النسق المتسارع للحياة يغير عادات الطعام في المغرب

مع تغير نمط الحياة لم يعد هناك متسع من الوقت للمغاربة كي يجتمعوا حول مائدة الغداء؛ ذلك أن الزوجين يشتغلان وصار أفراد العائلة يتناولون الوجبات الخفيفة التي تحوي العديد من المخاطر ومنها حالات التسمم التي تعد اليوم بالمئات بسبب طرق الزراعة التي أصبحت تعتمد على المبيدات والأسمدة الضارة.
الرباط - شهد المجتمع المغربي، كغيره من المجتمعات، تحولات عميقة انعكست على مختلف جوانب حياته وعلاقته بمحيطه، وكان من الطبيعي أن تتأثر أطباقه وما يتناوله على موائده اليومية بهذه التحولات.
ولا تكاد مواقع التواصل الاجتماعي تخلو من صور الموائد المزينة بمختلف الأطباق وأشهاها، وبأشكال فنية تثير متعة الناظرين وتسيل لعاب الجائعين. لكن السؤال الأهم هو: ما القيمة الغذائية لكل هذه الأصناف التي تغذي العين وتجوّع الجسم وتحرمه من حاجاته اليومية الأساسية؟
لقد فرضت ظروف العيش الجديدة وخروج الزوجين معا إلى العمل واقعا جديدا، كما يقول الباحث الزراعي عبدالواحد الشريع. وهذا انعكس بالطبع على عادات الأكل حيث اتجه الجميع إلى الأكلات السريعة غير المغذية خارج البيت، إذ لا وقت أمام الكثير من العائلات للطهي في المنازل؛ فقد فرض نظام الحياة السريعة والمدنية والتحضر والعولمة إيقاعه على الجميع وباتت المأكولات السريعة منتشرة بكثرة وزاد الاهتمام بالمكملات الغذائية التي تركز على الذوق على حساب القيمة الغذائية. والأدهى من ذلك أن الآباء يساهمون في انحراف أبنائهم عن النظام الغذائي المغربي المتوسطي.
النظام الغذائي عند المغاربة، كما يقول نبيل العياشي المختص في التغذية، كان بسيطا لكن بنيتهم الجسدية كانت قوية وصحتهم جيدة، والآن أصبحوا يعتمدون على السكريات الصناعية والمقليات، والنتيجة ازدياد نسبة الأمراض المرتبطة بالتغذية.

ويساعد اتباع النظام الغذائي المشار إليه سابقا على اجتناب مجموعة من المشاكل الصحية المرتبطة بسوء التغذية، لكن للأسف يضيف العياشي "بدأنا نشهد تغيرا عند المغاربة الذين يفضلون أطباقا أخرى دخيلة على مجتمعنا، وأغذية مستوردة أخرى لا نعرف مصدرها ظانين عن سوء فهم أنها أفضل من الأغذية المغربية".
ويضيف "افتقدنا الأكل الخاص بالبحر الأبيض المتوسط ، فهو من أحسن الأنظمة الغذائية في العالم لأنه يعتمد على الخضروات والبقوليات وزيت الزيتون والأسماك أكثر من اللحوم التي كانت موسمية في الأعياد والأفراح مثلا؛ إذ لا تمثل إلا نسبة 10 في المة من الوجبات قبل أن تزداد وتيرة تناولها بشكل كبير. وكانت وجباتنا متكاملة ومتوازنة واليوم طغت عليها المكملات التي حسنت الذوق وأفقدتها قيمتها الغذائية".
وتقول سميرة المدغري المختصة في التغذية "يعيش المغاربة مرحلة انتقالية حاسمة، وإن لم يأخذوا الموضوع على محمل الجد فسنجد أنفسنا في طريقنا إلى الهلاك والكلفة ستكون باهظة مستقبلا".
وثمة عاملان حاسمان كان لهما دور مهم في تغير النظام الغذائي عند المغاربة؛ الأول اقتصادي والثاني اجتماعي، فالأول حسب الشريع دائما يكمن في ارتفاع كلفة المعيشة والالتزامات المادية الكثيرة للعائلة مثل تحمل نفقات المدارس ومعاليم كراء المنزل وغير ذلك من الأمور التي تستنزف الأسرة ماديا بالنظر إلى القدرة الشرائية الضعيفة المرتبطة بالرواتب أساسا.
