الهجمات التركية في سوريا تؤزم مُستقبل التطبيع بين البلدين

مُستقبل عملية التطبيع التركي السوري ما يزال غامضاً خلال 2024، ولكن يمكن أن تسير تلك العملية وفق سيناريوهات مستقبلية محتملة.
السبت 2024/01/27
على طرفي نقيض

إسطنبول - شهدت الفترة الأخيرة، تصعيدا من جانب تركيا تجاه الأراضي السورية، وهو ما يزيد من تأزيم، حسب محللين، مستقبل التطبيع بين البلدين.

وتزايدت وتيرة الهجمات التركية ضد المواقع التابعة لحزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق، منذ نهاية ديسمبر 2023، وذلك في ضوء الرد على قيام الأخير بهجوم ضد موقع عسكري للجيش التركي في شمال العراق، أسفر عن مقتل 12 جندياً تركياً، وهو ما أعقبه إعلان وزارة الدفاع التركية بدء حملة قصف جوي على مواقع الحزب في كل من شمال العراق وشمال شرق سوريا، ردا على ما تعرض له الجنود الأتراك.

وواصلت تركيا هجماتها المُكثّفة على المناطق التابعة لـقوات سوريا الديمقراطية ( قسد) والتي يشكل الأكراد قوامها الرئيسي، إذ أعلنت أجهزة الاستخبارات التركية عن 3 عمليات نوعية استهدفت قيادات من وحدات حماية الشعب الكردية – أكبر مكونات “قسد” -، فيما أعلن أردوغان قصف 114 هدفاً وتحييد نحو 78 عنصراً في العمليات الجوية بسوريا والعراق في الأيام الأولى من يناير 2024.

وجاء في تقرير نشره معهد المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أن الجمود الذي سيطر على عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق قد يكون سبباً في تصعيد العمليات التركية في سوريا، إذ سيطر الجمود على مُحادثات التطبيع، بعد آخر اجتماعات بين أطراف مسار التطبيع الأربعة على مستوى نواب وزراء الخارجية على هامش اجتماعات الدورة الـ20 لـ”مسار أستانا”، والتي عقدت في كازاخستان يومي 20 و21 يونيو 2023، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى تشبث طرفي الأزمة بشروطهما، وعدم تقديم أي تنازلات للطرف الآخر من شأنها حلحلة هذا الملف.

الوضع بين أنقرة ودمشق سيستمر في اتجاه جمود عملية التطبيع، خاصة في ظل تمسك الطرفين بشروط يرفضانها

وما يزال مُستقبل عملية التطبيع التركي السوري غامضاً خلال 2024، ولكن يمكن أن تسير تلك العملية وفق سيناريوهات مستقبلية محتملة.

ويتمثل السيناريو الأول في دفع عملية التطبيع، إذ يرجح هذا السيناريو أن يتم دفع المحادثات بين أنقرة ودمشق قدماً باتجاه التطبيع، ولاسيما وأن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، قد أعلن في 3 يناير 2024، عن استمرار محادثات الاجتماع الرباعي على مستويات مختلفة.

ويستند هذا السيناريو لعدة مؤشرات أبرزها أن البعض يعتقد أن الأزمات قد تكون حافزاً لتجديد الحوار بين تركيا وسوريا، فالحرب التي تشنها إسرائيل على غزة في الوقت الحالي، قد تمثل نقطة التقاء وتجمع بين أنقرة ودمشق، فيما تحظى القضية السورية بأهمية خاصة بالنسبة لوزير الخارجية التركي، نظراً لدوره المحوري في تسهيل المحادثات بين أنقرة ودمشق، عندما كان يرأس الاستخبارات التركية، الأمر الذي قد يدفعه للعمل على إحياء تلك المحادثات في اتجاه التطبيع.

