الهجوم على سلمان رشدي يكشف انشقاقات داخل شيعة لبنان

المتورط في الهجوم تشبع بالفكر المتطرف حين زار الجنوب.
الجمعة 2022/08/19
عملية طعن سلمان رشدي كشفت حجم التطرف في لبنان

تأثر الشيعة في لبنان بالهجوم الذي تعرض له الكاتب سلمان رشدي؛ فهناك من برر الهجوم بالأسباب الدينية مستندا إلى فتوى الخميني، وهنالك من انتقد العملية ومن ورائها انتشار التطرف في بيئة يهيمن عليها حزب الله وحلفاء إيران.

بيروت - أدى طعن الكاتب سلمان رشدي إلى كشف الانقسامات بين الشيعة اللبنانيين، حيث شجب البعض العنف الذي يتسم به أتباع متحمسون لحزب الله الشيعي المدعوم من إيران والذين أشادوا بالهجوم. وتلقى أحد المدافعين عن رشدي تهديدات بالقتل.

وتأثر شيعة لبنان بالهجوم؛ ذلك أن المهاجم هادي مطر البالغ من العمر 24 عاما هو مواطن لبناني - أميركي. ويعيش والده في قرية بجنوب لبنان الذي يسيطر عليه حزب الله.

وقالت والدة مطر إنها تعتقد أن زيارة ابنها إلى قرية يارون في 2018 حولته إلى متعصب ديني.

بعض منتقدي حزب الله اتهموا الجماعة الموالية لايران وأنصارها بتعليم أبنائهم القتل والتطرف باسم الدين

وأصدر الزعيم الروحي الإيراني السابق، روح الله الخميني، الفتوى الدينية التي تحث المسلمين على قتل رشدي في 1989، واتُّهم الكاتب بالكفر بسبب كيفية تصويره للنبي محمد في رواية “آيات شيطانية”.

وأشادت إيران، الحليف المقرب إلى حزب الله، بهجوم الجمعة الماضية لكنها نفت أي دور مباشر لها. وظل مسؤولو حزب الله صامتين منذ الهجوم على رشدي البالغ من العمر 75 عاما عندما كان على وشك إلقاء محاضرة في غرب نيويورك.

وأصيب رشدي بتلف في الكبد وتمزق في أعصاب ذراعه وعينه لكنه فُصل عن جهاز التنفس الاصطناعي السبت الماضي وأصبح قادرا على التحدث.

وقال ناثانيال بارون المحامي المكلف بالدفاع عن هادي مطر إن هيئة محلفين كبرى وجهت إلى مطر تهمة واحدة وهي الشروع في القتل من الدرجة الثانية وتهمة أخرى بالاعتداء من الدرجة الثانية.

ومثل المشتبه به أمام محكمة في المقاطعة السبت معتبرا أنه غير مذنب بتهمة الشروع في قتل من الدرجة الثانية وتهمة أخرى بالاعتداء من الدرجة الثانية بعد دعوى جنائية أقامها ضده المدعون.

وجرى احتجازه دون إمكان الإفراج عنه بكفالة.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن ممثلي الادعاء قولهم إن مطر استقل حافلة إلى معهد تشاوتاكوا على بعد 19 كيلومترا من بحيرة إيري حيث اشترى تذكرة لحضور محاضرة رشدي.

وقال شهود إنه لم يكن هناك تدقيق أمني واضح في مكان المحاضرة وإن مطر لم يتحدث وهو يهاجم رشدي. وألقى أحد رجال شرطة الولاية، كان موجودا في المكان، القبض على مطر بعد أن طرحه الحاضرون أرضا.

وفي مقابلة نشرتها صحيفة نيويورك بوست الأربعاء قال مطر إنه يحترم الخميني لكنه لم يقل ما إذا كان هجومه جاء بإلهام من الفتوى. وأضاف أنه “قرأ بضع صفحات” من رواية “آيات شيطانية” كما شاهد مقاطع فيديو للمؤلف على موقع يوتيوب.

وقال مطر عن رشدي “لا أحبه أبدا… إنه شخص هاجم الإسلام، لقد هاجم معتقداتهم (المسلمين) ومنظومات عقديتهم”، وهو أمر يثبت مدى تطرف مطر المتعاطف مع الجماعات الإسلامية الشيعية في لبنان.

ويؤيد معظم الشيعة اللبنانيين حزب الله وحركة أمل الأكثر علمانية التي يتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، والتي فازت بجميع المقاعد الـ27 المخصصة للطائفة خلال الانتخابات البرلمانية هذا العام. ويكون تقسيم مقاعد مجلس النواب ومجلس الوزراء في لبنان حسب الانتماءات الدينية.

ورغم ذلك تُوجد أقلية صاخبة من منتقدي حزب الله بين الشيعة. وتعرض عدد منهم للهجوم وقتل واحد بالرصاص العام الماضي.

