الهجرة بسبب المناخ تشكل تحديا معقدا للمجتمع الدولي

لندن - مع تفاقم أزمة المناخ، يشهد العالم موجة غير مسبوقة من النزوح البشري، حيث تشكل الهجرة المناخية، التي تدفعها مستويات سطح البحر المرتفعة والأحداث الجوية المتطرفة، والتدهور البيئي، تحديات كبيرة للعلاقات الدولية والحوكمة العالمية.
وترى الباحثة آمنة هاشمي في تقرير على جيوبوليتيك مونيتور أن معالجة هذه القضية يتطلب إستراتيجيات شاملة تعطي الأولوية لحقوق الإنسان والاستدامة والتعاون الدولي.
ويجبر تغير المناخ الناس على الفرار من ديارهم على نطاق لا يمكن تصوره. ووفقًا لمركز رصد النزوح الداخلي، فقد نزح ما يقدر بنحو 30.7 مليون شخص بسبب الكوارث الطبيعية في عام 2020 وحده.
ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم مع زيادة تغير المناخ وشدة مثل هذه الأحداث، فالمناطق الساحلية المنخفضة، والدول الجزرية الصغيرة، والمناطق المعرضة للجفاف والتصحر معرضة للخطر بشكل خاص، حيث يواجه الملايين من الناس احتمال الانتقال الدائم.
وتثير الهجرة المناخية بعضًا من أكثر الأسئلة الأخلاقية والقانونية جوهرية. ففي حين أن المهاجرين المناخيين ليسوا مثل اللاجئين التقليديين الذين يفرون من الصراع أو الاضطهاد، فإنهم يفتقرون إلى الحماية القانونية المناسبة في الوقت الحالي.
الهجرة المناخية أكثر انتشارا بين سكان العالم المسؤولين عن انبعاث أقل قدر من الغازات المسببة للانحباس الحراري
ولا تضمن اتفاقية اللاجئين لعام 1951 العوامل البيئية كأساس لطلب اللجوء، وبالتالي فإن المهاجرين المناخيين في وضع قانوني ضعيف. وتشير هذه الفجوة إلى أهمية تطوير نظام قانوني دولي من شأنه أن يلبي احتياجات السكان النازحين بسبب المناخ.
وعلاوة على ذلك، فإن الهجرة المناخية هي الأكثر انتشارا بين أقل سكان العالم امتيازا والمسؤولين عن انبعاث أقل قدر من الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي.
ويثير هذا الوضع بعض الأسئلة الأخلاقية الأكثر أهمية من حيث المسؤولية والعدالة. ويتعين على البلدان المتقدمة التي ساهمت أكثر من غيرها في الانبعاثات أن تكون في طليعة تمويل التكيف مع تغير المناخ وتوفير ملاذ آمن للنازحين.
وتحتاج المنظمات الدولية إلى تولي زمام المبادرة في الجهود الرامية إلى معالجة الهجرة الناجمة عن المناخ.
وعلى سبيل المثال، بدأت الأمم المتحدة في الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية في النظر في الجوانب البيئية للهجرة. ولكن هناك حاجة إلى إجراءات أقوى لضمان حماية المهاجرين المناخيين ومساعدتهم بشكل صحيح.
اتفاقية اللاجئين لعام 1951 لا تضمن العوامل البيئية كأساس لطلب اللجوء، وبالتالي فإن المهاجرين المناخيين في وضع قانوني ضعيف
وتبدو الهيئات الإقليمية قادرة أيضاً على لعب دور حاسم. وعلى سبيل المثال، دعا منتدى جزر المحيط الهادئ إلى إبرام اتفاقيات إقليمية تسهل إعادة توطين المجتمعات المتضررة من ارتفاع مستويات سطح البحر. ويمكن أن تكون مثل هذه الأطر بمثابة نماذج لمناطق أخرى تواجه تحديات مماثلة.
ولا يمكن حل معضلة الهجرة المناخية بإستراتيجية واحدة؛ بل يجب حلها من خلال التكيف والتخفيف.
ويستلزم التكيف تعزيز قدرة المجتمعات على التعامل مع تأثيرات المناخ، مما يقلل في الواقع من عدد الأشخاص الذين سيتعين نقلهم.
ويمكن أن يشمل هذا الإنفاق على رأس المال المادي، وأنظمة المعلومات، والأساليب السليمة للزراعة.
وفي حين يتعامل التخفيف مع آثار تغير المناخ ويسعى إلى تقليل الآثار التي من المرجح أن تحدث في المستقبل. وفي هذا الصدد، هناك حاجة إلى التعاون الدولي حيث تتعاون البلدان لتحقيق أهداف اتفاق باريس. وبالتالي، من خلال الحد من الانبعاثات، يمكن للمجتمع الدولي منع الأسباب الطويلة الأجل للهجرة المناخية.
ويجب أن يكون احترام حقوق الإنسان وكرامته في صميم أي نهج للهجرة المناخية، حيث لا ينبغي النظر إلى النازحين والمجتمعات المحلية باعتبارهم “ضحايا” فحسب، بل باعتبارهم وكلاء يتمتعون بخبرة وقدرات مهمة.
وينبغي للسياسات أيضا أن تمكنهم من أن يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعاتهم الجديدة وأن تسهل استيعابهم اقتصاديا في المجتمع.
وتشكل الهجرة المناخية تحديا عاجلا ومعقدا يتطلب اتخاذ إجراءات فورية ومنسقة من جانب المجتمع الدولي.
وكما تذكرنا كلمات جون ستيوارت ميل التحذيرية، فإن تمكين الأفراد والدول من معالجة هذه الأزمة بالإبداع والعزيمة أمر بالغ الأهمية.
وفي التعامل مع هذه الموجة الجديدة من النزوح العالمي، يكمن الخلاص في الاعتراف بإنسانيتنا المشتركة ومسؤوليتنا الجماعية. فهل يرتقي المجتمع الدولي إلى مستوى الحدث، أم سنسمح لأزمة المناخ بتقزيم إمكاناتنا المشتركة؟ إن الاختيارات التي نتخذها اليوم سوف تشكل مستقبل الملايين وتحدد إرث جيلنا.