النفايات النووية.. الجانب المظلم من طفرة المفاعلات الصغيرة

المفاعلات النووية الصغيرة تنتج مستويات عالية من النفايات يمكن أن تكون آثارها أسوأ عند مقارنتها بسابقاتها كبيرة الحجم.
الجمعة 2025/01/17
المفاعل النووي ذو أخطار عالية كبر حجمه أو صغر

واشنطن - أصبحت الطاقة النووية جاهزة لدخول مرحلة جديدة. فبعد عقود من التدهور الحاد وتراجع ثقة الجمهور، بدأت هذه التكنولوجيا المثيرة للجدل تشهد تحولا إيجابيا يَعِد بعصر جديد تتلاشي فيه ذكريات كوارث فوكوشيما وتشيرنوبيل وحادث جزيرة الثلاثة أميال.

ويصعب اليوم تجاهل فوائد الطاقة النووية الحيوية الخالية من الكربون مع اقتراب مواعيد الالتزامات المناخية النهائية وارتفاع الطلب على الطاقة. لكن مستقبل قطاع الطاقة النووية لن يتطابق مع ما شهده العالم خلال فترة ازدهاره الأخيرة، حيث تختلف طبيعة التقدم التكنولوجي وحتى الفئة التي تشكّل أكبر داعميه.

وظلت الطاقة النووية قائمة في روسيا وآسيا. لكنها تراجعت في الغرب حتى السنوات القليلة الماضية. واجتهدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من أجل إعطاء الدفع الذي تتطلبه العودة النووية عبر سن قانون خفض التضخم الذي منح إعفاءات ضريبية وحوافز أخرى تدعم هذا القطاع.

كما يحاول المدافعون الأوروبيون عن الطاقة النووية دفع سياسة دعمها بينما تصقل قارتهم صورة هذه التكنولوجيا للتكيف مع آثار عقوبات الطاقة المفروضة على روسيا.

ويتحول الرأي العام في الغرب عامة لصالح الطاقة النووية. وأجرت مؤسسة غالوبا الأميركية للتحليلات والاستشارات استطلاعا حدد أن دعم الطاقة النووية في الولايات المتحدة كان عند أعلى مستوى له منذ 10 سنوات اعتبارا من سنة 2023.

♦ اليوم يصعب تجاهل فوائد الطاقة النووية الحيوية الخالية من الكربون مع اقتراب مواعيد الالتزامات المناخية النهائية وارتفاع الطلب على الطاقة

وأصبح كبار شخصيات المجال التكنولوجي من أشد مؤيدي التوسع في استغلال الطاقة النووية التي يرون فيها حلا ناجعا لمواكبة توسع الطلب على الطاقة التي تغذي تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي.

ويرتفع طلب مراكز البيانات على الطاقة إلى ما سيتجاوز قريبا إمكانات إنتاج الولايات المتحدة إلا إذا دخلت الطاقة النووية إلى المعادلة مع مجموعة البدائل الأخرى منخفضة الكربون. ويشجع هذا كبار الشخصيات في مجال التكنولوجيا لدعم الطاقة النووية، خاصة وأن لهم مصالح في مجموعة من الشركات الناشئة في هذا القطاع.

ولن يكون نوع الطاقة النووية الذي تحاول هذه الشركات إدخاله إلى المشهد مشابها لذاك الذي تبددت شعبيته على مدى العقود القليلة الماضية. وتعاني الطاقة النووية التقليدية عددا من العيوب، أبرزها مصاريفها الأولية المرتفعة وعبء تخزين النفايات النووية الخطرة المكلف.

ويطمح المدافعون الجدد عن الطاقة النووية إلى مواجهة التحدي السابق بالمفاعلات النووية الأصغر التي يمكن ضخها بكميات كبيرة ثم تركيبها في الموقع مقابل تكاليف تطوير أقل. وتشهد الصناعة اليوم سباقا تنافسيا في سوق المفاعلات النووية الصغيرة التي لا يتجاوز حجمها حجم حاوية الشحن والتي تعمل مثل حزمة بطارية عملاقة.

ونشر موقع يورونيوز مؤخرا أن المفاعلات الصغيرة تتمتع بالقدرة على توفير الطاقة النظيفة مع ميزات أمان من شأنها التقليل من مخاطر الانبعاثات المشعة. وأكد أنها “أرخص بكثير من النماذج الكبيرة لأنها مبنية في المصانع قبل تركيبها في الوحدات عند الحاجة إليها.”

ويمكن أن تخدم هذه المفاعلات الصغيرة مجموعة كبيرة من المهام. ولا تتطلب أي عمال في الموقع لتشغيلها وصيانتها. ويمكن تشغيلها عن بعد وبشكل مستقل. ويعني هذا نفقات أقل وانخفاضا في التكاليف الأولية. فما هو الجانب السلبي؟

وخلص العلماء إلى عكس ما روج له المدافعون عن الطاقة النووية. وتنتج المفاعلات النووية الصغيرة مستويات عالية من النفايات النووية. ويمكن أن تكون آثارها بذلك أسوأ على الكوكب عند مقارنتها بسابقاتها كبيرة الحجم.

وقالت ليند سيكرال، المؤلفة الرئيسية لدراسة ستانفورد، إن “نتائجنا تظهر أن جل تصميمات مفاعلات الوحدات الصغيرة ستزيد في الواقع من حجم النفايات النووية التي تتطلب الإدارة والتخلص، بدرجة تمتد من 2 إلى 30. وتتناقض هذه النتائج مع فوائد الحد من التكلفة والنفايات التي زعمها المدافعون عن التقنيات النووية المتقدمة.”

وتقول الباحثة هايليزا ريمبا في تقرير نشره موقع أويل برايس الأميركي إن بعض أعضاء المجتمع العلمي أدركوا هذا الخطر. وتخلل نشرة علماء الذرة عنوان “قولوا لا لمفاعلات الوحدات الصغيرة.”

لكن الأصوات المعارضة للمفاعلات الصغيرة تبدو صادرة عن أقلية بينما تتواصل الصناعة المدعومة من وادي السيليكون بأقصى سرعة. كما انضمت أوروبا إلى السباق.

ومن غير المرجح أن تنجح إنذارات العلماء، وإن كانت نابعة من أسس سليمة، في تقويض الحماس الشديد الذي يغذيه توسع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي لا يمكن إيقافها على ما يبدو.

7