"الهدام".. كارثة بيئية تهدد الشطر الشرقي من السودان

تتنوع الكوارث البيئية التي يعاني منها السودان من الجفاف في مناطق إلى الفيضانات في مناطق أخرى وعلى الرغم من أن الشطر الشرقي من نهر النيل ينعم بالمياه إلا أن تلك المناطق تعاني من ظاهرة تآكل التربة، ويناشد سكان تلك المناطق الحكومة والمنظمات لإنقاذ مدنهم ومزارعهم من هذه الكارثة المتسارعة.
الجيلي (السودان) - يتخوف سكان مدينة الجيلي التاريخية والأثرية السودانية من اندثار منطقتهم ومناطق أخرى تقع على الضفة الشرقية من نهر النيل بسبب ظاهرة بيئية تؤدي إلى تآكل التربة.
الظاهرة البيئية الخطيرة تُسمى محليا "الهدام" وهو النحر (التآكل) المُستمر للتربة على ضفاف نهر النيل، ما يؤدي إلى فقدان مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة واقتلاع الآلاف من الأشجار المثمرة.
وأعرب مجموعة من المزارعين عن قلقهم من سرعة الهدام، مشيرين إلى حالة اللامبالاة من قبل أجهزة الدولة. وقال مقرر اللجنة العليا لمجابهة الظاهرة بمدينة الجيلي (60 كلم شمال الخرطوم) عقيل أحمد ناعم إن "المدينة تعيش مأساة كبيرة منذ سنوات بسبب الهدام، الذي يعد ظاهرة بيئية خطيرة تتسبب في تآكل الأنهار".
وأوضح ناعم أن "المساحة بين المدينة والنهر كانت لا تقل في السابق عن 3 كيلومترات، لكن مساحتها الحالية لا تزيد على 300 إلى 400 متر، ما أدى إلى فقدان مساحات زراعية شاسعة خلال سنوات معدودة".
وأشار إلى أن "الخطر أصبح في ازدياد بعد زحف الهدام نحو المنازل، خاصة وأن أقرب منزل على بعد 300 متر من النيل".
وأضاف أن "ظاهرة تآكل التربة حال استمرارها بصورتها الراهنة فإن المدينة التاريخية، التي يقطنها ما لا يقل عن 300 ألف نسمة، بكاملها مهددة بالزوال".
وقال المزارع الفاضل بكري إن الهدام جرف له 4 مشاريع زراعية منتجة للتمور والفواكه، مشيرا إلى أنه على وجه التدقيق فقد مئة نخلة وعددا مماثلا من أشجار الفاكهة، وناشد الحكومة النظر في أمر الهدام الذي أصبح يهدد الأراضي الزراعية، واصفا مشكلة الهدام بأنها ستكون السبب الرئيسي لهروب سكان المنطقة ونزوحهم إلى العاصمة الخرطوم.
وكشف ناعم عن "معالجات عاجلة، بالتعاون مع وزارة التخطيط العمراني، تشمل وضع حواجز ترابية وحجرية بتكلفة مالية تبلغ 160 مليار جنيه (الدولار يساوي 446 جنيها بالسعر الحكومي)".
وتابع "ومعالجات دائمة، بالتخطيط مع وزارة الري والموارد المائية، عبر إعداد دراسات لإيجاد حل جذري للمشكلة". وأضاف "نناشد المنظمات المحلية والإقليمية والدولية المهتمة بالمدن التاريخية مد يد العون للنظر إلى المدينة تفاديا لاختفاء تاريخها".
التآكل المُستمر للتربة على ضفاف نهر النيل يؤدي إلى فقدان مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة
ولفت إلى أنه "على بُعد أمتار من النيل، تقع سرايا (قصر) الزبير باشا، المعروفة منذ العهد التركي في السودان، وهي على بعد 300 متر، وخلال عام ستكون مهددة بالزوال".
الزبير باشا رحمة مغامر وقائد عسكري وحاكم سوداني في أواخر القرن الـ19. حكم مناطق شاسعة من البلاد بين عامي 1867 و1875.
وقصر الزبير باشا، المعروف بسرايا الباشا، أحد معالم "الجيلي" التاريخية البارزة، بدأ بناؤه بداية القرن الماضي تحديدا عام 1900 تمهيدا لاستقبال الزبير (1831 – 1913) العائد من مصر آنذاك.
وأرسل الزبير مهندسين أتراكا ومصريين خصوصا لرسم مخطط القصر، والإشراف على البناء الذي عملت فيه عدد من الأيدي العاملة المحلية ليكتمل عام 1902 مع وصوله إلى "الجيلي"، ليسكن فيه رفقة زوجته (الست) زينب بنت منصور.
وتفصل بين نهر النيل والمساكن أمتار قليلة وأراض زراعية خصبة تنتج الخضروات والفواكه يكفي جنيها السنوي سكان ولاية الخرطوم، البالغ تعدادهم 13 مليون نسمة، وفق إحصائية غير رسمية.
ويقول المزارع حسن يمني إن "الهدام بدأ فعليا في فترة الثمانينات، واستمر تآكل التربة رويدا رويدا إلى أن جرف ما يقدر بأكثر من ألف متر، مع فقدان مساحات كبيرة مزروعة بأشجار الليمون والجوافة والمانغو".
وأوضح "المساحة الخاصة بالمزارعين على الشاطئ تقدر بحوالي 300 فدان، والهدام أذاب حوالي 250 فدانا". وأضاف "الحل من وجهة نظري تغيير اتجاه مجرى النيل من الناحية الشرقية إلى الغربية، وعلى المهندسين تغيير اتجاه جريان مياه النيل لإيقاف ظاهرة تآكل التربة".
وتقول المواطنة تغريد منصور إن ظاهرة "الهدام" تهدد المنازل بمدينة الجيلي، خاصة وأن المياه تتسرب سنويا إلى منزلها، ما يضطرها إلى شفطها آليا ويدويا.
سكان مدينة الجيلي التاريخية يتخوفون من اندثار منطقتهم ومناطق أخرى تقع على الضفة الشرقية من نهر النيل
وأضافت منصور "الهدام خطر كبير جدا، ومؤخرا شرع الرجال وأبناؤهم في قطع الأشجار وخلطها بالأسلاك والإسمنت ورصفها على الشاطئ أملا في إيقاف الخطر".
وتابعت "تملكني الإحباط وأجهشت بالبكاء عندما رأيت المياه تجرف جذوع الأشجار التي وضعت لتفادي الأمواج المتلاطمة التي تنحر التربة على شاطئ النيل.. نحتاج إلى الدعم والمساعدة من جميع الجهات للحفاظ على المدينة التاريخية".
ويؤكد مدير الإدارة العامة لشؤون المياه بوزارة الري والموارد المائية عبدالرحمن صغيرون أن صور الأقمار الاصطناعية لمدينة الجيلي أظهرت أن المشكلة تفاقمت منذ عام 2005، وبلغ تآكل الضفاف حوالي 1.5 كيلومتر، ما يمثل تهديدا للزراعة، وحاليا تفاقمت المسألة ما يهدد وجود المدينة.
وأوضح صغيرون في تصريحات إعلامية أوردتها وسائل إعلام محلية "عادة يتم وضع الحلول بعد عمل دراسات لاختيار الحل الأنسب، وحساب التكلفة وتشمل الحلول عمل حماية للشواطئ ببناء حجري لمقاومة النحر، أو تغيير اتجاه تيار المياه بإنشاء عراضات داخل النهر".