النظام الإيراني يوظف الفنون "الشريرة" لخدمة مصالحه السياسية

طهران - أصدر مغني الراب الإيراني أمير تاتالو فيديو كليب جديد قبل يوم واحد من وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق النووي الإيراني في 14 يوليو الجاري، وحمّله عنوان “الطاقة النووية”. وأحدثت الأغنية الجديدة، التي تم تداولها بشكل قياسي على شبكة الإنترنت، صدى داخل إيران وخارجها.
ولكن الجدل هذه المرة لم يكن مردّه كالعادة، أحد الموضوعات المستفزة للنظام والتي اشتهرت بها أعمال أمير تاتالو، بل كان دعم الجيش النظامي الإيراني لهذا العمل، الذي تظهر فيه عناصر من القوات البحرية الإيرانية، وهم يشاركون كـ”كوركس” يردّد وراء مغني الراب، على سفينة حربية “هذا حقنا المطلق، بأن يكون الخليج مسلحا”.
وذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أن الفيديو الذي يبدو أن فيه دعما واضحا من النظام الإيراني وجهازه العسكري، أدى إلى إحداث صدمة لدى الكثير من الإيرانيين، بالنظر إلى أن المسؤولين تجاهلوا منظر مغني الراب الذي يغطي الوشم جزءا من جسمه وله شعر طويل ويرتدي أقراطا في أذنه.
ويعتبر أمير تاتالو (32 عاما) واحدا من أشهر مغني الراب في إيران، وله أكثر من 1.4 مليون متابع على انستغرام و1.2 مليون على الفيسبوك، لكن لا توجد أغنية له تمت إذاعتها في قنوات التليفزيون أو الإذاعة الإيرانية، لأنه غير مرخص من قبل وزارة الثقافة الإيرانية، وقد سبق أن وجّه انتقادات عديدة للحكومة بسبب حظر ألبوماته، التي يعتبرها النظام الإيراني تحاكي النمط الغربي و”غير أخلاقية”.
وتم سنة 2013 اعتقال تاتالو بتهمة التعدي على أخلاق المجتمع والتعاون مع محطات فضائية أجنبية. لكن، يبدو أن الجيش الإيراني تناسى هذه الاتهامات ووضعها جانبا وقرّر توظيف شعبية أمير تاتالو ورواج موسيقى الراب في الأوساط الشبابية الإيرانية لفائدته. فقد اختاره الجنرالات مع جنود في عرض خاص بمنطقة عسكرية وفوق سفينة بحرية ضخمة، لتصوير أغنيته “الطاقة النووية”، التي بدت كلماتها أقرب إلى الشعارات.
تشير معدة تقرير “الغارديان” باحثة الانثروبولوجيا الإيرانية نرجس باجوغلي أنه مع الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003، وجدت إيران نفسها محاطة بقوات عسكرية صنفها الرئيس جورج بوش آنذاك كجزء من “محور الشر”. وبما أنها غير متأكدة من الخطوة التالية لإدارة بوش بعد سقوط بغداد، وتدخل أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية لإثارة الاضطرابات بين الأقليات العرقية، أيقنت المؤسسة الإسلامية أنها في حاجة إلى حشد الدعم.
وأمضى صناع المشهد الإعلامي العشرين عاما الماضية في إنتاج أفلام ومسلسلات تلفزيونية، وكتب عن “الدفاع المقدس” وحرب 1980-1988 بين العراق وإيران. ولكن، منذ التسعينات تراجعت مبيعات الكتب بشكل كبير. وبالنسبة إلى الجزء الأكبر من الشباب الإيراني لم يعتبر الأفلام والكتب التي تتحدث عن الحرب الماضية للجمهورية الإسلامية بأنها “مقدسة”.
آثار الاتفاق النووي مع الغرب تجد صداها في الأعمال الثقافية الإيرانية بهدف استمالة الشباب
وتنقل نرجس باجوغلي عن أحد منتجي الأفلام الموالين للنظام الذي عمل لمدة ثماني سنوات من الحرب كجندي متطوع على الجبهة وأصبح في وقت لاحق ضابطا رفيع المستوى في الحرس الثوري قوله “بصراحة، لقد جعلنا الشباب ينفر منا بسبب الأفلام التي أنتجناها خلال الثمانينات والتسعينات. علينا أن نتعلم التكلّم بلغة الشباب واستخدام رموزهم إذا كنا نريد منهم أن يخيروا أعمالنا. باختصار، علينا أن نقوم بتسليتهم”.
ويرصد تقرير الغارديان تزايد مظاهر القومية لدى عموم السكان،. وبدأ صناع الإعلام الحكومي في تسليط الضوء على هذا الشعور في جميع الإنتاجات الثقافية، من المتاحف إلى الأفلام والكتب والآن الموسيقى.
وتذكر باجوغلي كمثال على ذلك متحف الدفاع المقدس في شمال طهران الذي تكلف بناؤه الملايين من الدولارات، بتمويل من مكتب محمد باقر قليباف، رئيس بلدية المدينة والقائد السابق للحرس الثوري، والذي تمّ افتتاحه في أواخر العام 2012. وهو يقدم رواية عن الحرب بين إيران والعراق تختلف عن الرواية القديمة. فالرواية كانت ذات بعد ديني بحت.
وهذا المتحف، تماشيا مع الاستراتيجية الجديدة التي يتبعها منتجو الثقافة الإيرانية الموالون للنظام، يتحرك بعيدا عن الاحتفال بالشهداء وتقديم الروايات حول القومية والكرامة والكبرياء. وقال أحد المخرجين المهمين في إحدى الجلسات مع المنتجين الثقافيين إن “هذا الجيل لا يفهم اللغة الدينية، علينا إعادة صياغة أبطالنا بالنسبة إليهم،.
في ضوء ذلك، تدفقت التمويلات الحكومية وتمويلات الحرس الثوري من أجل إنتاج أفلام لأبطال أكثر إثارة للمشاعر من خلال دفاعهم عن إيران بنفس قدر ولائهم للثورة. من أبرزهم تشي إبراهيم حاتاميكيا في (2014)، وهو فيلم عن مصطفى جمران، أول وزير دفاع بعد الثورة. ويصور الفيلم جمران ليس كمدافع عن الإسلام بشكل كبير، ولكن كرجل قاتل من أجل الدفاع عن المظلومين، ليبدو كـ”تشي غيفارا” الذي أعجب به الشباب الإيراني.
وإذا كان من الصعب تقييم هذا العمل، تقول نرجس باجوغلي، إنه من الجدير بالذكر أن جنازة العامة التي تم تنظيمها الشهر الماضي لـ175 من الغواصين العسكريين الذين تم اكتشافهم بعد غيابهم منذ الحرب بين إيران والعراق، وتوجهت حشود غير مسبوقة من جميع المشارب الاجتماعية والسياسية، بما في ذلك أولئك الذين لم يعتادوا حضور المناسبات التي ترعاها الدولة، والاحتفال بهم كأبطال وطنيين دافعو عن سيادة إيران.
وتختم مستحضرة قول محسن رضائي، الذي قاد الحرس الثوري في الحرب العراقية الإيرانية، في خطاب ألقاه خلال الحفل “إن الغواصين كانوا أشجع منا، لقد ضحوا بحياتهم من أجل استقلال بلدنا ونجاح ثورتنا”.
ويتنزل الفيديو الموسيقي لتاتالو ضمن هذا السياق، ويعتبر الهدف النهائي من كل عمل ثقافي ترعاه الدولة، ويحظى بتمويل كبير لإنتاجه، هو الحفاظ على الثورة.