ممارسة شغفهم بالفن من ازدواجية الهوية، فمن ناحية هم يحاولون إنتاج أعمال فنية تتطرق للقضايا العالمية، ومن ناحية أخرى يتوقع المتلقي أن تعكس أعمالهم خصوصيات وطنهم.

وأصبح الفن الإيراني مطلوبا في العالم من طرف المولعين بالفنون وخاصة بشراء اللوحات، وهو لأجل ذلك يسعى إلى تعزيز صورته كفن جامع له مواصفات عالمية، ويطرح كل القضايا التي يعيش العالم على وقعها. ويطمح المقبلون على الأعمال الفنية الإيرانية إلى أن يجدوا في الطابع الفني والمواضيع التي تطرحها الأعمال الإيرانية ضالتهم التي يبحثون عنها وخاصة بالنسبة إلى أولئك الذين لم تتح لهم الفرصة للاطلاع عن كثب على الواقع المعيش في إيران.

وتعامل بعض الفنانين مع هذا الانقسام بشكل جيد عبر إيجاد موطئ قدم لهم على الساحة الفنية العالمية. وفي هذا الإطار يشار إلى أنه في العام الماضي نظمت في الساحل الشرقي للولايات المتحدة ثلاثة متاحف كبرى لفنانين إيرانيين هم، شيرين نشأت، برويز تنافولي، ومنير فارمان فارمايان.

ويواجه هؤلاء الفنانين وغيرهم سوقا تنتظر منهم أن يقدموا أعمالا تعكس الواقع الإيراني اليوم، ومن الصعب تحديد مدى استجابتهم لهذه التوقعات، ولكن يعترف جميعهم بأنهم يعانون من نفس المتطلبات التي تفرضها عليهم هويتهم كإيرانيين.

ويقدم الفنان نيكي نجومي، الذي غادر إيران في العام 1980 وهو مقيم في نيويورك، في لوحاته السريالية موضوعات اجتماعية وسياسية، ويقول نجومي في مقابلة مع الغارديان البريطانية إن “المشكلة حول العمل في الولايات المتحدة الآن أن الفنان يواجه هذه الازدواجية، فإما أن تكون حقا فنانا في المطلق دون اعتبار فكرة أنك من إيران التي تفرض عليك إظهار بعض رموز هويتك، كي تكون مقبولا في الساحة الفنية وتشتهر كفنان إيراني لا كفنان عالمي”.

شيرين نشأت: أنا لست سفيرة للمجتمع والشعب الإيراني أو العالم الإسلامي

وتعتبر شيرين نشأت رائدة في نوع جديد من الفن الشرقي اشتهرت به من خلال تصويرها للنساء الإيرانيات. ويقول منتقدو أعمالها إنها تروج لوجهات نظر غربية من خلال التركيز على إظهار الصورة المبتذلة عن إيران. وكانت شرين نشأت صريحة في معارضتها لسياسات الحكومة الإيرانية تجاه الفنانين والنساء، ولكنها ترفض تحمّل مسؤولية الحديث بالنيابة عن نساء بلدها. وتقول “أنا لست سفيرة للمجتمع الإيراني والشعب الإيراني أو العالم الإسلامي، وهذا من منظور شخص عاش في الخارج وتشكلت وجهة نظره من تجاربه الخاصة، ووجهة نظري هي ما أقدمه وهي تمثلني وأنا أتحمل مسؤولية ما أقدم”.

أما بيزهان بصيري فقد انتقل إلى روما في العشرين من عمره لمزاولة تعليمه في المدرسة الفنية. وتغيرت حياته كفنان عندما قام بالمشي على فوهة بركان فيزوف مع أحد زملائه. وما شاهده من قوة بركان ألهمه ووجد صداه في منحوتاته منذ ذلك الحين. وفي عالم الفن، اختار بصيري أن يكون نحاتا يتجنب تماما وصفه بالإيراني. وهو يتحدث قليلا اللغة واللهجة الإيطالية.

وينظر بصيري إلى إيران باعتبارها جزءا من الماضي البعيد ويقول “عندما تكون في الطريق الفني، يمكنك التحرك إلى الأمام فقط وتنقية نفسك ووجدانك وعليك التقدم في هذا الاتجاه دون التوقف ثانية للنظر إلى الوراء”.

الفنانة ترافت تاليباسند ولدت في ولاية أوريغون لأبوين إيرانيين، وعبرت عن شعورها بالغربة كونها امرأة إيرانية تعيش في أميركا. وعبر عناوين مشحونة سياسيا مثل “ويستوكسيكايتد” أو “الأقلية الفاسدة” قدمت تاليباسند نسخة مصغرة عن مشروع صورة المرأة الإيرانية-الأميركية التي تتباهى بالحرية الجنسية والاستقلال، وتقول “أنا لم استخدم قط ورقة الهوية الإيرانية للحصول على عروض، لكنني أعتقد أن أعمالي تزعج الكثير من الإيرانيين، لأنني امرأة إيرانية تعيش في الولايات المتحدة وتقدم العري في أعمالها”.

أما ترانه هيمامي فرغم كونها من بين أولئك الذين يعيشون في ولاية كاليفورنيا لأكثر من ثلاثين عاما، إلا أنها تركز في أعمالها الفنية على التاريخ الإيراني الحديث، حيث تلمح في منحوتاتها ولوحاتها إلى عناصر الدعاية السياسية الإيرانية. وبعد الإشراف على معرض لأعمال الفنانين الإيرانيين الذين يعيشون في منطقة خليج سان فرانسيسكو أدركت ترانه أن صالات العرض فضلا عن وسائل الإعلام، تهتم جمعيها بنوع معين من الفن الإيراني. وتقول “كان هناك أكثر من ثلاثين فنانا إيرانيا في المعرض. فقط تم عرض عملين يحتويان على نساء محجبات، وكان هناك العديد من الصحافيين الذين يرغبون في تصوير قصص صحافية عن المعرض. وكل واحد منهم رغب في أخذ صور لهذين العملين”.

ومن جانبه يقول أمير فلاح الذي ولد في طهران ونشأ في مدينة فيرفاكس بولاية فرجينيا، بعد تخرجه من الجامعة، إن سمعته كفنان إيراني درّت عليه عائدات مالية، مضيفا “أن المثير في نظر الآخرين بالنسبة إلى الفنان الإيراني أنه ينتظر أن يجسد أعمالا فنية حول الحياة القاسية التي عاشها، ويقدم قصصا مثيرة ومشوقة.

ويستفيد الفنانون الإيرانيون المقيمون في الخارج من هويتهم الإيرانية لأنها تثير فضول الجمهور وتجلب أنظاره نحو البحث عن ملامح الحياة الإيرانية، لكنهم في الآن ذاته يتوقون للتحرر من هذا القيد الذي ينفي صفات الإنسانية والعالمية على أعمالهم.

12