الهجمات الروسية بمسيّرات إيرانية تعقّد التوازنات الإسرائيلية

لم تقتصر المسيرات الإيرانية، التي أمدّت بها طهران روسيا لتمطر سماء كييف، على إثارة غضب الأوكرانيين ومن خلفهم الولايات المتحدة والأوروبيون فحسب، وإنما زادت من تعقيد محاولة إسرائيل الحفاظ على توازن صعب في علاقاتها مع روسيا والغرب.
القدس - حافظت إسرائيل على موقعها في هامش الصراع إلى حد كبير منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي، حتى لا تضر بالعلاقة الإستراتيجية التي تجمعها بالكرملين، كما كتبت إيزابيل ديبر في أسوشيتد برس، وعلى الرغم من أن تل أبيب أرسلت مساعدات إنسانية إلى كييف إلا أنها رفضت طلب الأوكرانيين المتكرر إرسال أنظمة دفاع جوي ومعدات عسكرية أخرى، وامتنعت عن فرض عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا والعديد من أفراد الأوليغارشية الروسية اليهودية الذين لهم منازل ثانية في إسرائيل.
وبدأ الضغط على إسرائيل يتزايد لدعم أوكرانيا في الحرب المتواصلة، مع ورود أنباء عن تعميق العلاقات بين موسكو وطهران التي تعتبر عدوة تل أبيب، ولطالما تصادمت إسرائيل مع إيران عبر الشرق الأوسط برا وبحرا وجوا.
يؤكد المتحدث العسكري ريتشارد هيشت أن الهجوم الانتحاري بالمسيرات في أوكرانيا أثار مخاوف جديدة في إسرائيل، مضيفاً قوله “ندرس الأمر عن كثب ونفكر في كيفية استخدام الإيرانيين لهذه المراكز تجاه التجمعات السكانية الإسرائيلية".
وبدأت المناقشة الحادة تظهر إلى العلن، فقد دعا وزير الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد إلى الانحياز إلى جانب أوكرانيا، بينما هددت إيران ووكلاؤها في لبنان وسوريا والعراق واليمن إسرائيل بنفس الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض والتي تنفجر الآن في كييف.
ونفت الحكومة الإيرانية تزويد موسكو بالطائرات المسيرة، لكن المسؤولين الأميركيين يقولون إنها تفعل ذلك منذ أغسطس.
وغرّد وزير شؤون الشتات الإسرائيلي نحمان شاي على تويتر قائلا "لم يعد هناك أي شك في المكان الذي يجب أن تقف فيه إسرائيل في هذا الصراع الدموي. لقد حان الوقت لكي تتلقى أوكرانيا مساعدات عسكرية، تماما كما توفرها الولايات المتحدة ودول الناتو".
تفاهم هش في سوريا
وأثارت تعليقات شاي عاصفة في روسيا، حيث قال الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف على تيليغرام إن تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا سيكون “خطوة متهورة للغاية” إذا اتخذتها إسرائيل. وأضاف محذّراً “سوف يدمر هذا كل العلاقات بين دولتينا".
لكن شاي خفّف من وقع موقفه يوم الثلاثاء، مؤكدا أن رأيه لا يعكس موقف الحكومة الرسمي، وبيّن موقفه بالقول “لدينا في إسرائيل خبرة كبيرة في حماية سكاننا المدنيين على مدى 30 عاما. تعرضنا لهجوم بصواريخ من العراق ولبنان وغزة. إنني أتحدث عن معدات دفاعية لحماية السكان المدنيين في أوكرانيا”، بينما امتنع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزارة الدفاع عن التعليق.
ارتبطت روسيا وإسرائيل بعلاقات جيدة على مدى سنوات، ونسقتا عن كثب لتجنب الاشتباكات في سماء سوريا المجاورة، حيث دعمت القوة الجوية الروسية الرئيس المحاصر بشار الأسد. وسمحت روسيا للطائرات الإسرائيلية بقصف أهداف مرتبطة بإيران قيل إنها مخابئ أسلحة مخصصة لأعدائها.