اعتداء همجي

ومع احتدام الجدل ظهر مقطع فيديو قديم لزعيم حزب الله حسن نصرالله على وسائل التواصل الاجتماعي. وقال نصر الله “لم يكن أحد ليتجرأ على مهاجمة نبي الإسلام محمد مرة أخرى” لو قُتل رشدي بعد الفتوى مباشرة.

واتهم بعض منتقدي حزب الله الجماعة وأنصارها بتعليم أبنائهم القتل باسم الدين.

وقالت والدة مطر، سيلفانا فردوس، لقناة “الجديد” المحلية في وقت متأخر من يوم الثلاثاء الماضي إن ابنها عاش طوال حياته في الولايات المتحدة حتى زار لبنان للمرة الأولى والأخيرة في 2018. وغيرته تلك الرحلة إلى الأبد، على حد قولها.

وتابعت فردوس “بعد عودته من لبنان صار إنسانا مختلفا… كنت أعرف أنه يعاني من اكتئاب طويل وكنت أتوقع يوما ما أن أستيقظ وأكتشف أنه انتحر”، مدعية أن والده كان يسيء معاملته.

وعن سؤال ما إذا كانت قد سألت نفسها عما إذا كانت قد ربت إرهابيا أم متطرفا؟ أجابت الأم “لا. لقد ربيت ملاكا”.

ومُنع الصحافيون من دخول يارون، ولم يتحدث والد مطر إلى وسائل الإعلام.

وعلى الرغم من الصمت الرسمي لحزب الله أشاد أنصاره على وسائل التواصل الاجتماعي بالهجوم.

وأطلق البعض تهديدات ضد الصحافية البارزة ديما صادق بعد أن نشرت على حسابها في تويتر صورة للخميني والجنرال قاسم سليماني وكتبت عليها “آيات شيطانية”.
ومنذ ذلك الحين لم تتوقف التهديدات بالقتل على وسائل التواصل الاجتماعي وعبر الرسائل على هاتفها الخلوي، حيث حذرها رجل: “سأغتصبك في الأماكن العامة”، وقال آخر “يجب إراقة دمائها”. وتلقت رسالة نصية أخبرها فيها المرسل بمكان إقامتها.

وقالت صادق إن السلطات لم تتواصل معها ولم توفّر عروض الحماية رغم التهديدات العلنية.

وتابعت صادق، وهي من أشد منتقدي حزب الله منذ سنوات، “هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها بأنني في خطر”. وتعتقد أن الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي ضدها هي من تنظيم جواد، ابن نصرالله.

وقالت إنها تقيد حركتها لأول مرة فيما حثت لجنة حماية الصحافيين السلطات اللبنانية على فتح تحقيق وحماية صادق.

والدة المتورط في عملية طعن رشدي تعتقد أن زيارة ابنها لقرية يارون حولته إلى متعصب ديني
والدة المتورط في عملية طعن رشدي تعتقد أن زيارة ابنها لقرية يارون حولته إلى متعصب ديني

وتعرض الصحافي الشيعي محمد بركات، مدير تحرير موقع “أساس ميديا” الإخباري، أيضا للهجوم بعد أن كتب أنه بطعن رشدي طعن مطر الشيعة الذين يعيشون في أوروبا وأميركا.

وفي المعسكر الآخر قال الصحافي اللبناني رضوان عقيل من صحيفة “النهار” المحلية الشهيرة، في تصريحات تبدو متناقضة، إنه لا يتفق مع محاولة قتل أي إنسان، بمن في ذلك الكتّاب. لكنه أعلن أنه يؤيد “تطبيق فتوى السيد الخميني بقتل الكاتب سلمان رشدي”.

وأضاف عقيل في مقابلة تلفزيونية أنه مع الحريات السياسية وحرية التعبير لكنه ليس مع انتقاد أعظم رجل في التاريخ النبي محمد، كما أنه يرفض انتقاد السيد المسيح.
وأصدرت “النهار” توضيحا أكدت فيه أن “تبنّي الدعوة إلى القتل يناقض سياستنا”. وقالت إن آراء عقيل هي آراؤه الخاصة. وكان صحافيان يعملان فيها، وهما منتقدان صريحان لحزب الله وحكومة الرئيس السوري بشار الأسد (حليف آخر لإيران)، قد قتلا في تفجيرات بسيارات مفخخة في 2005.

وقد يتلاشى الجدل في نهاية المطاف لأن معظم اللبنانيين منشغلون بالانهيار الاقتصادي ونقص الخدمات في البلاد. وقال هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية ببيروت، إن “لديهم الكثير من المخاوف الأخرى”.

ولم يعلق القادة السياسيون اللبنانيون على الهجوم على رشدي.

لكن وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد مرتضى استنكر تصوير رشدي للنبي. وغرد مرتضى، الوزير الشيعي المقرب من حلفاء حزب الله، على تويتر أن “حرية التعبير ينبغي أن تكون مهذبة، أما التطاولُ على الكبارِ بالشتيمةِ والضغينة السوداء، فلا يمتُّ إلى الأخلاقِ بصلةٍ ولا إلى الصدق بنسبٍ أو شهرة”.

6