النفوذ التركي المتصاعد في دول القرن الأفريقي يواجه تحديات

تركيا تسعى إلى إعادة تموضعها كقوة متوسطة الحجم مؤثرة في عالم متعدد الأقطاب.
الثلاثاء 2024/09/10
المنافسون الدوليون على الخط

أبوظبي - مع اقتراب انعقاد الجولة الثالثة من محادثات الوساطة التركية بين الصومال وإثيوبياً والمُقررة يوم 17 سبتمبر 2024 في العاصمة أنقرة، وتزامناً مع تزايد حضور العديد من القوى الإقليمية والدولية المتنافسة في منطقة القرن الأفريقي، تُثار تساؤلات حول التحديات التي تواجه النفوذ التركي في هذه المنطقة الإستراتيجية ولاسيما في ظل وجود العديد من المؤشرات على تصاعد هذا النفوذ خلال الأشهر الماضية.

ولم تكن السياسة الخارجية التركية تجاه منطقة القرن الأفريقي، التي تضم كلاً من الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وإريتريا، بمعزل عن التوترات الجيوسياسية والانقسامات التي شهدتها دول هذه المنطقة من جهة، والتطورات على الصعيد الأفريقي ككل من تزايد المنافسة بين القوى الدولية والإقليمية لتعزيز حضورها على البحر الأحمر في ظل ما يواجهه من جملة من المتغيرات من جهة أخرى.

ومن جانبها، تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها وتقديم نفسها كأحد الفاعلين في القرن الإفريقي، سواء فيما يتعلق بتوقيع اتفاقيات التعاون الدفاعي، أم قيامها بدور الوساطة، أم الاستثمار في مجال الطاقة والنفط.

وترى الباحثة المتخصصة في الشؤون الأفريقية إيمان الشعراوي في تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن هذه المساعي تطرح تساؤلات حول حدود هذا الدور ودوافعه ومدى قدرة أنقرة على الوفاء بهذه الالتزامات في ظل الكثير من التحديات الإقليمية والدولية.

مؤشرات النفوذ

شعارات لا تنتهي
شعارات لا تنتهي

ثمة عدد من المؤشرات الدالة على تصاعد النفوذ التركي في منطقة القرن الأفريقي خلال الفترة الأخيرة.

ووقّعت تركيا والصومال، في العاصمة أنقرة، في فبراير 2024، اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي بين البلدين. وحسب الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، فإن هذه الاتفاقية تهدف إلى بناء البحرية الصومالية واستغلال الموارد الطبيعية في المياه الصومالية وحمايتها من النشاطات غير القانونية من القراصنة وتهريب المخدرات والأسلحة والإرهاب. وهي اتفاقية تمتد لعشر سنوات، وبعد ذلك من المفترض أن تكون لدى الصومال قواته البحرية الخاصة التي ستتولى هذه المهمة.

ووقّعت تركيا أيضا، في فبراير الماضي، ثلاث اتفاقيات تعاون مع جيبوتي، اشتملت على التعاون في مجال التدريب العسكري، والتعاون المالي العسكري، وبروتوكول تنفيذ المساعدات النقدية.

وسعت تركيا لتصدير أسلحتها إلى دول القرن الأفريقي، ومنها الطائرات من دون طيار، إذ زودت شركة “بايكار” التركية للطائرات من دون طيار الصومال بعدد من طائراتها من طراز (TB2)؛ مما أدى إلى توسيع هجوم الصومال ضد حركة الشباب الإرهابية. وأفاد عدد من التقارير الدولية بأن القوات الفيدرالية الإثيوبية استخدمت طائرات مّسيَّرة تركية في الحرب مع التيغراي. وفي ديسمبر 2023، ظهر رئيس شركة “بايكار” وهو يسلم رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، مجسماً للطائرة، كما ظهرت خلفه طائرة تتطابق شفرات مروحة محركها مع شفرات الطائرة من دون طيار “أكينجي”؛ أحدث الطائرات التركية.

ووقّعت تركيا والصومال اتفاقية تعاون في مجال النفط والغاز في مارس 2024، وتشمل استكشاف وتقييم وتطوير وإنتاج النفط في المناطق البرية والبحرية الصومالية. وفي يوليو الماضي، وقّعت أنقرة ومقديشيو اتفاقية لاستكشاف وإنتاج الهيدروكربون، كما تم الاتفاق على إرسال تركيا سفينتها البحثية “أوروتش رئيس” لإجراء دراسات زلزالية في منطقة قبالة الساحل الصومالي. وأعلنت تركيا أنها سترسل سفينة التنقيب “عروج ريس” البالغ طولها 86 متراً لاستكشاف مكامن نفط بحرية تابعة للصومال في شهر سبتمبر الجاري.