كما تحرص إسرائيل على البقاء على الحياد في الحرب بسبب القلق على سلامة الطائفة اليهودية الكبيرة في روسيا، وتشعر بالقلق من تجدّد الهجمات المعادية للسامية في البلاد، مع تاريخها الطويل من المذابح المعادية لليهود تحت قيادة القياصرة الروس وعمليات التطهير في الحقبة السوفييتية. ويُذكر أن أكثر من مليون من سكان إسرائيل البالغ عددهم 9.2 مليون نسمة لهم جذور في الاتحاد السوفييتي السابق.
وقد حافظ رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت على الحياد الصارم بعد الغزو، وامتنع عن إدانة تصرفات روسيا وحتى محاولة تقديم نفسه كوسيط في الصراع. ومع تكديس الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للعقوبات على روسيا، أصبح بينيت الزعيم “الغربي” الوحيد الذي التقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو. لكن موقف إسرائيل الحذر أصبح أكثر تشددا في الأشهر الأخيرة.
غير أن لابيد يبدو أكثر صخبا من سلفه، فحين كان وزيرا للخارجية وصف التقارير عن الفظائع في بوتشا الأوكرانية بأنها جرائم حرب محتملة. وبعد أن قصفت روسيا كييف الأسبوع الماضي أدان الهجمات “بشدة” وأرسل "تعازيه القلبية لأسر الضحايا والشعب الأوكراني"، مما أثار رد فعل عنيفا من موسكو.
إسرائيل ليست ألمانيا أو فرنسا
وتصاعدت التوترات أكثر عندما أمرت محكمة روسية في يوليو الماضي الوكالة اليهودية، وهي منظمة غير ربحية كبرى تروج للهجرة اليهودية إلى إسرائيل، بإغلاق مكاتبها في البلاد. ومن المقرر عقد جلسة استماع لتقرير مستقبل عمليات الوكالة في روسيا الأربعاء. وقال المتحدث باسم الوكالة إيغال بالمور "يمكن أن يحدث أي شيء".
وتأجج الجدل بعد التحذير الإسرائيلي من ظهور الطائرات الإيرانية دون طيار فوق كييف. ويعتقد الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين أن "إسرائيل يمكن أن تساعد أكثر"، مضيفا أن "معرفة إسرائيل بكيفية التعامل مع الهجمات الجوية" و"معلوماتها الاستخباراتية حول الأسلحة الإيرانية” و”قدرتها على التشويش عليها” مهمة بالنسبة إلى أوكرانيا.
ويقول جيفري كورن، وهو خبير قانون الحرب في كلية الحقوق بجنوب تكساس في هيوستن، إن إيران تخوض معركة اختبار أسلحة يمكن استخدامها ضد حدود إسرائيل الشمالية والجنوبية، حيث تدعم إيران جماعة حزب الله اللبنانية وحركة حماس في قطاع غزة، اللتين خاضتا حروبا طويلة ضد إسرائيل.
ويوضح كورن أنه إذا أثبتت الطائرات دون طيار فاعليتها في أوكرانيا، فإن إيران "ستضاعف تطورها". وإذا أُسقِطت، فستتاح لطهران "فرصة لمعرفة كيفية تجاوز تلك الإجراءات المضادة".
وتفاخر نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي، القبة الحديدية، بمعدل اعتراض بنسبة 90 في المئة ضد إطلاق الصواريخ القادمة من غزة. وانتقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إسرائيل لعدم تزويد كييف بنظام مضاد للصواريخ.
كما انتقد رئيس الوكالة اليهودية السابق ناتان شارانسكي، المعتقل السابق في السجن السوفييتي والوزير وعضو الكنيست السابق، إحجام بلاده عن مساعدة أوكرانيا في مقابلة مع صحيفة هآرتس اليومية الثلاثاء، واصفا إسرائيل بأنها "آخر دولة في العالم الحر لا تزال تخشى إثارة غضب بوتين".
ومع ذلك، يصر البعض على أنه يجب على إسرائيل ألا تدخل المعركة على وجه التحديد لأنها تختلف عن حلفائها الغربيين، إذ يقول عوزي روبين، الرئيس السابق لمنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلي، "لسنا ألمانيا أو فرنسا، نحن دولة في حالة حرب".