النيل.. من شريان حياة المصريين إلى نهضة الإثيوبيين

القاهرة- تواصل القاهرة وضع استراتيجيات لمجابهة ما يمكن أن ينتج عن استكمال إثيوبيا لمشروع سد النهضة. وسيكون هذا الملف الشائك على رأس المناقشات التي ستجمع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالرئيس السوداني عمر حسن البشير خلال زيارته الخميس المقبل إلى الخرطوم.
وفي خطوة استباقية للتوقي من تداعيات سد النهضة الإثيوبي، أقرت الحكومة المصرية، مؤخرا، خطة لتوفير مليار متر مكعب من المياه، ضمن مساع لتحقيق الأمن المائي في البلاد. وتخشى القاهرة من أن تتمكّن أديس أبابا من تقليص حصتها من المياه المتدفقة من النيل عقب استكمال مشروع سد النهضة وهو ما سيؤثر سلبا على أهم القطاعات الحيوية في البلاد وفي مقدمتها الزراعة.
وتعكف إثيوبيا على بناء سد النهضة بقيمة 5 مليارات دولار على ضفاف النيل الأزرق، بالقرب من الحدود مع السودان. وعند اكتماله، سيصبح أكبر سد في أفريقيا، حيث سيولد حوالي 6 آلاف ميغاواط من الكهرباء للاستخدام المحلي والتصدير. وظلت قضية السد طيلة سبع سنوات محل خلاف مع مصر والسودان حيث ستقع إدارة تدفق مياه النيل الأزرق في أيدي إثيوبيا ما سيؤدي إلى حدوث تحول في ميزان القوى في المنطقة.
القاهرة تخشى من أن تتمكّن أديس أبابا من تقليص حصتها من المياه المتدفقة من النيل عقب استكمال مشروع سد النهضة
ومن التداعيات التي سيحدثها سد النهضة تأثيره على الموارد المائية لمصر، حيث يعتبر النيل منذ القدم شريان حياة المصريين الذين يعيش غالبيتهم على ضفافه. ونقلت محطة “سي.أن.أن” الأميركية عن علي البحراوي، أستاذ الهيدرولوجيا في جامعة عين شمس بالقاهرة قوله إنه “في حال قللت إثيوبيا كمية المياه القادمة إلى مصر، فإن ذلك سيضع مصر في مشكلة كبيرة”. وأصبحت مسألة ندرة المياه في مصر قضية خطيرة للغاية.
يقع الجزء الأكبر من نهر النيل داخل الأراضي المصرية، إلا أن مصدريه يقعان خارج البلاد. يبدأ النيل الأبيض عند بحيرة فيكتوريا، أكبر بحيرة في أفريقيا، التي تقع بين تنزانيا وكينيا وأوغندا، في حين أن النيل الأزرق ينبع من بحيرة تانا في المرتفعات الإثيوبية.
ويندمج هذان النهران بالقرب من العاصمة السودانية الخرطوم ليشكلان الممر المائي الرئيسي الذي يتدفق شمالاً عبر مصر إلى البحر المتوسط. وتم إثبات أحقية مصر في مياه النيل في المعاهدة الأنجلو- المصرية الموقعة بين مصر وبريطانيا في عام 1929، وفي الاتفاق الثنائي لعام 1959 بين مصر والسودان. ولم تخصص اتفاقيات مياه النيل أي حصة لإثيوبيا رغم أنها موطن لأحد مصادر النيل الرئيسية.
ويقول جون موكوم مباكو، أستاذ الاقتصاد في جامعة ويبر ستيت بالولايات المتحدة “يُعتقد أن مصر حصلت على هذه الشروط المواتية خلال الحقبة الاستعمارية، نظرا لأهمية البلاد بالنسبة للمصالح الزراعية للمملكة المتحدة، ولا سيما حقول القطن فيها”.
ويقول مباكو “تصف دول حوض نهر النيل الأخرى هذه الاتفاقيات بغير العادلة وغير المنصفة”، مضيفا أن دول المنبع، بما في ذلك إثيوبيا، تؤكد على أنها “غير ملتزمة بهذه الاتفاقيات”. وفي عام 1999، بدأت دول حوض نهر النيل مفاوضات لتصميم إطار قانوني من شأنه أن يوفر تخصيصا أكثر عدلا لمياه النيل، لكن مصر والسودان لم يتنازلا عن “الحماية المطلقة لحقوقهما المسبقة” ولم يتم التوصل إلى توافق في ذلك الوقت.
تملك مصر على عكس دول الجوار نهرا واحدا فقط، لذلك هي الأكثر عرضة للجفاف. وتعتبر عملية ملء خزان سد النهضة محور المفاوضات الأخيرة، ويقول كيفن ويلر، من معهد التغيير البيئي في جامعة أكسفورد، “من الناحية الفنية، يمكن ملء خزان السد الإثيوبي خلال ثلاث سنوات. إلا أن مصر تفضل أن يستمر الأمر لفترة زمنية أطول تقدر بحوالي 10 سنوات”. ويضيف “إذا حدث الجفاف تزامنا مع ملء الخزان، فحتى التعبئة البطيئة يمكن أن تكون مشكلة. فالحسابات معقدة لأن المتغيرات مفتوحة على التفاوض”.
من جهته، يقول خالد أبوزيد، الأمين العام للشركة المصرية للمياه، إنه يشعر بالقلق العميق من “الخسائر المتراكمة طويلة الأجل التي سيسببها السد بمجرد تشغيله”. ويضيف “إذا تم تشغيل الخزان وراء سد النهضة الإثيوبي على أعلى مستوياته، فسينتج عنه خسائر فادحة بسبب التسرب والتبخر. حيث إن الماء المفقود كان في السابق، يجد طريقه نحو سد أسوان العالي”.
ويؤكد أبوزيد أن صافي الخسائر الإضافية التي ستنتج عن سد النهضة قد تصل إلى 60 مليار متر مكعب على مدى 10 سنوات. ويشير إلى أنه في السنوات الجافة، يمكن أن تجف مساحات من الأراضي الزراعية بمساحة 625 ألف فدان، مما سيؤدي إلى حدوث خسائر اقتصادية تقدر بحوالي 2 مليار دولار سنويا، ويترك ما يصل إلى مليون مزارع وعامل بلا عمل، علاوة على أن معدلات توليد الطاقة الكهرومائية بسد أسوان العالي ستتراجع بنسبة تصل إلى 40 بالمئة”.
كان من المفترض الانتهاء من بناء سد النهضة الإثيوبي في عام 2017، ولكن بسبب التأخير، لم يكتمل سوى ثلثي أعمال البناء. وفي أغسطس الماضي، توقفت أعمال البناء عندما أنهت الحكومة الإثيوبية العقد من أجل تركيب التوربينات مع شركة “ميتيك” الحكومية في محاولة للقضاء على الفساد.
يعد التأجيل بالنسبة لمصر أمرا مؤقتا. وبمجرد عودة المشروع الإثيوبي إلى مساره، سيكون التعاون الوثيق بين إثيوبيا والسودان ومصر أساسيا في حال الرغبة في إبقاء الآثار السلبية للسد إلى أدنى حد ممكن. وسيتطلب الخروج بنتيجة ناجحة حنكة سياسية وحسن نية وفق ويلر الذي يقول إن الشفافية في المعلومات وتطوير منصات فعّالة لتبادل البيانات والاتصالات هي أمور حاسمة أيضا.