واضطلعت تركيا بالوساطة بين الصومال وإثيوبيا في ظل الخلافات بينهما، على إثر توقيع الأخيرة اتفاقية مع أرض الصومال تتيح لها إيجاد موطئ قدم على البحر الأحمر. وانتهت الجولة الأولى والثانية من المحادثات الخاصة بهذه الوساطة دون اتفاق، وتتطلع أنقرة لأن تنجح هذه الوساطة خلال الجولة الثالثة من المحادثات المقرر أن تبدأ في أنقرة يوم 17 سبتمبر الجاري.

دوافع أنقرة

استراتيجية جديدة للتوسع داخل القارة السمراء
استراتيجية جديدة للتوسع داخل القارة السمراء

يعزز أهمية منطقة القرن الأفريقي في الصراع الدولي والإقليمي، تمتعها بموقع إستراتيجي مهم؛ إذ تعتبر نقطة ربط بين القارات الثلاث؛ أفريقيا وآسيا وأوروبا، من خلال وصولها الأوسع إلى البحر، وهي محاطة بالبحر الأحمر والمحيط الهندي وخليج عدن، بالإضافة إلى مواردها الطبيعية والمعدنية والنفط.

ويعزز الأهمية الإستراتيجية لدول القرن الأفريقي وقوع معظمها على البحر الأحمر؛ ولاسيما بعد بروز أهميته كورقة ضغط يمكن استخدامها تزامناً مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والهجمات الحوثية التي شكلت تهديداً عسكرياً مباشراً للملاحة الدولية في البحر الأحمر، الذي تمر عبره 12 في المئة من حجم التجارة العالمية المحمولة، ونحو 30 في المئة من حركة الحاويات العالمية؛ لذا فإن تعزيز الوجود التركي في الدول الأفريقية المُطلة على البحر الأحمر يعزز حضورها الإقليمي، ويأتي استكمالاً لخطواتها السابقة بافتتاح أنقرة أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في الصومال عام 2017، والتوقيع مع جيبوتي في 2016 على اتفاقية لبناء منطقة اقتصادية حرة على البحر الأحمر بمساحة خمسة ملايين متر مربع.

وعلى الرغم من حقيقة أن الشركات الدفاعية التركية تُعد صغيرة مقارنةً بنظيرتها الغربية والروسية الكبرى؛ تسعى أنقرة لأن تصبح تدريجياً مورداً لسوق الأسلحة في القرن الإفريقي؛ لتأمين مصالحها، وتعزيز نفوذها في المنطقة. وأصبحت الطائرات من دون طيار التركية سلاحاً شائعاً بشكل متزايد في الصراعات الإفريقية، وهو ما أكده تحقيق تركيا نمواً بنسبة 27 في المئة في صادرات الدفاع والفضاء الدولية عام 2023، لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 5.5 مليار دولار.

تركيا وقّعت في فبراير الماضي ثلاث اتفاقيات تعاون مع جيبوتي، اشتملت على التعاون في مجال التدريب العسكري، والتعاون المالي العسكري، وبروتوكول تنفيذ المساعدات النقدية

وبالنسبة للدول الأفريقية، تتمتع المنتجات الدفاعية التركية بالعديد من المزايا، فهي ميسورة التكلفة وموثوقة من الناحية الفنية؛ إذ تم اختبارها في ليبيا وسوريا، ومؤخراً في أوكرانيا. وبالنسبة للدول التي تواجه حركات التمرد ولديها جيوش ذات موارد ضعيفة وحدود مسامية، مثل: توغو والنيجر ونيجيريا والصومال؛ فإن طائرات تركيا المُسيَّرة وخبرتها في مكافحة الإرهاب ذات قيمة خاصة. وعلى عكس الغرب، لا تجعل أنقرة إعطاء هذه الطائرات مشروطاً بالحوكمة أو الالتزامات المتعلقة بحقوق الإنسان.

وتسعى تركيا من خلال زيادة مبيعات الأسلحة لأفريقيا، إلى إعادة تموضعها كقوة متوسطة الحجم مؤثرة في عالم متعدد الأقطاب. فبمجرد أن تشتري دولة أفريقية طائرات من دون طيار أو غيرها من المعدات العسكرية؛ فإنها تعتمد على المُورد للحصول على الذخيرة وقطع الغيار والصيانة؛ مما يخلق تبعيات دائمة قد تصبح ورقة مساومة قيّمة للمُصدر.