أما الجانب الاجتماعي فيكمن في غلبة المظاهر الاجتماعية من خلال حرص الأسر على اقتناء الكماليات، مثل الهواتف الذكية والإنترنت والأثاث الرفيع والملابس الفخمة، على حساب الأساسيات التي منها النظام الغذائي الصحي.
ويشهد المغرب سنويا ما بين 1000 و1600 حالة تسمم حسب نشرة علم الأوبئة والصحة العامة الصادرة مؤخرا عن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وهو رقم يظل بعيدا عن الواقع إذا علمنا أن الحالات التي تستأثر بالاهتمام هي حالات التسمم الجماعي في المؤسسات أو المطاعم، فضلا عن كون نسبة مهمة من المغاربة تلجأ إلى الأعشاب وطرق العلاج التقليدية.
وكشفت النشرة أن ما يناهز 25 في المئة من مؤسسات تقديم الطعام الخاضعة لمراقبة مصالح الصحة يهدد المستهلكين بالتسمم الغذائي بسبب ظروف التخزين غير السليمة والمواد الكيميائية التي تمثل مصدرا رئيسيا للأمراض التي تنقلها الأغذية.
"المغرب لا يتوفر على رؤية واضحة وسياسة عمومية مندمجة في مجال السلامة الصحية للمنتجات الغذائية"، تلك هي النتيجة الصادمة التي خلص إليها المجلس الأعلى للحسابات في تقريره سنة 2018، كاشفا بذلك عن اختلال المشاريع الكبرى التي تهم النظام الغذائي المغاربي بسبب فساد وتلوث الخضروات والفواكه واللحوم.
وإذا كانت المبيدات الزراعية شرا لا بد منه في الإنتاج الزراعي اليوم فإن مسائل تدبير هذا المجال ومراقبته وتقنينه تظل بعيدة المنال لأسباب كثيرة؛ فتقرير المجلس الأعلى للحسابات كشف عن عدد من الشروط التي لا تحترم من قبل المنتجين، كالالتزام بالمقادير المصادق عليها والمدة الزمنية الفاصلة بين العلاج الكيميائي والجني للتخلص من بقايا المبيدات في الفواكه والخضروات.
◙ المغرب يشهد سنويا ما بين 1000 و1600 حالة تسمم، حسب نشرة صادرة مؤخرا عن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية
ويقول إبراهيم اليوسفي المختص في أمراض النباتات والمتخصص في التحسين الوراثي للحبوب إن معظم المشاكل التي يواجهها المغرب تتعلق بإنتاجه الزراعي، بدءا من الحبوب وصولا إلى موجة تكثيف الإنتاج التي انطلقت في الستينات والسبعينات على حساب الجودة، كما ساهم لوبي الاستيراد في احتداد المشكلة من خلال تهميش الأنواع المغربية الأصيلة.
ويضيف "المغرب يتوفر على كل الإمكانيات التي تضمن له تحقيق نتائج متميزة في مجال الإنتاج الزراعي، خصوصا من الحبوب، لكن تهافت التجار المضاربين من الرأسماليين الباحثين عن الربح وغياب الإرادة السياسية عند أصحاب القرار تسببا في فقدان المغرب لسيادته في مجال حيوي جدا كان يعتبر رائدا فيه ومازال يملك المقومات التي تخول له الريادة".
ويقول المهندس الزراعي فؤاد شعيب لوكالة الأنباء الألمانية “أهملنا زراعة الحبوب والقطاني وحتى زراعة النباتات الزيتية، وراهنت السياسة المغربية على الإنتاج الموجه للتصدير، فضلا عن مضاعفة الجهود العلمية المتمثلة في علم الوراثة لتحسين إنتاج مجموعة من الثمار وتكثيرها على حساب الجودة والمنتجات المحلية المتميزة بمذاقها الخاص. أجدادنا عاشوا بصحة أفضل من جيلنا والسبب واضح: طعام طبيعي وطهي في أوان فخارية".
هذه العوامل كلها دفعت بوعزة خراطي رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك إلى دق ناقوس الخطر بخصوص موضوع البذور المغربية الأصلية لصالح بذور هجينة مستوردة تجعل المغرب في تبعية دائمة للخارج.