الهند تسير على خيط رفيع بين الشرق والغرب

من خلال زيارته التاريخية إلى أوكرانيا سعى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى موازنة علاقات بلاده بين الشرق والغرب. ويتبع مودي دبلوماسية دقيقة في التعامل مع التحالفات الدولية التقليدية بما يضمن مصالح بلاده بعيدة المدى.
نيودلهي - زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أوكرانيا في الثالث والعشرين من أغسطس الجاري في رحلة يُنظر إليها على أنها عمل دبلوماسي متوازن بعد اجتماع مودي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في موسكو الشهر الماضي، والذي أثار الدهشة في كييف والغرب.
وزيارة مودي هي أول زيارة يقوم بها زعيم هندي إلى كييف منذ أن أقام البلدان علاقات ثنائية قبل أكثر من 30 عاما.
ويرى مراقبون أن زيارة مودي إلى كييف تعتبر جزءا من إستراتيجية دبلوماسية أوسع تنتهجها الهند للعب دور أكبر على الساحة الدولية، خصوصا في النزاعات المعقدة التي تشمل قوى عظمى مثل روسيا والغرب. إذ تسعى نيودلهي إلى تحقيق توازن بين مصالحها الوطنية وحفاظها على علاقات متوازنة مع الغرب، حيث يمكن لهذه الزيارة أن تعزز صورة الهند كوسيط محتمل في النزاع، مما يتيح لها دورا أكبر في الجهود الدبلوماسية الدولية لحل الأزمة الأوكرانية.
وكانت الولايات المتحدة قلقة بشكل خاص بشأن زيارة مودي التي استمرت يومين إلى روسيا حيث ترى نيودلهي ركيزة مهمة في إستراتيجيتها لاحتواء الصين الصاعدة.
ويقول المحللون الهنود إن السبب الرئيسي لزيارة مودي هو تعويض الضرر الناجم عن رحلة موسكو في الثامن والتاسع من يوليو، والتي تزامنت مع هجوم صاروخي روسي مميت على مستشفى للأطفال في كييف أثار إدانة دولية شديدة.
زيارة مودي إلى كييف تعتبر جزءا من إستراتيجية دبلوماسية أوسع تنتهجها الهند للعب دور أكبر على الساحة الدولية
وفي توبيخ للكرملين، قال مودي إن موت الأطفال الأبرياء “مؤلم”، مؤكدا موقف الهند المعلن بأن المشاكل السياسية لا يمكن حلها “على ساحة المعركة”.
والأمر الأكثر أهمية هو أن زيارة مودي لأوكرانيا ينبغي النظر إليها كجزء من السياسة الخارجية الهندية متعددة الأوجه المتمثلة في “الاستقلال الإستراتيجي”.
وفي سعيها إلى تحقيق هذا الهدف، تسير نيودلهي على خط رفيع من خلال إقامة شراكة أمنية أوثق مع الغرب، مثل مجموعة الأمن الرباعية التي تضم أستراليا واليابان والولايات المتحدة، كحصن ضد العدو الرئيسي الصين.
وفي الوقت نفسه، تحافظ الهند على علاقات دافئة تاريخيا مع روسيا، وتعتمد على الأسلحة والنفط من موسكو بأسعار مخفضة.
ولهذا السبب اتخذت الهند موقفا محايدا ولم تدن أو تتسامح مع حرب روسيا في أوكرانيا، مؤكدة أن الصراع يجب أن يحل من خلال الحوار والدبلوماسية.
وتخشى نيودلهي أن تؤدي إدانتها لروسيا وانضمامها إلى العقوبات الغربية ضد موسكو إلى نفور الكرملين ودفعه إلى الاقتراب من الصين وباكستان، المنافسين الرئيسيين للهند.
وبالمثل، لا تريد الهند نفور أوكرانيا، بل تريد وضع نفسها كطرف محايد. وفي إطار عملها المتوازن بعناية، استبعد مودي دور الهند كوسيط يهدف إلى إنهاء الحرب، حسبما ذكرت بلومبيرغ نقلا عن مصدر داخلي. وقالت إن نيودلهي وافقت على نقل الرسائل بين بوتين وزيلينسكي.