ومن جهة أخرى، فقد قدمت أنقرة عرضاً لنظام الرئيس السوري بشار الأسد ضمن مسار إعادة العلاقات بين الجانبين، على لسان وزير الدفاع التركي، مفاده الانسحاب التام من سوريا بشرط اتفاق المعارضة والنظام، تبع ذلك حديث الرئيس السوري بشار الأسد عن إصلاحات بحزب البعث في سوريا وعن أهمية الانتخابات، مُعتبراً أنها الطريق الأفضل لاختيار قيادات حزبية جديدة، الأمر الذي ربطه خبراء بمحاولات انفتاح الحكومة السورية على محيطها الخارجي بما فيها مشروع التطبيع بين أنقرة ودمشق.

وأما السيناريو الثاني فيتمثل في استمرار الجمود الحالين وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً، ويرى هذا السيناريو أن الوضع بين أنقرة ودمشق، سيستمر في اتجاه الجمود الراهن لعملية التطبيع بينهما، خاصة مع تراجع أعداد اللاجئين السوريين بنسبة 10 في المئة في عام 2023. فقد أكدت إدارة الهجرة التركية أن أعداد اللاجئين السوريين في تركيا الآن هي الأدنى منذ 7 سنوات، مما قد يعطي أردوغان فرصة لتفادي الانتقادات من المعارضة التي تضغط من أجل ترحيل السوريين لبلادهم، والذي لن يتم سوى بالتطبيع مع دمشق.

من المرجح أن تفرز الأيام المقبلة حراكاً قوياً من قِبل واشنطن وموسكو، وأيضاً طهران، مما قد يزيد الأوضاع سوءاً في سوريا

كما يستند هذا السيناريو لعدة مؤشرات، أبرزها عودة سوريا لجامعة الدول العربية، التي جعلت نظام الأسد يشعر بأن التطبيع مع تركيا ليس أولوية. بالإضافة لذلك، فإن الشروط التركية ما تزال عائقاً أمام التطبيع التركي السوري. كما أن الشروط السورية الخاصة بانسحاب كامل للقوات التركية من الأراضي السورية ما تزال غير مقبولة تركياً، وحال تحقق هذا السيناريو ستستمر العمليات العسكرية التركية ضد الأكراد، لكن من دون الوصول لمرحلة العمليات الشاملة.

وأما السيناريو الثالث فيتمثل عملية عسكرية شاملة إذ من المرجح وفقاً لهذا السيناريو، أن تتصاعد حدة التوتر بين تركيا وسوريا، من خلال إطلاق أنقرة لعملية عسكرية شاملة في سوريا ضد الأكراد وذلك من دون تنسيق مع الحكومة السورية. إذ يرجح البعض بأن تركيا ستكون خلال 2024، أكثر حزماً وأشد عسكرياً ضد الانفصاليين الأكراد في سوريا والعراق، فعلى الرغم من أن أي عملية برية مُحتملة ضد جميع المناطق في شمال سوريا، قد تُعرض تركيا لخطر التوتر مع واشنطن، فإن تراجع قدرة الأخيرة على كبح العمليات التركية، بالإضافة لاحتمالات طرح انسحاب القوات الأمريكية من سوريا مرة أخرى في حال إعادة انتخاب دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرر إجراؤها عام 2024، قد يعزز ميزان القوة لصالح أنقرة في سوريا، ويدفعها نحو تدشين عملية عسكرية شاملة تسيطر بها على كافة المناطق التي تسبب لها القلق.

وفي ضوء معطيات الموقف الراهن بين أنقرة ودمشق، فإنه لا يمكن التكهن بمستقبل تطبيع العلاقات بين أنقرة ونظام الأسد خلال 2024، وسط غموض استعادة المحادثات بين البلدين، واحتمالات تدشين تركيا لعملية شاملة في سوريا، في إطار التصعيد التركي المكثف في شمال شرق سوريا على مواقع الأكراد.

و لذلك من المرجح أن تفرز الأيام المقبلة حراكاً قوياً من قِبل واشنطن وموسكو، وأيضاً طهران، مما قد يزيد الأوضاع سوءاً في سوريا، نظراً لتقاطع مصالح الدول الموجودة عسكرياً في سوريا، وإصرارها جميعاً على الاستمرار في البقاء داخل سوريا.

7