النيل يشكو عبء السكان المستفيدين منه

تغوّل مياه البحر وتراكم الأوساخ يهددان النيل شريان الحياة لملايين البشر.
السبت 2020/03/21
النيل فقد قداسته

القاهرة  – ذات صباح ضبابي في مارس في القاهرة، ركب العشرات من المتطوعين قوارب الكاياك وانطلقوا في إحدى جولاتهم لتخليص النيل من المخلفات الطافية، مدركين المخاطر غير المسبوقة التي يواجهها النهر العريق.

“على الناس أن يدركوا أن النيل بمثل أهمية الأهرامات إن لم يكن أكثر”، بهذه الجملة شرح مصطفي حبيب، وهو في التاسعة والعشرين من عمره، سبب مشاركته في تأسيس جمعية “فيري نايل” التي تقوم منذ ثلاث سنوات بتنظيف النيل من المخلفات والأكياس والقطع البلاستيكية. وتضم جمعية “فيري نايل” نحو 300 متطوع جمعوا خلال السنوات الثلاث الماضية 37 طنا من العبوات والمخلفات البلاستيكية الأخرى.

يمتد النيل بطول 6600 كيلومتر من منبعه إلى مصباته ليغطي مساحة تبلغ ثلاثة ملايين كيلومتر مربع، أي 10 بالمئة من مساحة قارة أفريقيا ويمر في عشر دول: بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا واوغندا ورواندا وجنوب السودان وتنزانيا وإثيوبيا والسودان ومصر. وتشكل مياه النيل موردا مهما بالتالي لحوالي 500 مليون شخص يعيشون على ضفافه.

أزمة مياه

النهر يوفّر 97 في المئة من احتياجات مصر
النهر يوفّر 97 في المئة من احتياجات مصر

بات النهر، الذي كان لدى الفراعنة إلها يُعبد، يعاني أكثر من أيّ وقت مضى من عبء السكان المستفيدين منه. ولا تعتمد أيّ دولة على النيل مثلما تعتمد عليه مصر التي يوفر لها النهر حتى الآن 97 في المئة من احتياجاتها من المياه. ويقول وليد محمد، وهو طالب في الحادية والعشرين من العمر ومتطوع للعمل مع “فيري نايل”، إن “النيل هو مصدر مياه الشرب الأساسي في مصر. ليس لدينا أيّ نهر آخر”.

وتشهد مصر زيادة سكانية كبيرة إذ تجاوز عدد سكانها للتو المئة مليون نسمة. وإذا استمر معدل النمو على هذا النحو سيصل تعداد سكانها إلى 120 مليون نسمة عام 2030. وفي الوقت نفسه، تتزايد مواسم الجفاف والمواسم الحارة في كل دول حوض النيل بسبب التغير المناخي.

وأشارت دراسة أجرتها كلية دارتموث على منطقة منابع النيل إلى أنه رغم زيادة الأمطار المرتبطة بالتغير المناخي فإن “السنوات الحارة والجافة يمكن أن تزيد بسبب ارتفاع درجات الحرارة”.

وقال جوستن أس. مانكين أستاذ الجغرافيا في كلية دارتموث الذي شارك في الدراسة والمتخصص في المناخ إن “معدل السنوات الجافة والحارة سيتضاعف على الأقل من الآن حتى منتصف القرن”. وبالتالي، بحسب مانكين، فبحلول العام 2050 “سيعاني 45 في المئة من سكان دول منابع النيل من نقص في المياه”. ويعتقد الباحث أن المشكلات عند منابع النيل ستنعكس على دول المصبّ.

تلوث متزايد

مياه ملوثة تنقل الأمراض
مياه ملوثة تنقل الأمراض

أظهر العديد من الدراسات أن التلوث، خصوصا عند مصبات النهر، تزايد خلال السنوات الأخيرة. ووفقا للأمم المتحدة، فإن 7 في المئة من المصريين لا تتوافر لهم مياه عذبة ونظيفة. ويعيش 8 في المئة منهم في ظروف كفيلة بنقل الأمراض.

ومصادر التلوث عديدة منها مياه المجاري والمخلفات المنزلية التي يتم إلقاؤها مباشرة في النيل، والتلوث الزراعي الناتج عن مياه الصرف والتلوث الصناعي بالمواد الكيميائية.

كل هذه المخلفات تؤدي إلى وجود معادن ثقيلة (حديد، منغنيز، نحاس، نيكل، رصاص) في المياه مع ما يترتب على ذلك من نتائج كارثية، وفقا للخبراء، على التنوع البيولوجي وخصوصا على الصيد. وفي مصر، تلقى في النيل كل عام 150 مليون طن من المخلفات الصناعية، وفقا لتقرير وزارة البيئة عام 2018.

ويواجه النيل تحديا آخر وهو ارتفاع مياه البحر المتوسط بسبب الاحتباس الحراري. ويهدد ذلك بتغول مياه البحر على دلتا النيل أكثر المناطق الزراعية خصوبة في مصر. وفي الإجمالي، يمكن أن ينخفض حجم القطاع الزراعي إلى النصف بحلول العام 2060، بحسب المتخصصين.

وتقول جاني سويرز، أستاذة العلوم السياسية في جامعة نيوهامبشير، التي كتبت كتابا عن السياسات البيئية في مصر، إن هذا البلد “ينبغي أن يستثمر في مصادر للمياه غير النيل” مضيفة أن “هذا يعني أن تعطي مصر الأولوية لمحطات معالجة مياه البحر على السواحل وتحسين الريّ وأنظمة الصرف”.

توتر متصاعد

خلافات متصاعدة
خلافات متصاعدة

تتصاعد الخلافات بين دول حوض النيل حول الاستفادة من مياه النهر منذ بضع سنوات خصوصا بشأن سد النهضة الذي تشيّده أثيوبيا. وسيصبح المشروع الضخم الذي تبلغ كلفته 4 مليارات دولار أكبر سد لتوليد الطاقة الكهربية من المياه في أفريقيا. لكن مصر تخشى من انخفاض حاد في منسوب مياه النيل الذي يصل اليها إذا ما تم ملء خزان السد في فترة قصيرة للغاية. وأكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمام الأمم المتحدة في العام 2019 أن النيل “مسألة حياة أو موت لمصر”. وتكثفت المفاوضات بين الدول الثلاث المعنية، مصر وإثيوبيا والسودان، خلال الشهور الأخيرة برعاية الولايات المتحدة للتوصل إلى تسوية.

ويعتبر السودان من جانبه أن تشييد السد سيكون له مردود إيجابي عليه إذ سيمكنه من الحصول على الكهرباء وسينظم الفيضانات ما يساهم في تحسين الريّ. أما إثيوبيا، التي يعيش نصف سكانها البالغ عددهم 110 مليون نسمة من دون كهرباء، فتريد الانتهاء من بناء السد وتحقيق أهدافها التنموية.

وقال أفريم ولدكيدان، مساعد المسؤول عن عمليات التشييد في موقع السد، “ليس هناك مبرر لشكوى دول المصبّ لأن النيل هو موردنا أيضا”، فيما شدّد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن بلاده على استعداد للدفاع عن السد بالقوة إذا تطلب الأمر.

"فيري نايل" مبادرة لحماية نهر النيل
"فيري نايل" مبادرة لحماية شريان حياة المصريين

 

6