الهدنة في غزة تعيد الجدل حول التطبيع بين السعودية وإسرائيل

دبي- مع توقع دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ اليوم الأحد بعد 15 شهرا من الحرب، وعودة دونالد ترامب إلى الحكم غدا الاثنين، تتجدد التوقعات بشأن التطبيع بين السعودية وإسرائيل، لكن ليس معروفا إلى حد الآن كيف تقيم المملكة التطورات الحالية بما يسمح بعودة سريعة لمساعي التطبيع أم أن الموضوع سيحتاج إلى وقت.
وفي حين رحبت الرياض بوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين الذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ اليوم الأحد، فإنها أصرت على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن فراس مقصد لوكالة فرانس برس إن “المسار الموثوق به، مع مواعيد نهائية واضحة لقيام الدولة الفلسطينية، يبقى الشرط الأدنى لأيّ تطبيع مع إسرائيل”.
وكانت السعودية التي لا تعترف بإسرائيل، تجري مفاوضات منذ العام 2020 بهدف التقارب مع إسرائيل في مقابل اتفاقية دفاع مع واشنطن ومساعدة أميركية لتنفيذ برنامج نووي مدني.
ويقول الباحث السعودي عزيز الغشيان “لقد أوضح السعوديون أنهم في حاجة إلى هذا التحالف وهذه المعاهدة مع الولايات المتحدة”.
لكن الأمر الأصعب للرياض سيكون طيّ صفحة الحرب في غزة، التي دفعت المملكة إلى تعليق كل المناقشات حول التطبيع المحتمل.
وتقول آنا جاكوبس من معهد دول الخليج العربية في واشنطن إن “الحرب المدمرة في غزة، والتي أسفرت عن مقتل نحو 50 ألف فلسطيني، عززت رفض أيّ تقارب مع إسرائيل” في أوساط الشعب السعودي المتضامن إلى حد كبير مع القضية الفلسطينية.
وفي سبتمبر الماضي، أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن بلاده لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل “قيام دولة فلسطينية”، منتقدا “جرائم” القوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. وبذلك عزز موقفه، الذي كان يطالب في السابق باتباع مسار “لا رجعة فيه” نحو إقامة دولة فلسطينية.
وخلال ولايته الأولى، أقدم ترامب على خطوات عدة تصب في صالح إسرائيل، أبرزها نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
وكان من أبرز أدواره التفاوضية اتفاقيات التطبيع في العام 2020 بين الدولة العبرية والبحرين والإمارات والمغرب.
وقال مقصد إن “ترامب عازم بشدة على إتمام ما يسميه صفقة القرن، وهي التطبيع بين السعودية وإسرائيل، والعالم العربي بشكل عام”.
ونقل موقع أكسيوس عن مصدرين مطلعين قولهما إن ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب زار السعودية في ديسمبر واجتمع مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وأضاف المصدران أن ويتكوف والأمير محمد بن سلمان ناقشا العلاقات الأميركية – السعودية وحرب غزة وإمكانية تطبيع العلاقات مع إسرائيل وقضايا أخرى.
وأشار الموقع الأميركي إلى أهمية اللقاء لأنه يعتبر أول لقاء بين الأمير محمد بن سلمان وعضو في إدارة ترامب القادمة منذ انتخابات نوفمبر.
وأوضح الموقع أن ترامب يريد أن تتضمن الصفقة اتفاقية سلام تاريخية بين إسرائيل والسعودية وبعض التقدم على الأقل نحو إنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وفقا لمصادر مطلعة على تفكير ترامب.
وقال ترامب لمجلة تايم قبل أسابيع “أريد سلامًا طويل الأمد. أنا لا أقول إن هذا سيناريو محتمل جدًا.. أريد سلامًا حيث لا يكون لدينا 7 أكتوبر في غضون ثلاث سنوات أخرى. أود أن أرى الجميع سعداء”.
وبعد تنصيبه الاثنين “ستتركز جهود دونالد ترامب وجماعات الضغط المؤيدة للتطبيع في الولايات المتحدة ليس فقط على السعودية، ولكن بشكل خاص على الأمير محمد بن سلمان،” بحسب ما يقول الغشيان.
وترى جاكوبس أن “الرياض، بعدما اتخذت موقفا علنيا واضحا بشأن هذه القضية، سوف تضطر إلى التقدم بحذر وتأنٍ”.
يضاف إلى ذلك أنه بعد سنوات من التوترات الإقليمية، تقاربت المملكة مع إيران، وهو ما يمثل انتكاسة للمعسكرين الأميركي والإسرائيلي.
وإذا ما بدت إسرائيل مهتمة جدا بالتطبيع مع الرياض، فإن حكومتها مناهضة لحل الدولتين الذي تدعو إليه معظم بلدان المجتمع الدولي.
ومن شأن تطبيع العلاقات الإسرائيلية - السعودية أن يوسع اتفاقيات أبراهام التي جرى التوصل إليها إبان عهد الرئيس السابق ترامب. وقد أدت الاتفاقيات إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب والسودان. وفي سبتمبر الماضي، قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية إن ملف التطبيع بين إسرائيل والسعودية لا يزال على جدول الأعمال، موضحة أن الرسالة التي تستخلصها من ظهور سفيرة المملكة في واشنطن بمؤتمر حضرته شخصيات إسرائيلية هو أن الرياض لا تزال تضع احتمال التطبيع على الطاولة.
لكن اتفاقا مماثلا قد يكون معقدا بالنسبة إلى إدارة ترامب التي سيتعين عليها الاعتماد على أصوات الديمقراطيين للتصديق عليه في مجلس الشيوخ، كما أكد مقصد.
ورغم ذلك، يعتقد بعض المحللين أن نوعا من التطبيع لا يزال ممكنا، وإن لم يكن بكل معنى الكلمة. وإذا حدث التطبيع، فمن المرجح أن “يقتصر على الاعتراف الدبلوماسي والسلام البارد، بدلا من السماح بالتبادلات التجارية والثقافية والشعبية”، كما قال مقصد، مستشهدا بمثال الأردن.
ففي العام 1994 أصبحت عمّان ثاني عاصمة عربية توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، بعد مصر في العام 1979، وهو خيار نددت به دول عربية عدة حينها.
ولكن مصر والأردن لم ينجحا أبدا في إقناع شعبيهما اللذين ينظران إلى إسرائيل باعتبارها عدوا.
وقالت جاكوبس إن “تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار سيكون حاسما للنظر في أيّ خطوات قادمة. ومن دون خارطة طريق واضحة لحل الدولتين، فسيظل التطبيع بعيد المنال”.