ووفقا لبلومبيرغ، كانت الهند من وجهة نظر أوكرانيا فعالة في إغراء بعض الدول مما يسمى بالجنوب العالمي إما بالبقاء على الحياد تجاه الحرب أو إظهار الدعم لأوكرانيا.
توسيع التعاون الاقتصادي
الهند تحافظ على موقف محايد بشأن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتعتمد على روسيا في الأسلحة والنفط بينما تسعى إلى إقامة علاقات أوثق مع الغرب
التقى مودي وزيلينسكي آخر مرة في يونيو على هامش اجتماع مجموعة السبع في إيطاليا. كما تحدثا عدة مرات عبر الهاتف منذ بدء الحرب.
وبصرف النظر عن المحادثات حول الجغرافيا السياسية، والتي تجري على خلفية التوغل الأوكراني الأخير في منطقة كورسك في روسيا، ركز الزعيمان على توسيع التعاون الاقتصادي.
وبلغ حجم التجارة الثنائية بين الهند وأوكرانيا 3.3 مليار دولار في السنة المالية 2021 – 2022، وفقا لوزارة الخارجية الهندية، وهو جزء بسيط من حجم التجارة السنوي البالغ 65 مليار دولار بين الهند وروسيا.
وقال زيلينسكي في وقت سابق من هذا العام إن أوكرانيا تريد تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الهند، وخاصة في مجالات الزراعة والطيران والأدوية والصناعة.
وفي المقابل، تحتاج الهند إلى منتجات دفاعية من أوكرانيا، وخاصة محركات الطائرات والبحرية.
وقد تثير زيارة مودي لأوكرانيا رد فعل سلبي من روسيا بطريقة مماثلة لكيفية إثارة زيارته لموسكو غضب واشنطن.
وجاء في تقرير لموقع أويل برايس الأميركي نقلا عن إذاعة أوروبا الحرة أن التحدي الذي يواجه الدبلوماسية الهندية هو ضبط رسائلها الخاصة لتهدئة المخاوف من كلا البلدين، وفي الوقت نفسه تصوير الرحلة كمبادرة جديدة جريئة.
وقال شاشي ثارور، الوزير والدبلوماسي الهندي السابق، في تعليق له في الثالث عشر من أغسطس لموقع بروجيكت سنديكيت “إن تحقيق هذا الهدف سيكون انتصارا جيوسياسيا. ولكن إذا سارت الزيارة على نحو خاطئ، فقد تتسبب في أضرار لا يمكن حسابها للمكانة العالمية للهند”.
وقبل أوكرانيا، زار مودي بولندا، الحليف القوي لكييف، في الثاني والعشرين من أغسطس، وهي أول زيارة يقوم بها زعيم هندي إلى وارسو منذ أكثر من أربعين عاما.
كيف سينظر إلى الزيارة

يرجح محللون أن تحظى زيارة مودي لأوكرانيا باستقبال جيد في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى انتقدت اجتماع مودي مع بوتين في يوليو.
وأشار المحللون إلى أن هذه الرحلة بالنسبة لمودي هي فرصة للتواصل مع زيلينسكي وتأمين المصالح الهندية هناك، والتصدي للتجاوزات الروسية واسترضاء الغرب.
ولكن في حين أن الرحلة ستوفر بعض الطمأنينة للغرب، فإنه سيظل من الواضح أن الهند تحافظ على علاقة أوثق مع موسكو، وزيارة مودي لن تغير هذا التصور.
ومن غير المرجح أن يستخدم مودي هذه الزيارة للبحث عن دور للهند كصانعة سلام في الصراع، وهو ما توقع البعض حدوثه في بداية الحرب نظرا لعلاقات نيودلهي مع روسيا ومكانتها الناشئة عالميا.
وقال ديريك جروسمان، المحلل المتخصص في شؤون المحيطين الهندي والهادئ في مؤسسة راند، إن “السلوك الهندي… كان محاولة للبقاء خارج حل المشكلة، والتعليق فقط من حين إلى آخر على المزيد من العدوان”، مضيفا أن “الهند، على عكس الصين أو تركيا، لم تتقدم بخطة سلام”.