وتسعى أنقرة، من خلال تفاهماتها مع الصومال، إلى أن تؤدي دوراً أكثر هيمنة في استخراج الطاقة؛ وهي الصناعة التي كانت تأمل في دخولها لسنوات لتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، وتنويع إمدادات النفط الخام. ولم يكن هذا التوجه التركي جديداً، فقد أبدى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اهتمامه بإمكانية استيراد النفط من الصومال عام 2020؛ وذلك في ظل سعي أنقرة لتقليل اعتمادها على واردات الطاقة من روسيا وإيران.

وتعتبر أنقرة هي المستفيد الأكبر من التعاون مع دول القرن الأفريقي؛ وذلك بسبب التحديات التي تواجه هذه الدول؛ نتيجة انتشار الصراعات الإثنية والقبلية، وتفاقم حجم النزاعات المسلحة والصراعات الحدودية، التي أثرت في الأنظمة السياسية الحاكمة لهذه الدول، وترتب عليها عدم الاستقرار بالشكل الذي يجعل عدداً من هذه الاتفاقات ومواردها قد لا تصب في صالح تنمية دول القرن الأفريقي، ويصرف بعضها كأسلحة لدعم أطراف النزاع.

كما تتعزز استفادة أنقرة من التعاون مع دول هذه المنطقة التي تحظى بموقع جيوستراتيجي حيوي؛ خاصةً الصومال وجيبوتي اللتان تقعان على مضيق باب المندب وخليج عدن، بالإضافة إلى الهيمنة التركية على الصومال؛ ولاسيما بعد اتفاقية التعاون الدفاعي في فبراير الماضي.

تحديات المنافسة

Thumbnail

على الرغم من أن تغير النظام العالمي في اتجاه انتهاء عصر القطبية الأحادية، ووجود عالم متعدد الأقطاب، قد يصب في صالح تعزيز الوجود التركي في أفريقيا؛ لأنه مثلاً قد يجعل من الصعب على الاتحاد الأوروبي أن يصمم سياسة أفريقية متماسكة، كما فشلت معظم المبادرات التي أطلقتها الولايات المتحدة في القارة السمراء؛ يظل التحدي الأبرز الذي يواجه الدور التركي في القرن الأفريقي يتعلق بسعي القوى الدولية، وعلى رأسها روسيا والصين، التي تعتبر هذه المنطقة بمثابة نفوذ إستراتيجي لها؛ لتعزيز نفوذها داخل أفريقيا، وخلق حالة من التنافس العسكري والاقتصادي والجيوسياسي.

كما أن المنافسة بين العديد من القوى الدولية والإقليمية على النفوذ في الصومال، والمشكلات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تواجه هذا البلد؛ كل ذلك من شأنه أن يشكل تحديات لتنفيذ اتفاقية التعاون الدفاعي لتركيا مع الصومال، ومساعي أنقرة للحصول على دور أكبر في القرن الأفريقي.

التحدي الأبرز الذي يواجه الدور التركي في القرن الأفريقي يتعلق بمنافسة القوى الدولية وعلى رأسها روسيا والصين

و في ضوء التحركات العسكرية المصرية في الصومال مؤخراً، سيتعين على أنقرة التنسيق مع القاهرة هناك؛ منعاً لتضارب المصالح بينهما، وخاصةً أن ذلك يأتي بالتزامن مع وجود قفزة نوعية في علاقات البلدين وتطورها بصورة ملحوظة خلال الفترة الأخيرة، والتي توجت بالزيارة التاريخية للرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، لأنقرة يوم 4 سبتمبر الجاري، للمرة الأولى منذ توليه الرئاسة، والتي جاءت بعد زيارة أردوغان إلى القاهرة في فبراير الماضي، وكانت أيضاً الأولى له منذ 12 عاماً.

وشهدت زيارة السيسي لأنقرة ترؤسه هو وأردوغان لأول اجتماعات مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى، وتوقيع عدد من مذكرات التفاهم بين البلدين في عدة مجالات؛ بما يعكس الإرادة المشتركة لتعزيز العلاقات الثنائية، والتنسيق في عدد من القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها الصومال وإثيوبيا والسودان، ناهيك عن ملفي حرب غزة وليبيا.

وعلى الرغم من التحديات التي قد تواجه الحضور التركي في القرن الأفريقي، من المتوقع أن تظل هذه المنطقة متصدرة لأولويات السياسة الخارجية التركية، مع تزايد التعاون في المجال الأمني والعسكري ولجوء المزيد من الدول الأفريقية إلى المعدات والخبرات الدفاعية التركية.

ومن المتوقع أن تمهد هذه الاتفاقات لسعي أنقرة لنفوذ أكبر في دول أخرى بالقرن الأفريقي، ومنها جيبوتي من خلال قيام الجيش التركي بتدريب وتأهيل قوات هذا البلد.

 

اقرأ أيضا:

        • على تركيا الاعتذار عما فعله العثمانيون بالعالم العربي

6